ويبدو ان درسا اخر لم يستوعب . ففي التظاهرات الاحتجاجية الاخيرة التي حصلت في البصرة قامت جهات عدة بالاعتداء على المواطنين المتظاهرين واعتقلت عددا منهم ومن الصحفيين كذلك ، فيما اشارت تقارير صحفية الى استخدام الرصاص الحي .والأنكى من ذلك كما قيل ان مسؤولين كبارا في المحافظة ساهموا في ذلك .
من جديد نقول. بان العنف والإفراط فيه لا يحل المشاكل ، ان لم يعقدها، فهل نحن بحاجة الى التذكير بما كان يمتلكه الدكتاتور المقبور من آلة قمعية وحشية ظالمة ، وهل نذكر ايضا بما كان يملكه القذافي وكذلك شاه ايران وحزبه " راستاخيز" . فالعنف وان حقق في لحظة ما نتائج معينة في تمكنه من اسكات مؤقت للأصوات المطالبة بحقوقها العادلة، فانه لن يقتل روح التحدي والمقاومة طالما ان المطالَب كانت مشروعة وتعبر عن حاجة ماسة للناس سواء على المدى القصير او الأبعد .
ان العنف لن يحبط العزائم كما يتصور من يقوم به ويلجأ اليه حتى وان أصاب اليأس البعض مؤقتا بسبب شدته وقساوته ، ولكنه في نهاية المطاف لن يحمي مسؤولا ولا نظاما ، وأمثلة التاريخ عديدة وكثيرة من بلادنا ومن غيرها.
فلا جدوى من المراهنة على اسكات الناس وتكميم الأفواه بالعنف المباشر او غير المباشر ومن ذلك استمرار ملاحقة المتظاهرين وتعقبهم ورفع الشكاوي الكيدية ضدهم ومحاربتهم في قوتهم ومنع وسائل الإعلام من إيصال أصواتهم الى أوسع دائرة ممكنة . كما انه لا جدوى من المراهنة على عامل الزمن والتسويف والمماطلة والزوغان وإغداق الوعود الكاذبة بهدف امتصاص الغضب والاحتقان.
وبدلا من اللجوء الى هذا الأسلوب المرفوض والمخالف لأية أعراف في دولة تدعي انها دستورية وديمقراطية لابد من السؤال الكبير : لماذا يتظاهر المتظاهرون ويحتج المحتجون؟ فهل هو بطر ، ادمان على المعارضة ، مشاكسة وحب لها، فعل مدفوع الثمن ، تحريض خارجي ، حقد على السلطة الجديدة ، مدفوع طائفيا ، فعل بقايا النظام المقبور؟
مجريات حركة الاحتجاج منذ شباط ٢٠١١ أسقطت كل هذه الأقاويل والافتراءات التي اريد منها عزل هذه الحركة عن الناس والانفراد بها ووأدها في مهدها ، وكذريعة للسلطات المتنفذة في لجوئها الى العنف بأشكاله المتعددة بما في ذلك القتل العمد باستخدام الرصاص الحي .
يتوجب ، بعد كل ما حصل منذ ٢٠١١، ادراك السلطات على كافة مستوياتها ، وكذلك الأجهزة الأمنية المعنية أن العنف طريق مسدود لحل المشاكل والأزمات.
فالناس افترشت الشوارع والساحات بعد ان بلغ السيل الزبى وتعمّقت الهوّة كثيرا بين الثراء الفاحش والفقر المدقع ، وبين المتخمين ومن لا يجد قوت يومه حتى في تلال القمامة !
فعلى السلطات كافة استخلاص الدرس جيدا ، والسؤال لماذا وصلنا الى ما نحن فيه وبلدنا يتوفر على الكثير من الإمكانات ؟ وهنا لا ينفع التعكز على الاٍرهاب، وهو سبب ولكن لنأخذ مجموع ما صرف على مكافحة الاٍرهاب وذلك الذي سرق او نهب او ضاع في مشاريع فاشلة او جرى هدره بأشكال متعددة وبلا وازع ضمير ، سنجد الحقيقة الكبرى؟ ويبقى هنا شاخصا ما حصل لموازنة ٢٠١٤ ومآلاتها ما زالت تبحث عن اجوبة .
فبدل العنف لابد من البحث عن حلول وهي موجودة وفِي المقدمة منها وأولها الاستجابة لحاجات الناس الملحة وهي معروفة ومشخصة وبحت الحناجر وهي تطالب بها ، وقبل هذا وذاك لابد من وضع مصلحة المواطنين فوق أي اعتبار آخر واختيار الطاقم القادر على تنفيذ مشروع اصلاحي تلح الحاجة اليه .
إن العنف مشروع فاشل وباطل .

عرض مقالات: