حينما دبّتْ قدماي على درب القراءة والكتابة، انعكس كل ما أقرأه على مجرى حياتي، وعلاقاتي مع الناس. الاحترام والمحبة وتفهّم الآخرين هو عنوان كل تصرفاتي، لهذا ظلَّ والدي يقول لأترابي: ابني هذا مثقف ومتحضّر. ما حدا بأترابي وأقراني أن يمتعضوا من كلامه لعدم فهمهم ما يعنيه، فأخذوا يغارون منّي، ويشاكسونني ويتشاجرون معي دونما سبب، إلى أن قلت لهم ذات يوم بعد أن ضقت ذرعا بتصرفاتهم: أخواني، أبي لم يقصد أهانتكم والحطّ من قدركم وتفضيلي عليكم، بل أراد أن يقول لكم تصرفوا مثله، انه يقرأ كثيرا ويتعلم أكثر، ويطبّق كل ما يتعلمه من الكتب أدبيا وعلميا وفنيا واجتماعيا في حياته معكم ومع الآخرين!

بعضهم تفهّم كلامي والآخر أخذه على انه تبرير لما قاله أبي!

تذكّرت تلك الأيام التي مرّ عليها ما يقارب النصف قرن، وأنا أعيش وأشاهد وأسمع وأقرأ عن اختلاف وجهات النظر وعدم فهمنا لبعضنا، وكأننا نعيش في غابة بعضنا أعداء بعض، لا أبناء جلدة واحدة نعيش المعاناة نفسها والآلام نفسها والخراب نفسه، وينخر الفساد في كل مفصل من مفاصل حياتنا، حتى بتنا لا نعي ما نقول، أو لا نريد أن نعي ما يدور حولنا أو ما نقول أو ما يقوله الآخرون، بل نرفع عقيرتنا بالضدّ من كل مَنْ يحاول رفع الحجاب والغشاوة عن عيوننا ليقول لنا: أبصروا الحقيقة إنها واضحة كالشمس، ما لكم لا تفقهون؟!

صرنا نتنابز بالألقاب، ونشتم بعضنا، لأدنى كلمة أو جملة تقال هنا أو هناك، دون أن نقف قليلا لنتأمل هذه الكلمة ونفسّرها جيداً، بل أخذ الواحد منا يطالب بالقصاص من الآخر لأدنى سبب دون أن يعرف فحوى هذا السبب!

علاقاتنا باتت متوترة جداً، رغم ما نعيشه من بؤس وخراب وفساد في كل شيء!

أحلامنا تأجلت كثيراً، بل وُئدت في مهدها دون أن نبحث عن السبب. وأعتقد أننا نعرفه جيدا لكننا صمٌ بكمٌ عميٌ لا نريد أن نفتح أعيننا وآذاننا ونصرّح بالحقيقة المرّة التي لم تترك لقائلها صاحبا كما قال الإمام علي (ع) "لم يترك لي الحقّ صاحبا"!

آمالنا.. وهل هناك من أمل، أو حتى بارقة أمل تلوح في الأفق، ونحن حتى هذه اللحظة لم نفهم بعضنا جيدا، نعيش متباعدين متقاطعين متعاكسين مع بعضنا دون أن نعي ماذا يعني هذا التباعد والتقاطع والتعاكس. انه يعني المزيد من التدهور والخراب واستفحال الفساد والفاسدين!

إذا أردنا أن نبصر الحقيقة بوجهها المشرق ودونما حجاب أو غشاوة، علينا أن نفتح قلوبنا وضمائرنا وأرواحنا لبعضنا، ونجلس مع بعض نتحاور ونتناقش إلى أن نصل إلى الحل الأمثل والأنسب لكل شيء، أمّا إذا بقينا على ما نحن عليه فلنقرأ على البلد السلام!