في الحالات التي انخفضت فيها اسعار البترول، انكشفت بوضوح هشاشة ما تسمى بخطط التنمية الاقتصادية واثارت اسئلة صادمة امام الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي حول مدى نجاح السياسات الاقتصادية في تحقيق الاستقرار وتحسين معدلات النمو الاقتصادي في العراق بعد الاحتلال في عام 2003 وعمق الاختلالات الهيكلية وفشل الحكومات المتعاقبة في الاستفادة من الوفرة المالية المتحققة اثر ارتفاع اسعار النفط وتوظيفها في اعادة بناء القاعدة الاقتصادية .
ويتجلى الارتباك في السياسة الحكومية في انسياق الحكومة وراء رؤى مستنسخة عن تجارب عالمية فاشلة من خلال الاتجاه القسري الى اقتصاد السوق الحر والتحول السريع من الاقتصاد المركزي الذي انتهى عمليا في الحقبة الاخيرة من النظام السابق وما ترتب عليه من اجراءات ولكن هو في حقيقته لا يمت بصلة الى اقتصاد السوق رغم اصدار العديد من التشريعات والقوانين وخاصة المتعلقة بالاستثمار وحماية المنتجات الوطنية وحماية المستهلك فيما يراوح القطاع الخاص في مكانه بسبب شحة امكانياته الذاتية او ضعف سعي الدولة لتمكينه للعب دور ايجابي في الاقتصاد.
ومن جانب اخر فقد عمدت الدولة كجزء من رؤيتها الاقتصادية الى توسيع قاعدة الجهاز الاداري وما صاحب ذلك من زيادته نفقاته الاستهلاكية ورفعت من مستوى الدخول مع ما صاحب ذلك من البذخ في الا نفاق خارج نطاق الإنتاجية ما تمثل في فيض في سيارات النقل ومخصصات ما انزل الله بها من سلطان وحصرها في دوائر معينة، وفِي الرئاسات الاربع والامانة العامة لمجلس الوزراء والعديد من الوزارات والايفادات السياحية بحجج التدريب وتحويل الطلب الناتج عن مضاعفة القوة الشرائية نحو الجانب الاستهلاكي وهو ما عبرت عنه نافذة البنك المركزي حيث زادت مبيعات البنك المركزي للقطاع التجاري الخاص الى اكثر من 300 مليار دولار لغاية عام 2017 حيث جرى التركيز على استيراد البضائع الاستهلاكية الرديئة مما ادت الى تدوير الجزء الاعظم من الموارد النفطية الى الخارج عبر ما جرى التعبير عنه بالباب المفتوح .
والتجلي الاخر غياب السياسة الاقتصادية الرشيدة وظهور قطاعين اساسيين منفصلين هما قطاع النفط والقطاعات الاقتصادية الاخرى التي تتماثل جميعها في ضعف مساهمتها في الانتاج المحلي الاجمالي فيما يكون القطاع الاول اكثر تطورا لكنه غير قادر على استيعاب العمالة العراقية العاطلة وانه يشكل 60 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي واكثر من 90 في المائة من الصادرات الوطنية وهذا التفاوت في القطاعين ادى الى حدوث تناقض صارخ في الاقتصاد العراقي .
ان الرؤية الاقتصادية السليمة من وجهة نظرنا تتطلب التوقف عند وجهة الزيادة في الانتاج المحلي الاجمالي والتي تتوقف هي الاخرى بالأساس على الزيادة في الطلب الاستهلاكي والطلب الاستثماري. وهذان العاملان يرتبطان بالتوجهات التي ترسمها السياسات الاقتصادية فمثلا كانت نسبة الاستثمار الى الناتج المحلي الاجمالي في عام 2013 بحدود 22 في المائة فقط فيما تشكل النسبة المنطقية 35 في المائة . ولكي لا يكون الاستهلاك هو العامل المهيمن في الاقتصاد نقترح الاتي :
1.
ضرورة تطوير القدرات الانتاجية المكونة للاقتصاد العراقي مع ضرورة التصدي للقيود المعرقلة لجانب الطلب الكلي حيث بشكل مصدرا مهما وحاسما من مصادر النمو الاقتصادي ذلك لان ضعف نمو الطلب المحلي يحد من القدرات الانتاجية واذا كان بطيئا او مصحوبا بالبطالة والفقر فانه يؤدي الى شلل في مناخ الاستثمار .
2.
ضرورة مراجعة البرنامج الحكومي لما تبقى من عمر الحكومة الحالية بوجهة توظيف جزء محدد وفاعل لأغراض الاستثمار في مجالات تساهم مباشرة في تنويع الاقتصاد وتطوير الصادرات غير النفطية وهذا يتطلب الشروع في انشاء صندوق سيادي للاستثمار لتوظيف مدخراته في تحفيز الانشطة التنموية ورفع الانتاجية لتكون على رأس الاولويات عل المستوى الوطني .
3.
التأكيد على منح القروض الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة تفضيلية بالتوازي مع تسهيل اجراءات الاستثمار وتلعب السياسة النقدية دورا مهما في عملية التنمية الاقتصادية بالتنسيق مع السياسة المالية ودعوة الخريجين من الجامعات والمعاهد العراقية الى الانغمار في هذه المشاريع بدلا من انتظار عطايا الحكومة .

عرض مقالات: