تعد الميزانية الأداة الرئيسة لتنفيذ السياسة الاقتصادية الاجتماعية، ومن خلال ارقامها تنعكس أولويات الحكومة واهتماماتها، فيما تعد الرؤية التي تصمم في ضوئها الموازنة، واحدا من اهم مؤشرات الإصلاح. وان نظرة متفحصة الى ارقام موازنة 2019، توضح بجلاء حقيقة ان ازمة المعيشة والخدمات ستبقى تثقل كاهل فقراء العراق وكادحيه.

واستطرادا نقول ان ارقام الموازنة تكشف دلالاتها. فعند الاطلاع على تخصيصات القطاعات المتنوعة، نتلمس عدم قدرة الحكومة ومنهاجها وتوجهاتها، على الاستجابة  لحاجات الطبقات الكادحة والمهمشة، ولا لتطلعات العاطلين الى فرص عمل تنهي معاناتهم، الا بحدود ضيقة جدا لا تقترب من الحلول الجدية. كما انها تظهر عدم الجدية في اتخاذ تدابير عاجلة لتقديم الخدمات الضرورية للإنسان، وفي المقدمة توفير الماء الصالح للشرب، ومعالجة ازمة الكهرباء، وتوفير البطاقة التموينية وتحسين مفرداتها، ومحاربة الفقر، واتخاذ تدابير عاجلة اخرى للتخفيف من المظاهر الاخرى لمعاناة الناس المتفاقمة، وتأمين كل ما يؤمن معيشة كريمة للمواطنين، ضمن ويندرج هنا ضمان التغذية السليمة، والرعاية الصحية الأساسية، والمياه الصافية، وشبكات الصرف الصحي، اضافة الى تأمين السكن المناسب. أما حق المواطن في التعليم والمعرفة والحصول على المعلومة، فقد غدا من الاساسيات التي لا غنى عنها.

وللاسف نلاحظ تواضع التخصيصات في الموازنة للتعليم والصحة، ما يعني ان  اهتمام الحكومة بهذه القطاعات الاساسية لا ينسجم مع ضروراتها الملحة. وبالمثل جاءت التخصيصات الموجهة للاستثمار والتنمية، وللقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية، مخيبة للامال.

كل هذا يسهم في بقاء عوامل السخط وعدم الرضا، والتذمر،  في حين ان الحكومة عبرت عن توجهها الى اشاعة الامل في الخلاص من الاوضاع المأساوية الملازمة لحياة الناس، سيما الطبقات الكادحة والفقيرة وفئات ذوي الدخل المحدود والمهمشون.

ويبدو ان الاعلان عن خط الشروع لمحاربة الفقر والعوز، هو وعد لا يختلف عن الوعود التي اطلقتها الحكومات السابقة. وللاسف سيساهم هذا في تنامي عدم الثقة بين الناس والطبقة الحاكمة. والثقة لا يمكن استعادتها بالخطابات، ولا بالاستعراضات والحركات الشعبوية، انما بتقديم منجز ملموس.

ان الذاكرة الشعبية تبقى تستحضر مطلقي الوعود الزائفة. وكثيرة هي الوعود التي اطلقتها الحكومات السابقة، ولم يتحقق منها شيء. ولا زالت الناس تتندر بذكر من بالغوا كثيرا في وعودهم، من مثل الوزير السابق الذي وعد قبل سنوات، بان يصدر العراق الكهرباء الى دول الجوار! فصار وعده نكتة ظل الناس يتداولونها وهم يبتسمون بمرارة!

عرض مقالات: