سعة أمثلة المُعارضة حول العالم تكاد تكون سعة عصية على التصنيف. هناك معارضات متنوعة بتنوع خصوصيات الأنظمة في أرجاء الأرض. ومنذ عام الفين وثلاثة، غاب هذا المصطلح عن فضاء العمل السياسي العراقي لسببين أساسيين، الأول أن (التوافق، التحاصص، التقاسم)، قتل عملياً فكرة المعارضة، ومنع تشكّلها، ولا أحد ينسى سخونة الحراك الأمريكي على وجه الخصوص، كلما انتهت عملية انتخابية في العراق، كانت جهود الولايات المتحدة تنخرط على الفور في محاولة للضغط كي يشترك الجميع في الحكومة، حكومة التمثيل الطيفي والعِرقي الواسع.
والحصة في المشاركة فُسّرت على أنها حصة في السلطة. والحصة في السلطة فُسّرت على أنها عوائد القوة المتحصلة من ريعها، يعني؛ عودة قسرية الى معقد السلطة-المال.
هذا الحال، قتل المعارضة. ولم يجعل من الممكن للتيارات المنهجية ان تتصارع سياسياً. انما الصراع السياسي انحسر عموماً حول النفوذ ولا شيء غير النفوذ. وفي النهاية، تكسّرت أذرع الدولة وصارت قيامتها وسيادة القانون ضمن نصوص الشعر أكثر مما هي في نصوص البرامج الإجرائية.
المعارضة لغرض المعارضة فقط، هذه لم تنتج ولن تنتج. لأن الاحتيال اللفظي لا يصمد أمام الفهم الجماهيري المتطور، والذي ثبُت أنه أسرع تطوراً واستجابة من كل الحركات السياسية العراقية متصدرة المشهد.
نعم، بلا قيد أو توكيد مضاف، العراق بحاجة فعلاً الى دور للمعارضة. ليس ابداً من سبيل الترف أو التنويع حتى نشير الى العملية السياسية ونقول باطمئنان أنها ديمقراطية. إنما الحاجة الى دفع المؤسسات الدستورية الى التشخيص الدقيق لأدوارها التي تؤديها بالعادة. لن تكتمل أبداً مهام مؤسسات الدولة مالم تكن هناك رقابة شعبية، تقودها المعارضة وتكشف أكثر مما تطالب. هذه هي المعارضة التي يدلنا عليها العقل باستخدام اللغة، أما النسخ الأخرى من(أنواع) أخرى من المعارضة، فلا حجة ولا حاجة لوجودها ما لم تؤد هذه الأدوار بمعزل عن قصة الحصة سيئة الذكر.
المعارضة هي ارتقاء وانتقال من الصراع السياسي من بواباته الطائفية والعرقية والمناطقية، الى أن يكون صراعا على المناهج والسبل الأفضل لتطبيق عمل السلطة وفقاً للدستور. ولهذا، فلا يمكن أن تنشأ المعارضة بمجرد قرار سياسي، إنها اختيار ممنهج وطويل الأمد. ما زلنا في انتظار من يسلكه.

عرض مقالات: