لا يمكن اختزال مبادرة " انا عراقي انا اقرأ" بما يجري في اليوم الذي يقام فيه المهرجان.  فأثره يبقى طويلا بعد ذلك، لانه حدث بالغ الاهمية، تكلل بالنجاح منذ انطلاقته الاولى في ٢٩ ايلول ٢٠١٢.  فكيف يكون الحال بعد تواصل اقامته للسنة السابعة على التوالي، واكتناز منظميه المثابرين التجربة والخبرة في تحضير وتنظيم وادارة فعاليتهم الكبيرة في حجمها ودلالاتها!

عندما كنت متوجها الى موقع المهرجان مساء السبت ١٣ نيسان ٢٠١٩، استذكرت المهرجان الاول، الذي تم تسجيله حينذاك باعتباره أهم نشاط مدني واسع، حيث شارك فيه أكثر من اربعة آلاف مواطن من بغداد ومن محافظات اخرى مختلفة، قصدوا جميعا نصب شهريار وشهرزاد وما في قربه من ارض تمتد حتى جرف دجلة الخير. حينذاك كنت انا مثل غيري ممن شهدوا الفعالية الكبيرة، اقف مبهورا بقدرة الشباب المتطوعين على تنظيم كل تلك الانشطة المتنوعة، الجميلة في شكلها ومحتواها، والتي ركزت في صورتها الأساسية على إشاعة ثقافة القراءة.

وبالفعل جرت خلالها قراءات جماعية، الى جانب توزيع نسخ كثيرة من الكتب التي تبرع بها مواطنون كثيرون.  حيث قام الشباب المتطوعون في إطار المبادرة بحملات لجمع حصيلة التبرعات الواسعة من الكتب، من المكتبات ومن المواطنين. كانت الحصيلة تتمثل في أكبر تجمع للقراءة شهده العراق آنذاك.  وقد اوصل الشباب عبر تنظيمهم تلك المبادرة، رسالة الى الدولة ومؤسساتها، مفادها ان من الضروري الاهتمام بالقراءة وبالكتاب، بعد التجاهل الطويل للثقافة والفنون والتعليم. كما أكدت المبادرة عبر مؤسسيها أنَّ التعليم حق اساسي كفله الدستور، وان الاستثمار في التعليم والثقافة والقراءة والمطالعة ودعم الكتاب، انما هو إسهام في التنمية المستدامة.

وكان طبيعيا ان تنال الفعالية اهتماما كبيرا من وسائل الاعلام ومن شرائح المجتمع العراقي المختلفة، فضلاً عن اهتمام النشطاء والمثقفين، وسط غياب واضح للإسهام الحكومي. وأشر مؤسسو المبادرة والمشاركون فيها ان الاحتفاء بالكتاب ظاهرة غائبة عن المجتمع العراقي، وانه ميزة انفردت بها هذه المبادرة.

لقد أقيمت المبادرة هذا الاسبوع في نسختها السابعة، وسط حضور تجاوز اربعة اضعاف حضور موسمها الاول، وحظيت ايضا بتغطية إعلامية كبيرة. وهكذا وللسنة السابعة على التوالي نجحت جهود الشباب في اقامة مهرجان اشاعة ثقافة القراءة في العراق، بعد أشهر من التحضيرات المضنية.

لم استغرب توزيع ٢٥ ألف كتاب في غضون خمس ساعات لا أكثر هي وقت المهرجان، لكن الاعجاب تركز على الجهد التطوعي الرائع الذي استطاع جمع ذلك العدد الضخم من الكتب عبر حملات تطوعية، استمرت على مدار العام، وجرى خلالها طرق ابواب المواطنين والمكتبات، وحث الكتّاب والمثقفين على التبرع.

 ان مبادرة "انا عراقي انا اقرأ" قصة نجاح تستحق الاعجاب والاشادة، وهي درس بليغ في ثقافة العمل التطوعي من اجل الشأن العام.

انها دعوة الى رفض الاتكالية والانانية والكسل والانطواء، كما هي تحدٍ للمهرجانات الحكومية الباذخة، التي تتسرب منها روائح الفساد.

عرض مقالات: