قبل أيام وأنا أشارك أحبتي الأدباء مؤتمرنا الانتخابي ، طلب منّي العزيزان إبراهيم الخياط وطه رشيد أن أشارك في احتفال اللجنة الثقافية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بتكريم كوكبة من مناضلي الحزب القدامى ، فشاركتهم فرحتهم بثلاث قصائد.

 لم تكن القراءة همّي بقدر احتفالي  بهؤلاء الذين قدّموا كل ما في عمرهم من أجل الوطن ، وردة وردة قطفت  من أعمارهم  وهم يضحّون بالغالي والنفيس من أجل الناس وخدمتهم.

 ذاقوا مرارة الحرمان ، والمطاردات والسجون والتعذيب والقهر ، لكنهم لم ولن ينحنوا أبداً ، بل ظلوا واقفين شامخين كنخيل العراق. ومع تقدمهم بالعمر كبر حب الوطن والناس في قلوبهم ، ليزدادوا إصراراً وعزيمة وعنفوانا على مواصلة الدرب الذي وضعوا أقدامهم فوقه، يحدوهم الأمل بوطنٍ حرٍ وشعبٍ سعيد !

عجائز وشيوخ صهرتهم الأيام في معترك الحياة النضالية، وقفوا أمامنا يتقلدون ميدالية الحزب ليعطونا درسا بليغا في الحياة !

ساعتها تذكرت أبي وأمي وكل أهلنا الراحلين، الذين غمرونا بعطفهم ومحبتهم وهم يحملون على كاهلهم هم الليالي والأيام بمراراتها وحلاوتها ، نهاراتها ولياليها ، بسغبها وتخمتها ، بدفئها وبرودتها وصيهودها  ، وهم يعلموننا معنى العشق الأزلي للأرض !

كم كانت وقفتهم أمام الجمع المحتفي بهم كبيرة ؟!

وكم كان تكريمهم الآن أكبر درس لنا  ؟!

التكريم معناه  اننا تعلمنا منكم الكثير، وعلينا دَين نريد أن نردّه لكم  ، هو الاعتراف الحقيقي بفضلكم ونضالكم وشجاعتكم ورهانكم الذي ربحتموه الآن، وانتم تتقلدون محبة أبنائكم وإخوانكم ورفاقكم.

اغرورقت عيناي بالدموع وأنا أراهم يحملون العمر على أكفهم، مصفّقين وهم يمشون الهوينا ليعانقوا بحرارة أبناءهم الذي حملوا المشاعل وراءهم، مهتدين بالفكر والنضال الذي سموا به ، يعانقونهم ويلتقطون الصور معهم وكأنهم عادوا لأيام الصبا والشباب.

 يا لروحهم الكبيرة ، وقلوبهم ونفوسهم الأكبر، التي منحتنا في تلك اللحظة المعنى الأسمى والأمثل للحياة ومحبة الناس والوطن !

مبارك لكل من تقلّد الميدالية التي تحمل كل ما تسمو به رحلة العمر ، مبارك للمقلدين والمقَلَدين هذا النور الطافح بالمحبة والأمل الكبير، الذي لم يخفت بريقه منذ أكثر من خمس وثمانين شمسا ساطعة، ونجوما وكواكب آلت على نفسها أن ترسم للناس لوحة تؤكد معنى العشق الحقيقي للأرض،  منذ خمس وثمانين فرحة ولهفة ولوعة وشوغة وبسمة وصرخة وهمهمة وركضة وقفزة وعبرة، وكلمة نضال لم تنطفئ حروفها ، بل كلما مرت سنة توهجت أكثر.

التكريم الذي زادني شرفا أن أشارك في فرحته وزادني إصرارا ومحبة وأملا، لم يكن مجرد تكريم آبائنا الذين منحوا الحزب والوطن والناس زهور أعمارهم ، بل هو ايضاً تكريم لنا ولكل الشباب القادمين لاحقا ، كي يعرفوا أن الناس لن تنسى بعضها أبدا ، بل تظل ترفعهم أيقونة نضال ومحبة وتاريخ لن ينتهي مهما دارت الأيام والليالي..

التكريم ثمرة عمر أشعل شمعة فرحته ذات مساء، فظلت متوهجة إلى الأبد !

مبارك للمكرمين ومبارك لنا بهم !