منذ أن فتحنا أعيننا على الحياة ، والأزمات تلاحقنا ، وتحديداً أزمة السكن التي ما انفكت ملازمة لي، منذ أن هجرنا البيت الأول قسراً اثر الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن المنصرم. البيت الذي شهد ولادتي وطفولتي وصباي وبواكير شبابي ، تركناه هاربين من جحيم الحرب ، فهدّمته القنابل والصواريخ حتى أضحى أرضاً قفراً !
بعد أن كبرتُ وتزوجتُ حلمتُ ببيت يؤويني وعائلتي الصغيرة التي أخذت تكبر شيئا فشيئا. سكنتُ في مخزن ، بعد ذلك في قاعة سقفها من الصفيح لا يقيني البرد والحر،، ولكن هي أزمة السكن عليّ أن أتحملها !
بعد سقوط النظام المقبور في عام 2003 قلت في قرارة نفسي: الآن ستحل أزمتك يا ولد !
لكنها تفاقمت شيئا فشيئا وكأنني رضعت الأزمات من ثدي الزمن المُر. بدأت رحلتي مع الإيجارات والتنقّل بين هذا البيت وذاك ، صرت من هواة جمع الجيران ،في كل مرة أتعرف على جيران يحبونني وأحبهم ، أتبادل معهم الطيبة البصرية المعجونة بخجلنا الأزلي ، ثم أرحل عنهم إلى شارع آخر وجيران جدد ، والإيجار يعلو يوما بعد آخر حتى صار همي الأول والكبير، الذي بات يؤرقني في كل لحظة ، وتحديدا عند اقتراب موعد الدفع !
هذه ليست أزمتي وحدي ، بل أزمة الآلاف من أبناء العراق الذين تؤرقهم مواعيد دفع الإيجارات ، وكأنها ضريبة دائمة أو مرض مزمن !
هناك مَنْ سكن في بيوت من صفيحٍ ومتهرئة وغيرها ، وآخرون سكنوا تجاوزاً هنا وهناك والذين أطلق عليهم حواسم أو عشوائيات. وقد تفاقمت الأزمة هذه أيضا ودخل الكثير من ساكنيها في صراعات مع تقلبات الطقس والأمطار وسوء الخدمات والكهرباء والمجاري !
لا أزمة السكن استطاعت الحكومة منذ عام 2003 وليوم الناس هذا أن تحلها ، وتخلّص الناس من الإيجارات ،، ولا فكّرت الدولة بالمتأزمين الذي يعانون من مواعيد دفعها أمثالي !
الغريب في الأمر أن كل مسؤول حينما يستلم زمام السلطة وقبل أن يجلس على الكرسي نسمع منه تصريحات نارية لا أول لها ولا آخر، ومواعيد بحل هذه الأزمة باعتبارها من أولويات أعماله ومنجزاته،، لكن ما أن يدور به الكرسي ويأخذ لحظة استرخاء حتى ينسى التصريحات: بمالها وما عليها ، ويرمي كل الوعود في شط العرب لتمتزج بالماء المالح والآسن وتدخل صنابير البيوت أمراضاً وأزمات أخرى !
والأكثر غرابة حلمنا الدائم في بيت يؤوينا لا تداهمنا فيه الهواجس ولحظات القلق عندما يقترب موعد الدفع وأنت لم تهيئ مبلغ الإيجار !
علينا أن نفكر جديا بحل هذه الأزمة المستديمة ، كي يتفرغ العراقي للبناء والإبداع في مجالات الصناعة والزراعة وفي الأدب والفن والرياضة ، لا أن نتركه حائرا ودائخا بالسكن والإيجار والركض هنا وهناك وراء لقمة العيش ، وهو يعيش على بحيرة من نفط في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم بثرواته الطبيعية !