نطالب الراي العام العالمي بمزيد من التضامن مع الشعب العراقي وإيقاف نزيف الدم في
مر عام كامل عَلى اندلاع أول انتفاضة سلمية عراقية شاملة ومستمرة، منذ سقوط النظام السابق على أثر الإحتلال الإمريكي. إستطاعت الإنتفاضة خلاله، على الرغم من التضحيات الجسام، أن تفرض تراجعات ملموسة على السلطة الريعية الطفيلية، وخلقت انشقاقات جدية في هرمها الهش، وأدخلت النظام الفاسد في أزمة لم يستطع الخروج منها حتى اللحظة الراهنة.
يرى المنتفضون بأن تلك التراجعات، مازالت لم تمس جوهر النظام الريعي الفاسد. وإن التغيير الجذري المنشود مازال بعيداً، حيث هيمنة البرجوازية الريعية وأصحاب النفوذ على عصب الحياة السياسية والإقتصادية في البلاد، كما تلعب المصالح الخارجية وقوة السلاح المنفلت أدواراً مؤثرة على السلطات والقرارات الحكومية، أو تكون السلطات في حالات أخرى مجبرة على أخذ تلك التأثيرات بنظر الإعتبار.
إن خصوصية وضع الإقتصاد العراقي كونه إقتصاد ريعي، يعتمد بشكل شبه كامل على الصادرات النفطية، فرضت نفسها على مهندسي الإنتفاضة. إذ إن الإحتجاجات والإضرابات لا تستطيع أن تجرد الحكومة من مواردها. إن استمرار تدفق الريع النفطي يجعل السلطة في وضع محصن نسبياً من النتائج ضغوط إحتماعية أخرى، بخلاف الإضرابات التي تحدث في بلد تعتمد موارد الخزينة فيه على عمليات الإنتاج الصناعي والزراعي وغيرهما. هذا واحد من أسباب قدرة النظام على الصمود وعدم الإنهيار السريع أمام الغضب الشعبي الواسع.
تحملت الإنتفاضة ضغطاً هائلاً من خلال تضافر العديد من العوامل، إبتداءً من طبيعة البنية التي يقوم عليها الإقتصاد العراقي، الى إتباع أساليب قمع متنوعة، تتراوح بين توظيف كل الأساليب غير المنظورة في تدمير وضرب المعنويات، الى أعلاها قسوة وفجاجة في التصفية الجسدية والتغيب والإعتقال والإخفاء والقنص. إستطاعت الإنتفاضة تحمل كل تلك المخاطر والتصفيات والعبث بالأرواح وقوت الشعب. لم تردع الشعب المطالب بحقوقه العادلة الضغوط والتدخلات الإقليمية، التي تستند على اذرع داخلية، وتمتلك السلاح والمال ومواقع حساسة في أجهزة الدولة العراقية، كما لم تستطع قبلها وبعدها أساليب القهر والقمع أيضاً.
نجحت الإنتفاضة في فصم بعض عرى التحالف، بين بعض القوى المتنفذة محلياً وبين قواعد الدعم خارج العراق، حيث اعتبرت أطراف عديدة ما يجري داخل العراق شأناً داخلياً. تعاملت معه من هذا المنطلق متجاهلة كل التدخلات وشدة القمع المتوحش والمنفلت من عقاله .
نستطيع القول: إن استقطابات جديدة نشأت، فهناك قوى فضلت تخفيف علاقاتها الخارجية. إتخذت منحى أكثر وطنية في محاولة لإيجاد موطئ قدم لها داخل السلطة الوطنية القادمة لا محالة. كما أعلنت قوى أخرى صراحة انحيازها الكامل للطرف الخارجي والإمتثال لأوامره والتماهي التام في مشروعه الإقليمي تحت حجة مقاومة الإحتلال.
بعد مرور عام كامل تراكمت خبرات كبيرة لدى أبطال الإنتفاضة. كما تراكمت أيضاً لدى اعدائها الذين سعوا جاهدين الى إسقاطها منذ ولادتها بأعلى درجات العنف. يحاولون اليوم إختراقها من خلال تبني بعض أهدافها، والإدعاء بوجود منتفض وطني شريف وهم معه، ومنتفض جوكر عميل هم ضده .هذا المسعى وجد فشله سريعاً، ولَم يستطع تشويه جوهر الإنتفاضة وأهدافها .اليوم يسعى المعسكر المعادي الى إعادة إنتاج التجربة السورية، من خلال الدعوة الى عسكرة الإنتفاضة ورفع السلاح. هذه الدعوات تصدر من نفس الجهات، التي تريد إزهاق روح الإنتفاضة. إنهم يدركون أن قوتهم تكمن في السلاح الذي يمتلكونه، في حين إن قوة الناس تكمن في عددها، وفِي مشروعية أهدافها .هدفان أساسيان ينبغي التأكيد عليهما، ونحن ندخل عامنا الثاني، إستمرار الإنتفاضة والحفاظ على سلميتها.
سلاماً على أرواح الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل مستقبل واعد لعراق مستقل كامل السيادة، عراق متطور آمن موحد. سلاماً لعوائل الشهداء، وهم يحيون الذكرى السنوية لرحيل أحبتهم المبكر. كل التضامن مع جرحى ومعاقي الإنتفاضة الذين سوف يبقون شهادات حية على مدى خسة ووضاعة عدوهم عديم الأخلاق والكرامة الإنسانية.
أملنا لا يتزعزع، وثقتنا لا تهتز بقرب تحقق كامل أهداف الإنتفاضة الباسلة، على الرغم من فداحة الخسائر ووعورة الطريق المؤدي الى النصر المؤزر.
أتحاد من أجل الإنسان في الجمهورية التشيكية
براغ- 24/10/2020