إتسم قمع الحراك الشعبي في عهود الحكمومات الرجعية والدكتاتورية بالعنف مع أجهزتها الأمنية ، كما حصل في وثبة كانون عام 1948 وإنتفاضة تشرين عام 1952 التي فيها زُج بالجيش العراقي لقمعها . ولسيادة الروح الوطنية العراقية بين صفوف منتسبيه ، أبوا تنفيذ أوامر إستعمال القوة المفرطة ضد المنتفضين ، ولم يتعرضوا لهم أو يُهددوهم بالسلاح ، عند صعودهم على ظهر دباباتهم، من هناك كانت تعلن مطالب الجماهير وتنشد الأهازيج ، كما حصل في مدينة النجف على حد قول شهود العيان ، فاقتصر الأمر في فض وتفريق المتظاهرين عند الإضرابات والإعتصامات على شرطة بهجت العطية  كما حصل في إضراب كاورباغي وإعتصام عمال مصانع التبغ وأنتفاضة فلاحي آل إزيرج ، وغيرها من المعارك البطولية التي خاضتها جماهير شعبنا ضد الأنظمة التي صادرت حقوق العمال والفلاحين وسلبت حق المواطن في الحياة الحرة الكريمة وأخضعت مصالح الوطن للأجنبي

 لم تخلُ تلك الإنتفاضات والإضرابات من سقوط عدد من الشهداء ، وإصدار احكام الإعدام في محاكم صورية ، وعند إطلاق سراح القلة منهم ، يجبروا على توقيع تعهدات بعدم المساهمة في أية أنشطة مناوئة للنظام . كانت الأغلبية العظمى منهم تُفضل سجن نقرة السلمان وديالى على أن تُوقع على أية براءة من أي حراك يصب بمصلحة الشعب والوطن.

في أغلب تلك الحركات والنشاطات الوطنية كان يُستجاب لبعض مطاليب الجماهير الحياتية اليومية السياسية والإجتماعية فتُسقط المعاهدات الجائرة مع الدول الإستعمارية كما حصل لمعاهدة بورتسموث الجائرة مع بريطانيا بوثبة كانون ، وإلغاء القرارات الإقتصادية في إنتفاضة تشرين (صالح جبر يالديوس كرصة خبر عشر فلوس) 

أما الحراك الشعبي الجماهيري الدائر حاليا ، فرغم إتسامه بالسلمية من جانب المتظاهرين ، وتصاعد وتيرته تدريجيا بما يتناسب وما تراكم من منغصات ومآسي طالت الأغلبية العظمى من الناس ، التي هبت منذ الوهلة الأولى لتبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت من قبل الأحزاب الإسلامية والقومية بعد إسقاط الصنم في 2003 ، لمعرفتها المسبقة وقواها الوطنية أن هذا النهج المقيت سيخلق المصائب والويلات التي ستحل بالشعب والوطن (كان حدس الجماهير وقواها الوطنية في محله)  لذا طالبت بكنس مريديه وأدواتهم من مرافق الدولة ، فعلى أيديهم إتسعت رقعة الفقر بين المواطنين وساد الفساد والمحسوبية وسرقة المال العام والسحت الحرام   في أغلب مرافق الدولة الأدارية والأمنية ، التي سيطرت عليها الاحزاب الطائفية ومؤيديهم فكانوا وراء حرف العملية السياسية عن سكتها الحقيقية ، ولبوا أجندات الدول القريبة والبعيدة ، فمنعت الجماهير من ممارسة حقوقها المدنية ، وتحولت أحلامها في الحياة الحرة الكريمة إلى سراب ،  بإنتشار البطالة والعيش على ما يُقدم لها من مفردات البطاقة التموينية بدءا بتقليص مفرداتها وسوء نوعيتها ، وهي الآن معرضة للتصفية ، بجانب شحة مياه الشرب والزراعة وضعف تواجد الكهرباء في شهر آب اللهاب ، اللتين بدونهما يتعذر الشروع بالتنمية المستدامة ، وإصلاح ما تهدم من مصانع وإعادة الحياة لمن توقف منها. 

لقد بدأ تململ الجماهير الفقيرة والمهمشة المطالبة بالتغيير والإصلاح يتصاعد بصبر وتأني ، ليُعطي  لمُسَيري بوصلة العملية السياسية الوقت الكافي ، لتحقيق وعودهم للشعب التي أطلقوها عند مقارعتهم الدكتاتورية ، أو في حملاتهم الإنتخابية ، لكن تلك الوعود ذهبت مع الريح ، وتناسوها عند إحتلالهم مواقع القرار التي مهدت لهم سبل تراكم أرصدتهم في بنوك الخارج وبالدولار  على حساب إفقار الشعب بالصفقات الوهمية وبالسرقة المال العام والفساد ، حيث لم يشهد الشارع العراقي سوى الخراب والتهرب من إكمال ما عهد لشركات ترتبط بعلاقات المحسوبية مع متبني نهج المحاصصة. فقالت الجماهير كلمتها ، كفى قهرا ، بعد أن بح صوتها المطالب بخلق أجواء تمارس بها حقوقها الإنسانية والمدنية .

وعلى الرغم من أن سقف مطاليب الجماهير ، لم ترفعه فوق مستوى الإمكانيات المادية التي توفرت للبلد و الحاجات اللازمة للنهوض بالإصلاح والتغيير ، آخذة  بالحسبان الظروف الذاتية والموضوعية الملموسة التي يمر بها الوطن . مع هذا وجهت القوات الأمنية لنهج المحاصصة المقيت  بالإغارة على المتظاهرين والتصدي لكل مطالب بالإصلاح والتغيير بإستعمال القوة المفرطة ، سيما بعد أصرارهم على مواصلة الإعتصام والتظاهر لحين تحقيق مطالبهم العادلة ، وخاصة بعد أن بان لهم مغزى لعب لعبة الدومينو وإياهم . هذه اللعبة القائمة على أربعة لاعبين (الأحزاب الإسلامية لكلا المذهبين والكورد والمليشيات) فقاموا بإحالة عدد من الفاسدين (لا يتعدى أصابع الأطراف دون الأرجل) إلى القضاء لمسائلتهم ، أغلبهم إستشعر بالخطر وهرب بما حمل الجمل لخارج الوطن ، بينما أبقوا على حجر اللعبة (جهاز المحاصصة) في دوائر الدولة دون مس ، مصاحبين ضجيجهم ذلك بمواصلة التفتيش عن الفاسدين على الرغم من كونهم أمام أنظار الجميع و غير بعيدين عن متناول اليد . إن إيعاز القائمين على مواقع القرار لأجهزتهم الأمنية المتعددة بإطلاق الرصاص الحي والمطاط بالإضافة للغازات السامة وخراطيم المياه  لفض التظاهرات يُشكل سابقة لم يشهدها الشعب العراقي ، مما أدى إلى أستشهاد 14 متظاهرا و جرح المئات من كلا الطرفين ، و غُيب آخرون لا يعرف مصيرهم ليومنا هذا ، في وقت يشتد التنافس على قيادة الحكومة لمواصلة نهجهم المحاصصاتي بصيغ مختلفة ، بالإلتفاف على إرادة الجماهير ومصادرة حقها بأغلبية الفوز في الإنتخابات التي قيل عن تزويرهم لها الشيء الكثير.  

عرض مقالات: