قبل أيام قليلة لمس الفنيون في محطات البصرة لإسالة وضخ الماء، تغيراً طفيفاً في نوعية الماء الوارد الى محافظتهم من شمالها. وسجَلت محطة الهارثة الشمالية نسبة ملوحة في حدود 7000 تي دي أس، بعد أن كانت وصلت في تموز الماضي الى 16000 . هذا يعني أن الاطلاقات المائية قد ازدادت، وأن التجاوزات على حصة البصرة قد تراجعت نسبياً.
وكان الاستخدام المفرط لماء دجلة جنوبي محافظة الكوت، قد تسبب في ازدياد هذه الملوحة الى حد ما. وتقف أحواض تربية الأسماك لتشكل أكبر متسبب في ارتفاع درجة الملوحة نتيجة مسطحاتها المائية الكبيرة المساعدة للتبخر. وكل هذا لا يقف عند المصيبة الأكبر وهي اختلاط مياه النهر بمياه المجاري غير المعالجة، التي تطلق مباشرة الى مجرى دجلة. وهذه تسبب ارتفاع نسب أملاح معينة، فضلاً عن التلوث البايولوجي.
لماذا ياترى تصل مياه المجاري بلا معالجة الى الأنهار؟ لأنها في الأصل قادمة من مناطق سكنية متجاوزة على الأراضي، وبالتالي ليس لديها خدمات بلدية، أو انها تأتي من مناطق لم تشهد بعد مشاريع مجاري (60 في المائة من المناطق السكنية في البصرة لا مجاري فيها بعد). أما محطات معالجة مياه المجاري فهي قديمة وتفتقر الى الصيانة والكهرباء والمواد الاحتياطية. وبعض المحطات يحتاج الى تصليح محركه كهربائي، أو يعاني من وجود كيبل عاطل، او قطعة غيار صغيرة في المحركات التي تشغلها.
مع كل هذا، فإن ما تشهده محافظة البصرة من حلول يدخل كله في خانة الحلول المؤقتة (إن لم نقل الترقيعية). وهذا يعني أن المشكلة يمكن ان تتفاقم مرة ثانية وفي أي وقت من المستقبل القريب.
الحل الحقيقي يكمن في البدء مجددا من الأصل، من النقطة الصفرية. فالبصرة بحاجة الى مشاريع مجاري مكلفة، كي تحافظ على أنهارها من التلوث. وهي بحاجة الى (نظام) يفرض القانون، بدلاً من تملق الناخب الذي قد يكون متجاوزاً. بعد ذلك تأتي مرحلة تحديث شبكات المياه، خاصة وأن مشروع ماء البصرة الكبير لن يكون من السهل اتمامه خلال السنتين القادمتين.
عند ذاك، وفقط عند ذاك، يمكن أن تبتسم البصرة الحزينة مجدداً

عرض مقالات: