اوضاع بلدنا العامة وحياة المواطنين وانحدارها من سيّء الى اسوأ على مختلف الصعد، وفشل المتنفذين في إيجاد حلول للمشاكل المتفاقمة، وإصرارهم على المضيّ وفق المنهج ذاته في طريقة الحكم وأسلوب الادارة، واستمرار حالة الاستعصاء .. كل هذا وغيره دفع جماهير واسعة، بضمنها جماهير الشيوعيين والديمقراطيين والمدنيين، الى المطالبة بالإصلاح والتغيير.
وتردد هذا المطلب كثيرا في هتافات المتظاهرين والمحتجين في ساحة التحرير وساحات الحراك الجماهيري الاخرى محافظات الوطن. فالتغيير غدا حاجة ملحة لا مفر من تلبيتها، وشرطا لأية عملية إصلاح حقيقي تنقذ البلد مما هو فيه من تدهور. فالمطلوب تغيير شامل يشمل الأشخاص ايضا.
ومن المؤكد ان توجها كهذا، وبالنظر الى ضخامة مسؤولية التغيير ورسم خارطة البديل لما هو قائم اليوم من حكم للمحاصصة ، يحتاج الى مقاربات على مستويات عدة ، وحراك متعدد الأنماط والاشكال يكمل بعضها بعضا، واصطفافا واسعا للقوى المدنية والديمقراطية والوطنية، الحاملة لمشروع التغيير ومكافحة الفساد .
ومن هنا جاءت القناعة باهمية وضرورة الحراك الجماهيري والمطلبي، وما يرفع فيه من مطالب وشعارات وطنية عامة، او تخص فئات وقطاعات معينة في المجتمع. وهذا الحراك سيبقى مطلوبا قبل الانتخابات . وأثناءها وبعدها.
والى جانبه هناك الوعي المجتمعي وضرورة الارتقاء به، بما يسهم في اشاعة مفاهيم الديمقراطية الحقة، وضمان حرية العقيدة والفكر، واعلاء شأن المواطنة فوق العناوين الفرعية مع احترامها ووضعها في سياقها الطبيعي، والقبول بالتداول السلمي للسلطة المستمدة من الشعب.
فالتغيير المطلوب يمر عبر كل هذا العمل المتعدد الاوجه، وهناك ايضا دور كبير للانتخابات التي ستكون نتائجها مقررة لتركيبة مجلس النواب المقبل وموازين القوى فيه، وللامكانية المتاحة بنتيجة ذلك في رسم السياسات والتوجهات، وصياغة ذلك في منظومة قانونية ملزمة لمؤسسات الدولة والسلطة التنفيذية .
ولا شك في ان تغيير موازين القوى المذكورة عبر الانتخابات والبرلمان، سيكون بيد المواطن – الناخب وبناء على قراره الحر، المستند الى الوعي والى إدراك ضرورة المشاركة الفاعلة في الانتخابات والحاجة الى التغيير، اضافة الى القدرة في لحظة الاختيار على التماهي مع قضايا الوطن والشعب العامة، بعيدا عن الانكفاءات الذاتية الضيقة والأنانية .
ومن المؤكد ان هذه العملية لن تمر بسلاسة ويسر، خصوصا وان المتنفذين والفاسدين يمتلكون السلطة والمال والإعلام، ويسعون عبر ذلك الى التشويش وقلب الحقائق والتأثير السلبي واثارة العواطف والنعرات الطائفية والقومية والمناطقية والعشائرية، وشراء الذمم ، بما يحفظ لهم مواقعهم ونفوذهم وسلطتهم وهيمنتهم على القرار ، كما حصل في مرات سابقة .
ولقد فقدت القوى المتنفذة نتيجة لفشلها في إدارة شؤون الدولة، ولما اصابها من ضعف ووهن، الكثير من صدقيتها ونفوذها ، ولكنها ستقاتل حتى آخر نفس تشبثا بمواقعها وسلطتها، ولن يحدث هذا بمعزل عن تاثيرات وتدخلات خارجية .
وهذا يُبين حقيقة ان الانتخابات القادمة ستكون معركة مفتوحة وواسعة بين قوى الإصلاح والتغيير على اختلاف عناوينها من جهة، والقوى المتنفذة من جهة اخرى، وهي التي تريد إدامة سلطتها باي ثمن، وحتى لو كان هذا الثمن وضع مصير الوطن عَلى كف عفريت .
انها معركة غير سهلة، وهي تستدعي من القوى المتطلعة والداعمة للتغيير والإصلاح المزيد والمزيد من التنسيق والتكاتف والتآزر والعمل المشترك. مثلما تتطلب ان تقول الجماهير المكتوبة بنار الأزمات كلمتها الفصل. فعليها يعتمد الكثير لخوض طريق المهام الكبرى المنتظرة لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية ، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان.