البطالة التي عرفتها منظمة العمل الدولية "انها لفظ يشمل كل الاشخاص العاطلين عن العمل رغم استعدادهم له وقيامهم بالبحث عنه مقابل أجر او لحسابهم الخاص وقد بلغوا من السن ما يؤهلهم للكسب والانتاج من خلال توافر شروط عدة تضعهم ضمن تصنيف العاطلين، اوهي القدرة على العمل والرغبة فيه والاستعداد له عند توافر الفرصة لذلك"، تحولت في العراق الى كابوس يؤرق الحكومة والشعب، سبق ان عبرت عنه البصرة او محافظات الجنوب بانتفاضة تمثلت بأجلى صور الرفض لمشكلة تغاضت عنها الحكومات المتتالية بلامبالاة وتجاهل غير معهود.
وعلى الرغم من تعاظم الموارد المالية لغاية عام 2104 حيث شهدت موارد النفط هبوطا مروعا، فان البطالة بمختلف انواعها شهدت اتساعا وصل الى مستويات خطيرة خاصة بين الخريجين الذين يقدرون ب 40 الف سنويا، والعدد يتناسب طرديا مع كثرة الجامعات واتساع نطاق التعليم الاهلي على نحو يناقض المنطق، رغم ان الخطة الخمسية للاعوام 2013-2018 اكدت على ان البطالة ستنخفض في عام 2017 الى 6 في المائة وانها ستحقق اهدافها في معالجة الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة السوق وتحسين بنية العمل والتخطيط لانشاء مدن صناعية وتشجيع عمليات الاستثمار لاستقبال المزيد من العاطلين، الا ان الوقائع تناقض هذه التوقعات، فان البيانات الاحصائية الرسمية تشير الى ان نسية البطالة تصل الى 22,6في المائة (معلومات الجهاز المركزي للاحصاء ) فيما تشير الاحصاءات البحثية الى ان النسبة تصل الى 40 في المائة وان نسبة البطالة بين النساء قد تصل ال 56,3 في المائة. . ومن جهة اخرى تؤكد الوكالة الامريكية ( USAID ) في تقريرها الخاص ان ارقام البطالة في العراق اصبحت مقلقة في ظل حركة العمل في عموم العراق واتساع الثغرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل وترى فشل الحلول الحكومية في بناء قطاع خاص متعافٍ وتوفير بيئة تمكينية فيها ضمان اجتماعي.
واذا تحرينا الاسباب الحقيقية التي تقف وراء ازدياد حدة البطالة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والادارية، فان التقارير الرسمية والدراسات البحثية توصلنا الى منظومة العوامل التي تقف وراء الظاهرة وبما يمكن من التخلص منها، فخلصت الى: انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وانكماش في القطاعات الانتاجية واتخام السوق بالبضائع المستوردة بفعل سياسات الاغراق التي تتبعها بعض الدول، والسياسة المالية الخاطئة المتمثلة بتحويل اكثر من 80 في المائة من واردات النفط الى نفقات تشغيلية، وبعثرة ما تبقى في مشاريع وهمية وعمليات فساد منظمة وهدر مالي في اوجه غير نافعة، ومن الطبيعي ان هذه العوامل كانت على الدوام مقترنة بتعاظم معدل النمو السكاني الذي يزيد على 2,6 في المائة سنويا.
ان الدولة اذا ما اخذت من انتفاضة البصرة وكافة المحافظات الجنوبية وبغداد، الدرس والعبرة فان عليها مغادرة الطريق التي سارت عليها في رسم تلك السياسات، ما يرتب عليها الذهاب الى منظومة حلول متكاملة ونقترح من بينها:
1. انشاء صندوق وطني للتامين ضد البطالة، خاص بتشغيل الشباب، يناط به دور لتمكين الشباب في توفير فرص عمل سواء من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، او في انشاء تعاونيات توفر مصادر دخل للشباب وتطوير مهاراتهم جنبا الى جنب مع مراكز التدريب في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
2. تطوير قطاع الاستثمار على مستوى القطاع الحكومي او القطاع الخاص وتفعيل العوامل الساندة المتمثلة في الجهاز المصرفي وتحريك المشاريع الحكومية المعطلة وتفعيل حركة الاعمار في المدن المدمرة ومكافحة الفساد والمنظمات التي تقف وراءه.
3. قيام الجهاز المركزي للاحصاء بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية باعداد قاعدة بيانات خاصة بالعمالة العاطلة على اساس مصفوفة المعايير المهنية المتاحة وحاجة السوق اليها، مع الاخذ بالاعتبار اعداد الخريجين من قطاعات التعليم الحكومي والاهلي، وكل هذه الحلول تبقى مجرد كلام ما لم يتم التركيز على انعاش التنمية وتوسيع الطاقات الانتاجية في الاقتصاد.

عرض مقالات: