عرف الانسان القديم الزراعة في العراق القديم ما ادى الى استقراره ونشوء اول حضارة انسانية الا وهي حضارة وادي الرافدين التي كانت لها تأثيرات كبيرة على العالم. وفي فترة من الفترات الماضية احتل العراق المراتب الاولى في انتاج وتصدير التمور التي كانت لها شهرة في الاسواق العالمية. وكان العراق يبادل بالتمور سلعا اخرى ، ولكنه تحول اليوم الى بلد يستورد التمور من ايران والسعودية والامارات وغيرها, واصبح يستورد سلة غذائه من دول الجوار، وتعمقت المشاكل التي يواجهها القطاع الزراعي وتعرضت اراضيه الى الجفاف الشديد واضطر الفلاحون الى هجر اراضيهم الزراعية والبحث عن فرص العمل في المدن. فمن المسؤول عن هذا التخلف في قطاعنا الزراعي؟
تتحمل كل الحكومات المتعاقبة منذ التغيير في 2003 والى اليوم مسؤولية هذا التراجع والتخلف في القطاع الزراعي وذلك لانعدام الرؤى الاقتصادية والاستراتيجية وتفشي آفة الفساد واعتماد نظام المحاصصة سيئ الصيت، الى جانب العوامل الطبيعية التي لم تتخذ السلطات المعنية الاجراءات المناسبة للحد من تأثيرها، اضافة الى عدم اتخاذ اي اجراء تجاه المواقف السلبية للدول المجاورة بحجبها وصول مياه نهري دجلة والفرات الى العراق وفقا للمواثيق الدولية.
فهل يمكن زيادة الانتاج الزراعي بنوعيه النباتي والحيواني وتحسين نوعيته لكي يسد حاجات الناس الغذائية والصناعية ويجعل العراق بلدا مصدرا للمنتجات الزراعية بدلا من استيرادها؟
يمكن ذلك اذا توفرت الارادة السياسية الجادة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدا عن نظام المحاصصة المقيت ومن خلال:
1. اشاعة التعاونيات الزراعية حيث ان الاستثمارات الفلاحية الصغيرة والمشتتة لا تؤدي الى انتاجية عمل عالية، وليس من الممكن استخدام التكنولوجيا والمكائن والآلات الحديثة فيها ولا مناص للاستثمارات الفلاحية الصغيرة من الفقر كما يقول ( لينين), فأين المخرج ؟ انه في التعاونية الزراعية حيث يمكن للفلاحين ان ينتظموا في تعاونيات والتي يجب ان تكون وفق مبدأ الاختيار وتبنى على اسس ديمقراطية في مجالات الانتاج والتوزيع والتسويق, كما ان هناك اشكالا مختلفة من التعاونيات كالتعاونية في فلاحة الأرض وتعاونية الآلات والتعاونية الزراعية العامة وغيرها. وقد اثبتت تجارب الدول التي قامت فيها هذه التعاونيات على التطور الذي حققته في ميدان الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني مقارنة بوضعها السابق عندما كانت الاستثمارات الفلاحية صغيرة ومشتتة.
2. يمكن للدولة ان تقيم مزارع جماعية وان تكون نموذجا ومثالا يحتذى به من قبل الفلاحين حيث يمكنها ان تركز جهودها وامكاناتها المادية والفنية في هذه المزارع بالإضافة الى استخدام الوسائل العلمية في الزراعة واستخدام المكائن والآلات الحديثة والبذور المحسنة والاسمدة الكيمياوية والادارة الناجحة. كلها عوامل من شأنها ان تحقق انتاجية عمل عالية.
3. من العوامل المهمة التي تساهم في تحسين نوعية الانتاج وزيادته هي اقامة شبكة واسعة من مراكز البحث العلمي الزراعية نباتية وحيوانية وفي جميع مناطق العراق لايجاد بذور محسنة ذات انتاجية عالية تتناسب مع مختلف البيئات، ومن خلال هذه المراكز يمكن تطوير المحاصيل المختلفة الغذائية والصناعية مثل القمح والشعير والذرة والتمور وغيرها اضافة الى تطوير الثروة الحيوانية وتحسين النسل وتطويره، بما يوفر انتاجاً اوفر. ومن الضروري ان تدعم الدولة وتطور مراكز البحث العلمي الزراعي الموجودة وهي محدودة وذات امكانية مادية متواضعة.
4. الاهتمام بصناعة المكائن والآلات الزراعية وتطوير معمل المكائن الزراعية في الاسكندرية ونشر هذه المعامل في محافظات العراق المختلفة وتشجيع القطاع الخاص على اقامة مثل هذه المعامل لما لها من اهمية كبيرة في رفع انتاجية العمل في الميدان الزراعي. ان ادخال المكننة والآلات الحديثة في العمليات الزراعية سيقضي حتما على الوسائل البدائية المستخدمة حاليا من قبل الفلاحين.
5. اقامة محطات حكومية للآلات والمكائن الزراعية قرب المناطق الزراعية وذلك لغرض تأجيرها للفلاحين بأسعار مناسبة ولغرض صيانة المكائن والآلات الموجودة لدى الفلاحين.
6. تركيز الجهود والموارد المالية والبشرية من اجل استصلاح الأراضي الزراعية ويمكن دعوة الشباب العاطل عن العمل للقيام بهذه العملية نظير اجور معينة وبالتالي يمكن ان يساهم هذا العمل في إضافة مساحات جديدة الى ميدان الانتاج لتساهم في زيادة الانتاج الزراعي ولتحقيق الاكتفاء الذاتي.
7. ضرورة وضع خطة لتطوير الانتاج الزراعي بعيدا عن عفويته.
8. الزيادة المستمرة لخصوبة التربة وذلك باستخدام الأسمدة الكيمياوية او الحيوانية.
9. معالجة مشكلة نقص مياه الري والعمل على توفيرها ومعالجة الملوحة وتلوث المياه واستخدام الطرق الحديثة في الري كالتنقيط والرش وعدم التبذير في مياه الري الذي قد يسبب ارتفاع نسبة الاملاح في التربة بسبب المناخ الحار والجاف الذي يتميز به مناخ العراق وكذلك اقامة المبازل لتخليص التربة من الاملاح.
10. مكافحة الحشرات والأمراض والأعشاب الضارة بالمزروعات امر ضروري لزيادة الانتاج الزراعي, ويدخل ضمن هذا حماية الانتاج الزراعي العراقي بنوعيه النباتي والحيواني من تسلل الحشرات والأمراض من الخارج عن طريق الاستيراد وذلك بإقامة مراكز الحجر الصحي في المناطق الحدودية لفحص كافة المنتجات الزراعية الواردة الى العراق.
11. بناء مستودعات الحبوب (السايلوات) والمطاحن والمخازن المبردة يشجع على زيادة الانتاجية.
12. الاهتمام بالمحاصيل الصناعية وذلك من خلال تحسين نوعية البذور واستخدام الأساليب العلمية في زراعتها والعمل على تطوير الصناعات الغذائية والصناعات الاخرى وخاصة صناعات تعليب التمور والزيوت والنسيج...الخ. ويمكن للدولة ان تلعب دورا مهما في اقامة الكثير من الصناعات الزراعية او تطوير القائم منها اضافة الى تشجيع القطاع الخاص على اقامتها مع ضرورة حماية المنتج الوطني من منافسة المنتجات الأجنبية.
13. الاهتمام بالثروة الحيوانية من خلال تحسين نسلها ومكافحة الأمراض والأوبئة التي تصيبها واقامة مراكز للرعي وترك الرعي السائب واقامة معامل للعلف الحيواني والاهتمام بنوعية العلف المقدم لها وتطوير الصناعات القائمة على منتجاتها كالألبان والاجبان وغيرها، مع تشجيع القطاع الخاص ضمن هذا النشاط.
14. تقديم القروض الميسرة من قبل الدولة للفلاحين وخاصة لصغارهم واعادة تشغيل المشاريع الحكومية في مجال الانتاج الحيواني والنباتي، وتفعيل دور المصرف الزراعي لمساندة صغار الفلاحين وبشروط ميسرة وتقديم البذور والاسمدة الكيمياوية والمستلزمات الاخرى الخاصة بالزراعة المحمية.
15. الاستخدام الواسع لمنجزات العلم يعتبر شرطا مهما للتقدم في جميع فروع الانتاج الزراعي، وكما يقول احد الاقتصاديين ( ميتشورين): "نحن لا نستطيع ان ننتظر العطايا من الطبيعة، بل مهمتنا ان نأخذها منها".
16. العمل على الغاء كافة القوانين والقرارات المتعلقة بالزراعة والتي اصدرها النظام الدكتاتوري المقبور لخدمة مصالحه والعمل على تشريع قوانين جديدة تكون في صالح الشعب العراقي وفي صالح الفلاحين والمزارعين وكذلك حماية العمال الزراعيين عن طريق التشريع والتنظيم النقابي.
17. الاستفادة من المياه الجوفية في الري وذلك من خلال حفر الآبار الارتوازية وتوفير مضخات الماء وتسليمها للفلاحين في المناطق الديمية والجبلية ودراسة امكانية الاستفادة من العيون والينابيع في الري في المنطقة الشمالية.
18. العمل على بناء المحطات المتطورة للرصد الجوي والعاملة بالطاقة الشمسية والتي تهدف الى جمع البيانات المناخية التفصيلية التي تصب في خدمة النشاط الزراعي ونشرها في المحافظات.
19. اقامة السدود والخزانات على انهار دجلة والفرات وشط العرب والسدود الصغيرة على الوديان لاستغلال مياه الأمطار بالمزروعات الصيفية والعمل على اعادة النظر في الاتفاقيات الدولية مع تركيا وسوريا حول الحصة المائية الخاصة بالعراق من نهري دجلة والفرات.
20. الاهتمام بتطوير المدارس المهنية الزراعية لإعداد الكوادر الزراعية والمرشدين الزراعيين وكذلك الكليات الزراعية لإعداد المهندسين الزراعيين وتشجيعهم لممارسة النشاط الزراعي.
21. تقليل الفوارق بين الريف والمدينة والعمل على اعادة اعمار الريف العراقي ومد شبكة خطوط الكهرباء الى الريف والعمل على تشجيع الهجرة المعاكسة من المدينة الى الريف والسعي لإقامة قرى عصرية وتشجيع الشباب العاطل عن العمل على الانتقال اليها والعمل في الزراعة.
22. مد شبكة الطرق بين الريف والمدينة ومناطق التسويق يشجع على نقل المنتجات وتسويقها دون ان تتعرض الى التلف مع ضرورة تجهيز الفلاحين بوسائل النقل الحديثة كما ان بعض المنتجات الزراعية تحتاج الى وسائط نقل مبردة.
23. انشاء جمعيات تعاونية لتسويق المنتج الزراعي وبإدارات كفؤة بعيدة عن الفساد المالي تضمن حقوق الفلاحين وتشجيعهم على زيادة انتاجهم.
24. للسياسات الحكومية دور فعال في العملية الزراعية حيث يمكن للدولة ان تحول الصحراء الى واحة خضراء كما يمكن لها ان تحول المناطق الزراعية الخضراء الى مناطق جرداء. والحكومات المتعاقبة منذ 2003 حتى اليوم قد حولت البلاد الى مستورد للمنتجات الزراعية المختلفة بما فيها سلة غذاء العراقيين رغم ان العراق تتوفر فيه مقومات الزراعة وشروطها الطبيعية والبشرية. وقد استطاعت الولايات المتحدة الامريكية وكندا تحويل مناطقها الشمالية الباردة الى مناطق مهمة لإنتاج القمح وكذلك استطاعت دولة الامارات العربية المتحدة والسعودية والكويت تحويل اراضيها الصحراوية الرملية الى مناطق خضراء منتجة. واستطاع الاتحاد السوفيتي السابق ان يحول الكثير من اراضيه غير المستثمرة الى مناطق زراعية مهمة بعد ثورة اكتوبر 1917. اي ان الدولة بالقرارات التي تتخذها والقوانين التي تشرعها وتوفر الارادة الصادقة، يمكنها ان تستثمر كل الاراضي الزراعية وتضيف مساحات جديدة اليها وتطور الانتاج لسد حاجات المجتمع وتصدير الفائض، وليس كما يجري اليوم من تهميش الزراعة وتفشي الفساد المالي والاداري الذي يعيق عملية التنمية الزراعية واعتماد الاستيراد بدلا من الانتاج.