ان الاشكالية الحقيقية  في تصاعد الاحتقان الجماهيري   تكمن في التركيبة الفكرية لنظام  المحاصصة، والذي سعى منظروه الى اضعاف الدولة وتمزيقها من خلال نشرالفوضى والفساد  وتعميم مفاهيم العشيرة  والطائفية السياسية والاثنية  والقومية  بديلا عن المواطنة والولاء للوطن  الجامع الاساس للشعب العراقي ، مكرسين نهج المحاصصة في كل مؤسسات الدولة  .مما عمق التفاوت الطبقي بين الطبقة السياسية  التي ازدادت ثراءا فاحشا ، وابناء الشعب العراقي من الكادحين والفقراء المسحوقين حتى العظم ، مما دفع لاستنهاض الجماهير الشعبية وتوحيدها لتلتقي في الشارع بمظاهرات شعبية سلمية يحركها الجوع والاضطهاد والتمييز والتهميش ، بعد ان فقدت الامل في الطبقة السياسية المتنفذة ، التي قادت البلد الى هذا الدرك من المعاناة والبؤس والحرمان ، وكلها اصرار على احداث التغيير والاصلاح ومحاسبة من تجاوز على اموال الشعب بسرقتها بشتى السبل والاحتيال

نقول ان الحلول المجتزأة والترقيعية لن تجد بعد الان  آذاناً صاغية ، فقد تخطى الشعب العراقي ذلك ولن تنطل عليه بعد اليوم  خدع المتنفذين الفاسدين ، وما النفر القليل ممن يصفهم الاعلام الحكومي اعلام المتنفذين بالمندسين ، فهو لذر الرماد بالعيون وتشويه التوجه العام الجاد والواعي للتظاهرات الشعبية السلمية ، التي كانت وستبقى الاحرص على المال العام الذي هدره الفاسدون بدعم من المتنفذين وتغطيتهم ، والذين لازالوا في نهجهم هذا مستمرون  ، وبخصوص  الفاسدين الذي يتحدث عنهم المسؤولون ليل نهار، فهم متواجدون بين ظهرانيهم  ،  ولهم اليد الطولى في اصدار القرارات  ، فلا يحتاج  للاستدلاء عليهم عناءاً ،اما محاولة رمي التهم على  الجماهير المتفجرة من شدة الجوع والعطش فهو هروب من مواجهة الحقيقة والاعتراف بالفشل وتحمل  المسؤولية الوطنية تجاه ابناء الشعب وآلامهم ، و الدوران في  الحلقة المفرغة تضيعاً للوقت الذي ان نفد فيه صبر الجماهير ، فلا تفيد عندها ساعة الندم فهي اي الجماهير المحتجة ،وصلت الى الحالة التي تستعد فيها لتقديم قرابين من اجل لقمة العيش والحياة الكريمة ،أما الخوض في تشكيل اللجان والخلايا الحكومية لحل الازمات  والنظر  في المطاليب المتراكمة  التي اوصلتها الجماهيرعبر رسائلها   بدءاً من الانتخابات والتصويت بحجب الثقة عن حيتان الفساد او المقاطعة الرافضة لهم  واليوم  من خلال تظاهراتها واعتصاماتها ماعاد يجدي نفعا  ، خاصة بعد ان اخذ سقف المطالب  يتصاعد ويتسع مستهدفاً بنية النظام ونهجه                            

ان الحل الحقيقي لمشاكل البلد كما عبرت عنه الجماهير الشعبية في تظاهراتها الاحتجاجية  هو التغيير الحقيقي والاصلاح الذي يكمن في المشروع الوطني الديمقراطي العابر للطائفية ونهج المحاصصة والذي جسدته القوى المدنية  الوطنية والديمقراطي  من خلال برنامجها الذي يهدف الى بناء دولة المواطنة دولة القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة ومحاسبة الفاسدين وتحقيق هيبة الدولة وحصر السلاح بيد الدولة .

بدون ذلك فالحديث عن حلول يبقى ترقيعيا وقتيا سرعان ما يضمحل ويتلاشى  ولا تفيد معه الخلايا النائمة واللجان المشكلة  لانها تحمل في داخلها جرثومة  نظام المحاصصة ، وهناك امثلة كثيرة عجزت فيه هذه اللجان لانها خرجت من عباءة نظام المحاصصة المازوم ، وتقديم اكباش  لعبة المتنفذين الفاسدين على مر الخمسة عشر عاما  تستخدمها لامتصاص نقمة الجماهير ومن ثم يعفى عن الكبش بقانون يصوغه الشركاء كما جرى مع وزير التجارة واليوم مع وزير الكهرباء ، الذي كان يراد ارساله الى السعودية على راس وفد  قبل ايام من التظاهرات  !! .

اما السباق الذي يجري الحديث عنه لتشكيل حكومة  الكتلة الاكبر ، التي ستلاحقها احتجاجات الجماهير المكتوية بنار نهج المحاصصة والفاسدين ناهبي اموال الشعب العراقي ، اذا لم تضع  في برنامجها  استئصال نهج المحاصصة الذي سارت عليه الحكومات المتعاقبة منذ 15 عشر عاما  وما رافقها من ازمات وكوارث وفساد اداري ومالي  القت بظلالها على الطبقات الكادحة والفقيرة وجعلتها تتلوى جوعاً ومرضأ ،موضع تنفيذ حقيقي .

وتبقى تنويمة الشاعر الكبير الجواهري حاضرة في دلالتها

نامي جياع الشعب نامي      حرستك آلهة الطعام

نامي وان لم تشبع  من يقظة       فمن المنام

نامي على زبد الوعود           يداف في عسل الكلام

نامي وخلي الناهضين    لوحدهم هدف الروام

نامي اليك تحيتي          وعليك نائمة سلامي

عرض مقالات: