إن ما يجري ومنذ تموز الماضي يدعوا الى الحيرة والاستهجان والاستنكار وبقوة ، للجريمة النكراء التي ارتكبتها القوات الأمنية والعسكرية اليوم في مدينة البصرة ، وبموافقة ومباركة وتبرير الحكومة المحلية والجهات الأمنية ، وغض الطرف من قبل الحكومة الاتحادية ، من خلال موقفها الذي ينم عن عدم إيلاء هذه الاحتجاجات الرعاية والاهتمام فهما يتعلقان بحياة شعب يقتل ، وبنفس الوقت لم تتخذ أي إجراء بحق من يرتكب تلك الجرائم ، والتي تكررت في عدة محافظات وليست هي المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا على أيدي القوات الأمنية ( هذه ليست قوات أمنية لحفظ حياة الناس وأمنهم وسلامتهم !!.. بل هذه قوات لمحاصرة الناس وقتلهم وبدم بارد ! ) .. فهل هذا الذي يحدث يقبله المنطق والعقل والوجدان ؟..
وهل يجوز التعامل مع أبناء الشعب بهذه القسوة وبهذه الهمجية المفرطة ؟ ..
هذا عمل مجنون وأحمق ومخالف للدين وللقيم وللأخلاق وللعرف والقانون ، ولا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال .
إن المسؤول المباشر عن كل الذي جرى في البصرة اليوم ، وما جرى خلال الأيام الماضية ، في غيرها من المحافظات وما ارتكب من جرائم ، تتحمله وبشكل كامل الحكومة الاتحادية ومجلسها والقائد العام للقوات المسلحة والحكومات المحلية ووزارة الداخلية والدفاع ، وهؤلاء يجب استجوابهم ومسائلتهم عن جميع الجرائم التي حدثت ، وعن الممارسات الغير قانونية بحق المتظاهرين العزل وإحالتهم للقضاء ووفق الأصول بما في ذلك القادة الأمنيين .
ولا يسعنا إلا وأن نستنكر هذا العمل البربري ، وما ارتكب من جرائم بشعة بحق المتظاهرين العزل ، والذي ذهب ضحيته اليوم ستة شهداء وهم في مقتبل العمر ، وقبلها أعداد أُخرى في البصرة والنجف والديوانية والسماوة وبغداد ومناطق أخرى ، ناهيك عن عشرات الجرحى والمصابين باختناقهم بالغاز المسيل للدموع ، ومنهم من كانت إصابته خطيرة ، وتعرض العديد من الناشطين والمتظاهرين الى الاعتقالات العشوائية ، وممارسة التعذيب والاهانات وأخذ التعهدات وممارسة التهديد والوعيد بحق المحتجين والناشطين .
وتقوم الجهات الأمنية والعسكرية بالتعتيم واخفاء الحقائق وعدم الكشف عن المعتقلين وأماكن اعتقالهم ، ومن دون أمر قضائي ، وهو خرق للقانون وللحقوق ، وإخفاء تلك الحقائق والتنصل عن المسؤولية وتبرير ذلك من قبل السلطات الحاكمة ومن قبل إعلام السلطة وأحزابها المتنفذة .
كل الذي جري ويجري ليس ببعيد عن موافقة السلطات عن تلك الممارسات ، وبموافقة رئاسة الوزراء والأحزاب المتنفذة والحكومات المحلية والمحافظين كون هؤلاء يمثلون السلطة التنفيذية والرقابية أمام القانون .
والأحداث أكدت بما لا يقبل الشك ، بأنهم لا يتورعون بالقيام بأي عمل إجرامي ومخالف للقانون، لإسكات أصوات المتظاهرين ، ولتكميم أفواههم ومنعهم من التعبير عن رأيهم بحرية وبصورة سلمية ، وهم يطالبون بأبسط الحقوق التي كفلها الدستور ، وهي من أُولى أَولويات ومهمات الدولة الناجحة ، وهو شرط من شروط استمرار الحياة للبشر على هذه الأرض !!.. مثل الماء وفرص العمل وتوفير العلاجات والأدوية والكهرباء وغير ذلك !.. فهل هذا كثير ؟..
والمطالبة بالكشف عن الفاسدين ، وفضحهم وتعريتهم ومحاسبتهم وإجبارهم على إعادة الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة .
ثارت ثائرة الفاسدين والممسكين بالسلطة والتشبث بها ، ومحاولاتهم المحمومة للبقاء في مراكزهم ، ليزدادوا ثراء وغنا ، وليزداد الفقراء فقرا ، نعم فثراء الفاسدين يقوم على حساب الناس وجوعهم وبؤسهم وشقائهم .
لذلك جن جنونهم وفقدوا بصرهم وبصيرتهم وتوازنهم ، واهتزت عروشهم لخروج هذه الجماهير الغفيرة تطالب عن الكشف عن حيتان الفساد وسارقي خزينة البلاد !..
فأصبحوا قاب قوسين !.. في قبضة شعب ثائر وجائع ، يروم الحياة والعيش الكريم ، وفي سبيل القصاص من هذه الزمر الفاسدة والسارقة لقوته ، وسارقي ثروته وتعبه وخيراته .
إن قوى شعبنا الخيرة والوطنية الشريفة ، عليها مسؤولية كبرى ، من خلال الوقوف الحازم والصارم والواضح ، مع انتفاضة شعبنا ومع عوائل الضحايا ، الذين سقطوا غدرا وعدوانا ، وبدم بارد ومن دون أي وازع من ضمير ولا وجدان ، ودون خوف من المسائلة والحساب ، لسبب بسيط !.. وذلك لغياب العدالة وغياب القانون وعجز القضاء من أن يقول كلمته ، ويقتص من الجنات ومن الذين أصدروا الأوامر بإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ومن دون أي مبرر ، ضد متظاهرين سلميين ومسالمين عزل !!..
كيف يحدث هذا في بلد يدعي كذبا وتضليل وخداع ، بأنه بلد ديمقراطي !!.. أي ديمقراطية هذه يا حكام بغداد ؟ ..
إننا نستصرخ الضمير الإنساني ، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق ، والمنظمات الحقوقية والإنسانية ، بأن تقف مع شعبنا الأعزل ، ونصرته والمطالبة بالقصاص من القتلة ، وللدفاع عن الديمقراطية الناشئة الوليدة ، في بلد قارع الدكتاتورية ، ويسعى لبناء نظام عادل وديمقراطي ، في دولة المواطنة وقبول الأخر .
ويجب أن نشدد على نصرة شعبنا ، وحق الناس بنيل حريتهم واستعادة كرامتهم المسلوبة ، وبحقهم في التظاهر السلمي ، والاحتجاج والاعتصام والاضراب ونيل الحقوق المشروعة العادلة .
وهذه حقوق كفلها الدستور العراقي ، ولكنها غير مصونة وغير محترمة ومنذ سنوات ، وكل ما يقال عكس ذلك فهو كذب ورياء وتضليل وإخفاء للحقيقة ، بالرغم من كون تلك الحقوق قد كفلتها الشرائع والقوانين الدولية النافذة .
المجد لضحايا انتفاضة البصرة ومحافظات العراق .
الخزي والعار للقتلة المجرمين ، ولمن أصدر الأوامر واستباح الدم العراقي .
النصر حليف شعبنا النازع نحو الحرية والديمقراطية والعدل والمساوات ، وفي سبيل الأمن والعيش الكريم والاستقلال الوطني .