طريق الشعب
دخلت المرأة العراقية عالم الإعلام والصحافة منذ عقود وتعددت أدوارها فيه وهي اليوم لا تغيب عن شاشات التلفزيونات والإذاعات والصحف والدوريات الورقية أو الإلكترونية. ولأن الصحافة تمثل السلطة الرابعة ارتأت المرأة الصحفية أن توسع دائرة تخصصها وتبدع في مجالات كانت تحسب من اختصاص زملائها من الرجال، لتلعب دورها الحقيقي وتمثل ولو جزءا بسيطا من نفوذ السلطة الرابعة. فباشرت العمل في الميدان الاقتصادي والسياسي وكانت لها فيه نجاحات، حيث ترك العديد من الصحفيات أسماءهن وبصماتهن في هذه التخصصات الإعلامية. ورغم أن أعداد الصحفيات أقل من الرجال إلا أن المرأة الصحفية تواصل الكفاح والمسيرة في ميدان الصحافة.
كذلك تواصل دراستها ونيل الشهادات العليا في حقل الاعلام، بل أسهمت في التغطية الصحفية الميدانية ونزلت إلى الشارع لتغطية الأحداث وعمل اللقاءات والريبورتاجات و اقتحمت أيضا المناطق الساخنة التي تشهد حروبا أو نزاعات مسلحة لتكون في الصفوف الأولى ضمن مراسلي وسائل الإعلام بأنواعها بكل شجاعة وجرأة.
وتأمل المرأة الصحفية أن تعامل بالتساوي مع زملائها الرجال وتخاطر لأجل ذلك بحياتها لتثبت أنها قادرة على القيام بأخطر المهام الصحفية في بؤر التوتر والموت لتقدم بذلك مثالا يقتدى به في الشجاعة وتحدي الموروث الاجتماعي المحافظ الذي يرفض وجودها وعملها في ميادين يرفع فيها السلاح أو تشكل خطرا على الحياة ويحكم عليها بالضعف والعجز عن أداء مهامها وكذلك مواجهة تحديات العمل الصحفي في حد ذاته بما فيه من صعوبات وتهميش للنساء وبما يشتمل عليه من مخاطر قد تصل إلى الموت وهي لذلك تتسلح بالتعليم وبالتأهيل كما تكوّن لنفسها زادا معرفيا وثقافيا ونفسيا يمكّنها من خوض مغامرات المراسل الصحفي في الأماكن الأقل أمانا.
شجاعة وثبات
وكثيرا ما نشاهد على شاشات التلفزيون مراسلة لإحدى القنوات وهي تقف بشجاعة أمام الكاميرا وتمسك بالميكرفون بيد ثابتة ومن خلفها تطلعنا الصور على مشاهد مريعة من النيران والدمار وكل ما تخلفه الحروب من مناظر مروعة ونسمع في محيط عملها أصوات الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
ان وجود امرأة صحفية في مناطق الحرب يستفز الإرهابيين ليس فقط لكونها تؤدي مهنة الصحافة والإعلام بل لأنها أنثى وامرأة تأبى عليها عقلياتهم المتخلفة المريضة حقها في العمل وفي السفر وترفض أن تراها في صورة المتحدية لإرهابهم وللحرب والعنف وتستنكر تواجدها في ساحات المعارك التي تظل حسب قناعاتهم ساحات رجالية بحتة لا يجب أن تتواجد المرأة فيها إلا برغبة منهم ولأجل خدمتهم.
ولم يعد مستغربا ولا صادما تداول أخبار وفيديوهات الصحفيات والمراسلات اللاتي يتعرضن الى التعنيف أو الخطف، أو الترهيب و التهديد ، أو التحرش و الاغتصاب و القتل، وشهدت السنوات الأخيرة استهدافا للإعلاميين والصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة والحروب وخلال التظاهرات وحتى في فترات ثورات ما يسمى بالربيع العربي، ولعل العنف ضد النساء كان أكثر بربرية من الاعتداءات على زملائهن الرجال، لكن ذلك لم يمنع الصحفيات وخاصة المراسلات من التواجد في المناطق الساخنة ولم يحبط عزائمهن في تحدي ظروف المهنة.
الحكايات المأساوية للصحفيات اللاتي لقين حتفهن في الحروب كثيرة بدءا بالإعلامية أطوار بهجت مراسلة قناة العربية التي قتلت مع زميليها المصور ومهندس الصوت في مدينة سامراء.
هذه القصة عن مآسي الصحفيات في المناطق الساخنة ليست إلا نقطة من بحر والاعتداءات والعنف الموجه لهن لا يقتصر على الاختطاف والقتل بل أن فيه كل أشكال الاضطهاد وأبشع صور العنف من تحرش واغتصاب وغيرها
وشهد العراق بعد 2003 انفتاحا إعلاميا كبيرا وفي التخصصات كافة، وارتفع عدد النساء العاملات في مجال الاعلام بشكل لافت للنظر، لاسيما بعد ظهور القطاع الاعلامي الخاص وبشكل كبير، ما جعل وسائل الاعلام جزءًا لا يتجزأ من الحياة العامة والخاصة للمجتمع والافراد.
ورغم الظروف الامنية الصعبة اثبتت المرأة العراقية العاملة في قطاع الإعلام جدارتها في التقديم الإذاعي والتلفزيوني والتحرير الصحفي وسعيها لتقديم الافضل، وظهرت اسماء عدة من الصحفيات توزعن على تخصصات عديدة.
ويبدو أن نسبة تواجد المرأة الاعلامية في مراكز القرار الفعلي لا تزال متواضعة ولا تعكس الصورة الحقيقية التي تمثلها في هذا القطاع، حيث لم تزل غائبة عن المشاركة الفعلية في رئاسة المؤسسات الاعلامية وفي الإشراف على البرامج السياسية، وغائبة عن العمود الافتتاحي، وربما اقتصر حضورها على كتابة ما يخص شأن المرأة والتحقيقات والأخبار.
ومن المشاكل والصعوبات التي تواجه النساء الصحفيات هي قضية المضايقات والتحرش وقد شكى كثير من الصحفيات تعرضهن الى المضايقات، والتحرش اللفظي والمس وغالبا ما تكون المضايقات اللفظية في الشارع، والملفت أن معظم حالات التحرش والمضايقات لم يتم الإبلاغ عنها نظراً لطبیعة النظرة الذكورية السائدة والأفكار المسبقة عن عمل المرأة في الإعلام، كما ان قانون العقوبات العراقي يفتقر الى مادة قانونية صارمة تعاقب على التحرش الجنسي بالمرأة في العمل او بسبب العمل.
معاناة
بحسب نور محمد، صحفية، فان اهم المشاكل والتحديات التي تواجه المرأة الصحفية هي:
هيمنة العادات والتقاليد والنظرة الذكورية وغياب التشريعات الضامنة لحقوق المرأة بشكل عام وغياب الالتزام بما اقر منها. وكذلك تدهور الوضع الامني واغتيال عدد من الصحفيات والاعلاميات وتهديد وتهجير اخريات. والتعرض للمضايقات والتحرش في العمل والشارع. وكذلك التمييز على اساس النوع الاجتماعي في الامتيازات والمكافآت والسفر والترشيح للمشاركة في المؤتمرات الدولية والاقليمية. وغياب الضمانات القانونية والعقود الرسمية في المؤسسات الاعلامية مما ادى الى ضياع حق كثير من الصحفيات في استلام رواتبهن الشهرية وتعرضهن الى الضرب والاساءة نتيجة مطالبتهن بذلك. ولا ننسى سياسة المحاصصة وعدم استقلالية المؤسسة الاعلامية. وغياب المرأة الصحفية عن رئاسة المؤسسات الاعلامية و تبوء مراكز صنع القرار. وضعف الاهتمام بالتدريب والتطوير وبناء القدرات، وغالبا ما تقوم بهذه المهمة منظمات المجتمع المدني اما المؤسسة فتعكف عن ذلك او تقوم بترشيح الرجال لورش التدريب لاسيما تلك التي تعقد في الخارج.
الاعلامية العراقية اليوم
تقول زهراء ناصر، إعلامية: "في العراق ربما هناك اكثر من 25 امرأة صحفية شهيدة واكثر من هذا العدد من الصحفيات ما بين مهجرة ومعاقة وعشرات من الصحفيات الرائدات المنسيات واخريات حصلن على فرص جيدة في مجال الصحافة وغيرهن ما زلن في مرحلة التشبث بأذيال الفرص، وتحاول الصحفية العراقية ان تؤمن بأنه لا فرق بين رجل صحفي وامرأة صحفية، فما يهم الصحفي هو ان يعمل ضمن اختصاصه وان يقول شيئا من خلاله خاصة وإن التطور التكنولوجي هو هبة منحتها الظروف الحالية للصحفيين فسهلت مهامهم ومكنتهم من التواصل مع العالم عبر الانترنت وممارسة تفاصيل المهنة مع تسهيلات لم تكن موجودة كاستخراج الصور المطلوبة دون ملامسة غبار الارشيف والاحتفاظ بالمواد المكتوبة وسهولة الاستزادة من المعلومات لدى اعداد مادة ما، فضلا عن وجود تغيير آخر في اسلوب اخراج الصحف".
وأضافت: "تمكنت المرأة الصحفية الى حد ما مؤخرا من الخروج من جحر الخوف من السلطة والاستمتاع بحرية التعبير عن رأيها بسبب الظروف التي مرت بها من الغوص في مشاكل المجتمع واستيعاب معاناة افراده لكنها تحتاج الى ثقة المجتمع بها والتي ما زالت تفتقر اليها اغلب الصحفيات العراقيات رغم عدم مبارحة اماكنهن حين اضطر العديد من الصحفيين الى المغادرة بسبب احداث العنف التي عصفت بالعراق اذ ناضلن وتحدين الخوف وتعرضن للأذى والتهديد والقتل، لذا فان الصحفية العراقية تستحق ان تأخذ مكانتها الحقيقية وان تتلقى الدعم والتحفيز بدلا من منافستها من قبل العقلية الذكورية حين تتبوأ مراكز مهمة اذ يتم تهميشها احيانا.
وتحتاج الصحفية والاعلامية اليوم الى تلبية مطالب المرأة الصحفية وحاجاتها الاساسية بإقامة دورات تدريبية وورش الزامية لمساعدة غير القادرات على دخول دورات خاصة على مواكبة التطور المعرفي والتكنولوجي لأحقية الصحفية العراقية المبدعة والشجاعة في نيل حقوقها كاملة ماديا ومعنويا".
وتضيف زهراء: "تقابل مساحة الحرية التي تحققت للصحفيين العراقيين مساحة اوسع من القتل والاستهداف اذ نجحت بعض الصحفيات في تحقيق هذه المعادلة الصعبة التي منحت للصحفي العراقي قدرة يحسد عليها في الانتقاد اللاذع للمسؤولين مقابل التضحية بأرواحهم.. وتبقى المرأة الصحفية جزءا من هذه المعادلة فبعد امتلاكها حرية التعبير لم تنفض عنها بقايا الخوف من المجهول الذي قد يخنق صوتها في اية لحظة فضلا عن تسلط جهات معينة على حريتها والتحكم احيانا حتى في اختيار ملابسها وهو ما يجعلها اكثر استهدافا من الصحفي الرجل سيما وانها مرت بظروف استثنائية منحتها قوة وصلابة وزادت من مثابرتها دون ان تمنح شيئا يعادل ذلك فهي تستحق ان تعيش ظرفا طبيعيا ليمكنها حينذاك تحديد مساحة الحرية الممنوحة لها ومدى استمتاعها بها. لكنها ما زالت تعاني من انعدام حرية الفكر والرأي فهي مجرد صدى صوت وليس صوتا لأنها مازالت تردد ما هي غير مؤمنة به غالبا للحصول على مورد معيشي، كما ان هناك جملة حاجات تفتقر اليها الصحفية العراقية كزجها في دورات تدريبية داخل وخارج العراق والاكتفاء بالاعتماد على الوجوه الشابة التي تنقصها الخبرة والجدية في الوقت الذي تلزم العديد من الصحفيات الرائدات منازلهن دون راتب تقاعدي او مورد معيشي بعد عقود من العمل المضني.
وتتعرض الصحفيات للمظلومية في بعض المؤسسات الخاصة التي تغبن حقوقهن المالية لعدم التعاقد معهن فضلا عن تغييب اقلام عديدة شلها الخوف بعد سقوط النظام السابق ولم تجد يدا تمنحها الامان او يجري تقدير ما قدمته في سجل عطائها اذ تضاءل الاهتمام بالصحفية الرائدة وجرى تفضيل اسماء محسوبة حاليا على عالم الصحافة بسبب انتماء ما او علاقات شخصية"!
موظفة ام صحفية؟
زهراء تضيف: "معادلة صعبة اخرى تعاني منها المرأة الصحفية في العراق وهي معاملتها كموظفة اكثر من كونها صحفية سواء في دوائر الدولة او المؤسسات الصحفية الخاصة فضلا عن تفضيل الصحفيات الشابات على القديمات لدى الترشيح للدورات والسفرات ما أدى الى انكفاء اغلب الصحفيات في دوائرهن واضطرارهن الى الاعتماد على الانترنت لمحاسبتهن على الغياب وصعوبة منحهن الاجازات رغم الظروف الصعبة.. ولا يمكن للصحفية العراقية التفرغ لعملها ما دامت ملاحقة بالدوام الرسمي ومطالب الحياة المضنية والتي تولت النساء العراقيات مسؤوليتها بعد تردي الظرف الامني فضلا عن تعرض الصحفية للاغتيال والخطف واضطرارها الى قطع طرق مواصلات طويلة ومرهقة رغم الزحام والتفجيرات للحصول على مادة صحفية.
ولحماية الصحفيات العراقيات من المجهول لا بد من منح الصحفية الامان من خلال قوانين تحميها وضرورة مساواتها في الاجور مع الرجل وضمان حصولها على مستحقاتها المالية من بعض المؤسسات الصحفية التي تسرق جهود الصحفيين فالمرأة الصحفية هي ضحية ما يعصف بالمجتمع من ظروف داخلية وخارجية كالخوف المتجذر طوال سنين ما جعلها تتحدى الخوف وتتسلح بقوة وقدرة على تحمل المسؤولية لكنها ما زالت بحاجة الى التمتع بحرية الرأي والتخلص من البطالة فهناك صحفيات عديدات لا يملكن ارضا سكنية ولا راتب وليس هناك امامهن سوى الوعود بمنح مالية واراض وراتب تقاعدي مناسب ولا شيء غير الوعود".
وتبين زهراء: "لقد أسهمت الثورة الانفجارية التي غزت الاعلام في العراق في اجتذاب اكبر عدد من الصحفيات لممارسة اختصاصات عدة في مجالاته المقروءة والمسموعة والمرئية لكن هذا لم يمنع تعرضهن للاستغلال من ناحية الاجور لعدم وجود قانون يحمي حقوق الصحفية العراقية فبعد صدور قانون للمطبوعات يلزم المؤسسة الصحفية بالتعاقد مع العاملين فيها لضمان حقوقهم، توقعت الصحفيات ان يضمن القانون لهن حقوقهن لكنه ما زال حبرا على ورق، فضلا عن غياب التطبيق الفعلي لقانون حماية الصحفيين وعدم مساعدة المرأة الصحفية على تطوير قابلياتها وصقل موهبتها ومجاراة التطور التقني وحاجتها الى رعاية الدولة لها بتوفير رياض اطفال حكومية ومدارس ذات فترة دوام طويلة تتضمن وجبة طعام ذلك ان الصحفية العراقية تعجز احيانا عن الابداع لانشغالها بالتفكير بعائلتها اضافة الى عملها سيما وانها لا تملك غالبا ما يسهل عملها كواسطة النقل وضمان وجود قوانين تحمي نشاطها كالقوانين التي تخص الاسرة ومنها حماية المرأة من العنف الاسري وتسلط الرجل".
أعباء وأعباء
تقول "منى"، مذيعة: "الحديث عن معاناة المرأة العراقية وهي تلج ميدان العمل الصحفي وتحاول جهدها الثبات والاستمرار فيه بل التقدم واحراز النجاحات مسألة تستحق الاحترام والتقدير والمساندة الفعالة، وقد عملت في الصحافة العراقية صحفيات رائدات اعطين للعمل الصحفي النسوي ان صح التعبير مكانة واحتراماً عاليين، فثمة اول حقوقية عراقية وهي صبيحة الشيخ داود، عملت في الصحافة إلى جانب عملها في ميدان المحاماة والقضاء، والوزيرة الأولى في العراق السيدة نزيهة الدليمي عملت في الصحافة ايضاً، وهناك نعيمة الوكيل والسيدة سلام خياط وانعام كجه جي واسماء اخرى كثيرة ممن شققن الطريق وضربن الامثلة الرائعة في النجاح والابداع للأجيال التي قدمت فيما بعد".
وتضيف:"نعيش في مجتمع شرقي تعم فيه وتحكمه الثقافة الذكورية، ومن هذا المنطلق وهذه القواعد يقف الطرف الآخر أعني الرجل موقف الخصومة من المرأة أحياناً، وعلى المرأة كما تعلم اعباء كثيرة عبء العمل المنزلي، وعبء اقناع الزوج والعائلة بعملها، وعبء عملها والابداع فيه، مقابل نظرة دونية من بعض الزملاء، فالزميل يعتقد انه اوسع افقاً من زميلته، وهذا خطأ يقع فيه البعض. ومع ان عموم الصحفيين العراقيين لا يتمتعون اليوم باي نوع من الحماية فان المرأة بسبب شدة استهدافها يجب ان تحصل على نوع مميز من الحماية بسبب صعوبة وضعها. ومعروف جداً ان الوضع الامني السيئ يجعل عمل المرأة صعباً جداً، وهناك في مواقع العمل تمييز جنسي حقيقي. لقد اصبح العمل الصحفي والاعلامي الآن صعباً جداً بسبب الوضع الامني، ونحن غير قادرات على دخول المناطق المتوترة، وحتى المسؤولين لا يسمحون لنا بذلك، وهناك التهديدات اليومية التي نتلقاها نحن وعوائلنا، ولا نستطيع تغطية الحدث الساخن، فالإعلاميون عموماً غير محميين حالياً ومن يسقط منهم شهيداً لا تجد عائلته من يعينها، ليست هناك تشريعات قانونية تحمي حقوق الاعلامي، ولا تظن ان الرجل وحده هو الذي يسقط شهيداً فهناك عديدات سقطن شهيدات على سبيل المثال الزميلة لقاء عبد الرحمن وهي مذيعة اغتيلت بعد ان تلقت تهديداً بترك العمل فأصرت على المواصلة".
وتضيف: "اما بالنسبة للزملاء في المهنة فهناك من يساعدنا بصدق واخلاص وهناك من يبدي المساعدة بنوايا "سيئة"! واعترف ان هناك تحرشاً ولكننا نفلح دائماً في ردعه ونتمنى ان يكون هناك قانون لحماية المرأة العاملة في جميع الميادين من ظاهرة التحرش من قبل الزملاء أو الآخرين. وهناك من اقاربي من ينظر الي نظرة قاصرة.
الاعلاميات وزملاء المهنة
ولكن الكثير من زملائي ينظر الي بعين الاحترام والتقدير، وقد حولت الجميع إلى اصدقاء صادقين فانا أؤمن بالصداقة ولدي اصدقاء في ميدان الاعلام على الرغم من اني اعيش في مجتمع محافظ وساخن في وضعه الامني، فانا ادرك جيداً اني اعلامية وانا احتاج الحوار مع الآخر، خذ مثلاً على ذلك هناك العديد من المثقفين المبدعين اعتادوا على ارتياد مقاهٍ محدودة ومن الصعب على المرأة دخول المقاهي لكنني كنت اقتحمها مع زميلي المصور او مع مايكروفوني الاذاعي واحاورهم وسط دهشتهم واعجابهم، لكنني اعاني ايضاً من التدخل البيروقراطي في عملنا الاعلامي، فبعض الاحيان احتاج إلى محاورة مسؤول ما حول حدث ساخن في دائرة مسؤوليته فأفاجأ بانه يطلب مني ان آتي بموافقة من المحافظ، وينتهي الحدث بين ذهابي وايابي إلى دائرة المحافظ، بينما يحصل المراسلون الاجانب على موافقات فورية لتغطية الحدث والحصول على اجابات عن اسئلتهم وكأنهم بذلك يقولون لنا "مغنية الحي لا تطرب".
منى تقول بشيء من الأسى: "هناك عائق يقف في طريقي هو كوني فتاة لا استطيع التمتع بحريتي كإنسانة، وفي مجتمعنا نحن مقيدات في كل خطوة من خطواتنا لكوننا نساء، سواء في الحديث ام طريقة الكلام او الحركة او العمل او الملابس وحتى النوم او الخروج إلى الشارع والحمد لله ان الماء والهواء لا قيود عليهما وكم من مرة تمنيت لو انني صبي لا صبية كي استطيع تفجير كل افكاري وابداعاتي، واظهار طاقتي وكفاءتي وممارسة كل هواياتي كإنسانة بسيطة جداً، تلك العوائق جعلتني أحس انني لم اعش كما اريد، حتى هواياتي البسيطة لم اتمكن من ممارستها، فانا اهوى السفر والموسيقى والسباحة ومع ذلك فانا حتى الآن لم اسافر لاي مكان في العالم ولا استطيع ان اسمع الموسيقى التي اريد سماعها ولا اعرف كيف اسبح وانا الآن في الثالثة والثلاثين من عمري ولا ادري هل سيأتي يوم اتمكن فيه من ممارسة هذه الهوايات؟
ادعموا الصحفيات والاعلاميات
تقول نبراس حافظ، ناشطة واعلامية: "يقع على وسائل الإعلام عامة والصحافة خاصة عبء رئيس في ابراز دور المرأة العراقية وتعزيز مكانتها الاجتماعية والثقافية وعلى المستويات كافة، ومن الملاحظ ان معاناة المرأة في بغداد والمدن الجنوبية بدرجة المتردي، ومن عدم الفهم الاجتماعي لطبيعة عملها ونظرة الزملاء الرجال الدونية إلى كفاءتها، اضف إلى احساسها بالقصور بسبب عدم قدرتها على تغطية الاحداث الساخنة في البؤر الملتهبة بسبب كونها اثنى اولاً وبسبب عدم توفر الحماية اللازمة لها ثانياً وان كان الرجل يشترك معها في المسألة الثانية، لكنه يتمتع بقدرة افضل في المناورة منها، كما ان الارهابيين والمتطرفين وعصابات الجريمة المنظمة تستهدف المرأة بنسبة اعلى من استهدافها الرجل ولهذا فان عصابات الجريمة المنظمة تختطفها لتغتصبها ثم تقتلها. والارهابيون يختطفونها ويقتلونها لأنها ستجعل بقية العاملات في الوسط الصحفي والاعلامي يغادرن مواقعهن فالمرأة بحكم موقعها الاجتماعي مرغمة على اطاعة اوامر اهلها الذين يخشون عليها اكثر مما يخشون على الرجل. اما المتشددون، فيجدون ان عمل المرأة في المجالات الاعلامية "من المحرمات" ولذا فهم يكفرونها ويبيحون قتلها على هذا الاساس ومن هنا تكون درجة الخطر التي تتعرض لها المرأة اشد من درجة الخطر التي يتعرض لها الرجل".
وتضيف نبراس: "إنّ عمل المرء صحفي في العراق لا يزال يعتبر في أغلب الأحيان تحدياً صعباً، ولكنه يكون أصعب إذا كان ذلك الشخص امرأة، فبسبب ضعف تمثيل المرأة والتقليل من شأنها، الذي كثيراً ما يحدث، وعدم تلقيها التأهيل الكافي، يصبح الطريق وعراً أمام من يطمحن إلى العمل في وسائل الإعلام.
أعتقد لن يتم إحراز تقدم إلاّ إذا تحدثت الاعلاميات بصوت واحدٍ وقوي في المسائل التي تؤثر على حياتهن. فأحوال الاعلاميات والصحفيات في العراق لم تتغير كثيراً، ومع استمرار تأزم الاوضاع السياسية في البلاد، استمر وضع الحريات الصحفية بالتراجع، وعلى الرغم من انحسار نفوذ الجماعات المتطرفة نوعا ما، إلا أن التحديات التي يواجهها الصحفيون والاعلاميون عموما والاعلاميات خصوصا تزداد غموضاً وخطورة، وظلت سياسة الافلات من العقاب وانعدام الشفافية وميول المؤسسات الحكومية الى التضييق على تدفق المعلومة وملاحقة الصحفيين آخذة بالتنامي.
إن الذي يحز في قلبي أن أجد المرأة الصحفية التي هي وراء كل رجل عظيم أجدها تختنق في دائرة التجاهل والمحاصرة والإهمال.. فمن المسؤول عن هذه الإجراءات والنتائج؟ ولا أدري كيف يتنادون ويصرخون بحقوق المرأة وامتيازاتها وهم يحرقونها تحت أشعة الشمس؟ لماذا يدّعون بما لا يعملون ولا ينفذون"؟