ما حصل في جلسة الثلاثاء الماضي لمجلس النواب، هي محاولة مقصودة للعودة إلى المربع الأول، فالمحاصصة، ومسخ الهوية الوطنية، وإعادة إقتسام الغنائم، وبالتالي البقاء في السلطة "وعلى عينك يا تاجر" هي السائدة في الوقت الحاضر.
لقد أستبشر العراقيون خيراً، بالاتفاق الذي ابرم بين تحالفي البناء، والإصلاح والأعمار، وعلى وفق الأسس السليمة، المتمثلة بتوزير شخصيات مستقلة، كفوءة، نزيهة، وتخويل السيد عادل عبد المهدي اختيار هذه الشخصيات، دون تدخل منهما، أو من أحدهما. لكن حسابات حقل الاتفاقات العلنية والإعلامية، لا تتطابق مع بيدر الكواليس والغرف المغلقة، ولا مع التدخلات الإقليمية والدولية، التي تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تشكيل الحكومة، وفي الشأن العراقي بصورة عامة.
ومن هذا المنطلق اتجهت وتتجه المساعي لتمرير بعض الوزراء الذين تظللهم رايات الفساد أو عدم الكفاءة، أو من المحسوبين على النظام السابق، كذلك يجري التشبث بشخصيات معينة، والإصرار عليها، كما لو أن العراق خلا من الكفاءات الوطنية والمهنية، لاسيما من أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية، وفيهم من قاد عملية تحرير الأرض العراقية من دنس "داعش" التي سلمها الآخرون لهذه المنظمة الإرهابية، على طبق من الخيانة واللاوطنية.
والملفت للنظر هذا الإصرار العجيب على اسماء محددة، والمغامرة بانفراط عقد الحكومة، وتدهور العملية السياسية برمتها نحو المجهول، وهو ما لا يقبله العقل أو المنطق، ولا أي عراقي يمتلك شيئاً من الوعي مهما كان بسيطاً، مع العلم أن الاتفاق بين الأطراف المعنية، ينص صراحة على تقديم ثلاثة أسماء أو أكثر، ورئيس الوزراء هو من يختار الأكفأ والأفضل من بينهم.
لا أحد يجادل في أن الدعم والــتأييد والإسناد، الذي حظي به السيد عادل عبد المهدي لم يحظ به أي سياسي عراقي، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى ألان، بدءاً من التحالفين المذكورين، وعموم الشعب العراقي، والمرجعية، وإنتهاء بأمريكا والدول الإقليمية، لكنه مع الأسف الشديد لم يستثمره بشكل جيد، مفوتاً الفرصة على نفسه وعلى الشعب العراقي، في رؤية حكومة تختلف عن الحكومات السابقة، وتستطيع أن تنتشله من الكارثة التي يعيشها، بفضل الفاسدين، والمتحاصصين الفاشلين.
والانكى من ذلك، وبعد المعمعة التي حصلت في البرلمان، ألقى السيد عادل عبدالمهدي الكرة في ملعب القوى السياسية، ورؤساء الكتل، وهو يعلم علم اليقين، أن الاتفاق بينهم أصبح عسيراً، وكان الأولى به، أن يبادر إلى اختيار من يراه مناسباً، بعيداً عن الضغوط والانصياع إليها.
مازالت الفرصة سانحة اما رئيس الوزراء، ليلعب هذا الدور المرتجى منه، ويكون رجل المرحلة فعلاً، فهل يقدم عليها، أم سيضيعها أيضاً؟!