خطا مجلس النواب خطوة موفقة في الغاء البند المتعلق بالاقتراض الخارجي من موازنة 2019، رافعا عن كاهل الخزينة عبئاً ثقيلا لطالما ضاق ذرعا بآثاره الشاقة فالقروض بطبيعتها سواء الخارجية او الداخلية وجه من اوجه السياسة المالية للدولة غالبا ما تلجا اليها الدول النامية لتغطية النفقات العامة الجارية وقليلا من النفقلات الاستثمارية عندما تعجز مواردها المحلية عن تغطية هذه النفقات ولكنها واجبة الدفع مع فوائدها فضلا عن شروطها القاسية واحينا المذلة . وحسب تصريحات اللجنة البرلمانية فان حجم الديون الخارجية قد بلغت 133 مليار دولار وهذه القروض حسب تصريحات صندوق النقد الدولي كانت قبل 6 سنوات 73.1 مليار دولار ارتفعت في عام 2014 الى 75.2 مليار دولار وفي عام 2015 الى 98 مليار دولار بينما في عام 2016 وصل الدين الى 114.6 فيما ارتفع في عام 2017 الى 122.9 مليار دولار . والمتتبع للقروض الخارجية يجد انها وجهت في معظمها الى النفقات الجارية والى سد العجز في الموازنات السنوية بما فيها قروض البنك الدولي لتضاف في نهاية الامر الى هذه النفقات. اما النفقات الاستثمارية فلم تحظ الا بالنزر اليسير وحتى هذا الجزء من القروض وظف في مشاريع وهمية او مشاريع طالها الفساد والهدر المالي، وانتهت الى أطلال. فعلى سبيل المثال كانت نسبة النفقات الاستثمارية في عام 2013 ، حيث الموارد النفطية كانت عالية (40) في المائة انخفضت الى (35) في المائة والى (27) في المائة في عامي 2015 و2016 ثم الى (25) في المائة في موازنة عام 2019 ، في مقابل هذا ازدادت القروض بحدود 50 مليار دولار فماذا كانت اثارها الاقتصادية ؟.
تشير المعلومات الى ان تلك القروض قد وجهت مع النفقات الجارية الى قطاع الاستهلاك مما ادى الى زيادة الطلب المحلي وفي ظروف كان فيها جهاز الانتاج عديم المرونة او قليلها فان هذا الطلب اتجه تلقائيا الى الاستيراد الخارجي وعاد جزء من الايرادات النفطية التي تشكل 90 في المائة من اجمالي الايرادات الحكومية مع القروض الى الخارج بالعملة الصعبة فكانت نافذة البنك المركزي وعاء جاهزا لخروجها من العراق لحساب القطاع الخاص التجاري حيث بلغ حجمها للفترة من عام 2003 - 2016 (278) مليار دولار .
ومن اثار الاقتراض الخارجي علاقته بالبنيان الضريبي فبمقتضى السياسة المالية جرى التركيز على فرض الضرائب غير المباشرة وانعكس عبء هذه الفواتير على اصحاب الدخول الواطئة فعلى سبيل المثال فان نسبة الضرائب غير المباشرة بلغت بعد عام 2015 (67) في المائة من الايرادات الضريبية.
ومما تقد م يتبين ان المضي في الاقتراض الخارجي سيحمل الموازنات السنوية اعباء مالية لا يمكن احتمالها خاصة اذا علمنا ان تسديد فاتورة هذه الديون كأقساط وخدمات تشكل (10) في المائة من إجمالي النفقات العامة في موازنة 2019 الامر الذي يتطلب من الحكومة مراجعة جادة لمبدأ الاقتراض الخارجي والبحث عن البدائل الممكنة للتعويض عنه مع الاخذ بعين الاعتبار ما يلي :
1. اعادة النظر بجدية في السياسة المالية الانفاقية من خلال السعي ليس فقط الى تخفيض حجم الانفاق وهو امر ضروري وانما الى اعادة النظر في مراجعة بنية الانفاق عبر الدخول في تفاصيل الانفاق الحكومي وتقليص ما هو غير موجب وفيه فساد وهدر مالي وخاصة في هياكل الرئاسات الثلاث والاسراع في مراجعة سلم الرواتب بما يزيل التفاوت المفرط بين مؤسسات الدولة .
2. اعادة النظر في النظام الضريبي ومراجعة الضرائب المباشرة سبيلا لإعادة توزيع الدخل بين المواطنين بالاضافة الى توفير الخدمات العامة وتحسين مفردات البطاقة التموينية.
3. ربط مستوى الدين العام من خلال تحليل المؤشرات الاقتصادية الى نسبة التصدير والاستيراد والناتج المحلي الاجمالي وربطه ببرنامج التدبير الاحتياطي عن طريق تخفيض الديون لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي ورفع كفاءة القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية وزيادة مساهمتها في المؤشرات الكلية للاقتصاد.

عرض مقالات: