اسمه الدكتور ديفيد بيزارو، أستاذ الأبحاث النفسية الاقتصادية وعلم النفس الإجتماعي في جامعة كورنيل بنيويورك. لديه مؤلفات متعددة ومهمّة في مجال"الأحكام الأخلاقية"،أو طريقة تكوين الرأي الأخلاقي عند الفرد. ونشرت جامعة يال الأميركية الشهيرة عدداً كبيراً من أبحاثه وكتبه.
بدأ منذ سنوات بدراسة وتطوير فرع من علم النفس التطوّري أسماه(سايكولوجيا القَرَف والتقززّ!).نعم، هذا هو الاسم الدقيق لفرع دراسته.
وخلاصة دراسته أن مشاعر القرف التي يشعر بها الإنسان، إنما هي نوع من أنواع تطوير القابليات البايولوجية والنفسية من أجل البقاء على قيد الحياة. فشعورنا بالتقزز من جثث الحيوانات الميّتة مثلاً والمواد ذات الروائح الكريهة، وابتعادنا عن الأماكن التي تفوح منها العفونة، إنما هي (تكنولوجيا حياتية ذاتية) طوّرها جسم الإنسان من أجل زيادة فرصة بقائه.
الأمر أكثر تفصيلاً من هذه الكلمات بالتأكيد. ويتعداها إلى عزوف الإنسان عن المذاقات الشديدة والمتطرّفة(شديدة الملوحة، أو شديدة المرارة،أو مثل ذلك)، لأنها ستكون خطرة على أكثر الاحتمالات.
هذه الانطباعات والآراء والمشاعر عن الأشياء)المُقرفة(والمقززة يتم نقلها بطرق متعددة داخل العائلة الواحدة أو الأنساق الإجتماعية، بما يتناسب والموروث أو البيئة التي تراها الجماعة صالحة لبقائها. ومنها يتفرع تفسير د.بيزارو المُعقّد جداً لذائقة الشعوب، وطريقة تعيين ما هو مُقرف بالنسبة لها، أو ما هو مقبول، والتي هي ذائقة العضو المُفرد فيها أيضا. الأمر يتعلق تجريبياً بغرائز الرغبة بالبقاء على قيد الحياة. وتربط دراسات بيزارو بين اعتماد الشعوب على أنواع موروثة من التوابل والمذاقات وبين موروثها في محاولات البقاء وطرق تحسينه ومقاومة الأمراض.
طبعاً ليس بالضرورة أن تكون إختيارات الشعوب صحيحة، إنما هو معتقد ساد لفترة معيّنة، وتم تبنيه لأن هناك جيلاً معيّناً حوّل المعتقد إلى(قاعدة)معتمدة، وأخذه الظن بصحّة هذه الاختيارات التي قد تبدو مُقرفة ومقززة للشعوب الأخرى. لكنها في الأصل مجرّد وسيلة للبقاء لم يثبت علمياً لمن تبناها قبل آلاف السنين أنها صالحة.
عِلم القرف هذا ربما يمثل ثورة في مجال الدراسات النفسية والاجتماعية، لكنّه سيمر بمراحل وتفرّعات كثيرة قبل أن يتحول إلى نظريات علمية رصينة.
ربما سيأتي يوم نفسّر فيه ظواهرنا السياسية (المُقرفة) والمقززة على أنها وسيلة من وسائل البقاء لمرتكبيها.
وربما أن القرف! الذي مرّ علينا في حياتنا السياسية والاجتماعية هو ليس أكثر من وسيلة بقاء ناجحة جداً(سنكتشف هذا قريباً) لعدد مُحدد من الأفراد تنعّموا بالعيش عبر إغراقنا بالقرف!...أقول ربما.

عرض مقالات: