على عكس انتخابات رئيس البرلمان ونائبيه، وانتخابات رئاسة الجمهورية، سارت الأمور بسلاسة وبسرعة ملفتة للنظر عند تكليف د.عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء. وهذا يبشر بالخير، لا سيما إذا جرى الالتزام بالثوابت التي أتُفق عليها، في أن تكون الحكومة المقبلة حكومة تكنوقراط وطنية عابرة للطائفية، وتمتلك برنامجاً خدميا في الأساس، قادراً على معالجة المشاكل المزمنة، ووضع حلول مناسبة لها، وإن كانت تدريجية وعلى مراحل.
المهم هو البداية السليمة والجادة لملف الخدمات أولاً، وخصوصا الماء الصالح للشرب (كارثة الماء المالح في البصرة) والكهرباء والصحة والتعليم والسكن، والحد من الفساد المالي والإداري، وإيجاد فرص عمل للعاطلين من خريجين وغيرهم، وإعمار المدن والبنى التحتية المهدمة، وحصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز استقلالية القرار العراقي، واعتماد الكفاءة والنزاهة والوطنية في التعيينات المنوي القيام بها، لتكون الأساس الذي تبنى عليه دولة المواطنة، دولة جميع العراقيين.
إن انتخاب السيد برهم صالح لرئاسة الجمهورية وتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة، هو محاولة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، التي مضى عليها خمسة عشر عاماً، ولا أمل في انفراجها، إذا بقيت الطواقم الحاكمة نفسها، وظلت المحاصصة هي البوصلة والدليل.
ولا شك أن التحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة كبيرة جداً، ويزيدها صعوبة ما سيقوم به الفاسدون والفاشلون، الذين لن يدخروا جهداً لعرقلة عملها، ومنعها من تحقيق إنجازات يعتد بها، لكي تتساوى "الكَرعة وأم الشعر" كما يقول المثل العراقي، وبالتالي يعودون من الشباك بعد أن طردوا من الباب شرّ طردة.
لكن الوفاء بالوعود المعلنة، والتمسك بالبرنامج الحكومي، الذي يأمل جميع العراقيين أن يكون ملبياً لمصالحهم، وضامناً لحقوقهم، سيثبت مصداقية الحكومة ورئيسها، اللذين حظيا ومعهما رئاسة الجمهورية بتأييد ودعم كبيرين، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وسوف يقنع الملايين بتأييدها، وإسنادها، ومساعدتها على تذليل الصعوبات والمشاكل المعقدة، المتراكمة من العهود السابقة، وتمهيد الطريق أمامها للوصول إلى عتبة النجاح، والإسراع بتجفيف المستنقع الآسن، الذي غطت أوحاله الآخرين.
إن الاتفاقات الثنائية بين "سائرون" باعتبارها الكتلة الأكبر ومعها "الفتح" هي التي أقصت الأحزاب الثلاثة، التي كانت تدعي تمثيل المكونات الاجتماعية، والتي تلاعبت بالعملية السياسية ومشاعر الناس طيلة المدة الماضية، لا يمكن اعتبارها إلا خطوة أولى إلى الأمام، يفترض البناء عليها، والتخلص نهائياً من المحاصصة والطائفية السياسية التي تصدعت جدرانها بصورة واضحة. والأمل كل الأمل أن تكون بداية للتغيير الحقيقي، الذي ينتظره العراقيون على اختلاف مشاربهم الفكرية السياسية وأديانهم ومذاهبهم وقومياتهم بفارغ الصبرـ فقد طفح الكيل ولم يبق في القوس منزع.
إذن لابد للدكتور عادل عبد المهدي أن يكون حراً في اختيار وزرائه، وأن لا يفسح المجال للكتل بفرض إراداتها مجدداً، وتشخيص من تريده، فذلك من شأنه بقاء الأزمة كما هي، وإعادتها ليس إلى عنق الزجاجة فحسب، بل وإلى قعرها هذه المرّة.

عرض مقالات: