لم تكن التغريدة التي اطلقتها (بريسيليا لودوسكي) بائعة أدوات التجميل في احدى ضواحي باريس في نهاية تموز 2018، وانتقدت فيها رفع أسعار الوقود بما يثقل كاهل ذوي الدخل المحدود، الا واحدة من اشارات الغضب على السياسة الاقتصادية - الاجتماعية التي ينتهجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. واتضح بشكل فاضح انحيازه الى اغنى الأغنياء. لهذا تزايدت اعداد المتفاعلين مع التغريدة حتى بلغت في بداية تشرين الثاني مئات الآلاف، وتكللت بانطلاق حركة السترات الصفر اثر دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي الى الاحتجاج في يوم السبت 17/11/2018، لتتواصل من ثم في كل سبت وتشمل اغلب المدن الفرنسية.
تم اختيار السترة الصفراء رمزا لحركة الاحتجاج الفرنسية نظرا لتوفرها، حيث تفرض التعليمات الفرنسية على سائقي السيارات حمل سُترات صفر في سياراتهم، لاستخدامها في حالات الطوارئ.
وكان الهدف الاساسي لحركة السترات الصفر هو التنديد برفع أسعار الوقود وبارتفاع تكاليف المعيشة، ثم توسعت المطالب لتشملَ رفض السياسات الضريبية غير العادلة، التي يرى المحتجون أنها تُفقر الفقير فيما تزيد الغنيّ غنى، وتنحاز لصالح الطبقة المترفة فيما يتضرر منها العمال والطبقة المتوسطة. وهكذا تصاعدت المطالب لتصل إلى تأمين حق السكن، وتحسين الأجور، وتطوير الضمان الاجتماعي، وتأميم شركات الغاز والكهرباء وتخفيض أسعارهما، وتحسين اجواء الدراسة. ووصلت المطالب حدّ المناداة باستقالة رئيس البلاد.
وواصلت حركة السترات الصفر احتجاجاتها للأسبوع الخامس على التوالي، على الرغم من تراجع الحكومة عن قرارها زيادة الرسوم على الوقود وإلغائها بشكل نهائي، متهمة الرئيس الفرنسي بـالتعجرف والغطرسة.
ورغم انخفاض أعداد المحتجين فإن وقع الحركة على الرأي العام الفرنسي لا يزال قويا، وتبقى أغلبية الفرنسيين تؤيد المطالب التي بلورتها الحركة الاحتجاجية، ما وضع الرئيس الفرنسي في موقف حرج يتأرجح بين اللجوء الى القمع لوضع حد للاحتجاجات، الامر الذي يكلف النظام ثمنا سياسيا باهظا في الظروف الحساسة التي تمر بها فرنسا، وبين تقديم تنازلات ما زالت غير كافية في رأي المحتجين، ما دامت لا تنطلق من موضوعة العدالة الاجتماعية. وهذا ما يضع النظام أمام امتحان صعب قد يرغم الرئيس ماكرون على اتخاذ قرارات غير مسبوقة.
وفي كل الاحوال وبغض النظر عن استمرار الحركة او انحسارها، فانها ستترك تأثيراتها على النظام السياسي الفرنسي، الذي طرحت السترات الصفر في وجهه أسئلة تتعلق بموضوعة المواطنة والعدالة والمساواة، ويتطلب الرد عليها تبني سياسات اجتماعية واقتصادية اكثر عدلا.

عرض مقالات: