لم تصل الأمور إلى نهايتها بعد، ولكن هل ما هو  متوقع مستحيل ، وهو العودة الى نقطة الصفر  فيما يتعلق بالمشهد السياسي العراقي عقب ظهور نتائج الانتخابات وما تلاها من محاولات مستميته لإعادة من  فشلوا وخسروا  الى دفة الحكم مجدداً باللجوء إلى مختلف الوسائل! لا طبعاً،  لأن كل شيء جائز في الوضع العراقي  مادامت القوى السياسية المتنفذة مُؤمنة بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي يجيز لها استخدام كل الوسائل الممكنة لإعادة انتاجها مع  اضافة بعض الرتوش  مستفيدة من التوجهات التي طرحتها القوى المدنية بخصوص محاربة الفساد والمحاصصة الطائفية التي وضفتها  لصالح توجهاتها ظاهرهياً إلا أن جوهرها باق كما هو أي البقاء على ذات التوجه الطائفي التحاصصي الذي تم اعتماده منذ مجيئهم للحكم في غفلة من الزمن عام 2003 والى الآن .

لقد أصبح من الواضح الآن للقاصي والداني أن الحراك المحموم يدور في نفس الفلك الذي أوصل القوى الطائفية للحكم  باعتماد النهج البرغماتي،  من خلال عقد الصفقات التي انتهت إلى الفشل، حين نكثت جميع الاطراف بوعودها وغدر أحدهم بالآخر، كما يغدر اللصوص ببعضهم عند تقسيم المغانم ، وهنا تحضرني قصة لصين حضيا بصيد ثمين تمثل في قطع من الجواهر والمال، وفي طريقهم إلى إخفاء ما سرقوه في مكان خارج البلدة، خطر ببال أحدهم التخلص من شريكه في السرقة،  فتطوع لجلب الطعام لهما واتفقا على هذا لكنهما فكرا في ذات الوقت  بالغدر ببعضهما ، فالذي جلب الطعام دس السم لصاحبه بينما الثاني حضر نفسه للاجهاز على  شريكه حين وصوله وهكذا فعل حيث ارداه قتيلا حال وصوله،  وبعد ان نفذ جريمته انهمر في تناول الطعام المسموم دون أن يدري، وما هي إلا لحظات حتى سقط جثة هامدة ، وهكذا فإن عدم الثقة بين الطرفين اوصلهما الى هذا المصير المحتوم.

 ان ما جرى ويجري الان من صفقات لتقاسم الغنائم بين القوى السياسية المتنفذة  يطابق من حيث المبدأ ما ذكر في قصة اللصين حيث انعدام الثقة ونويا الغدر التي لازالت ماثلة للعيان وكانت نتائجها كارثية ، إلا انهُ على ما يبدوا  انهم مصرين على  جشعهم الذي ادى الى إغراق البلاد بالفساد الذي ساهم في ضياع  ثروات الوطن  واحتلال ثلث أراضيه، حيث خربت المدن وشرد الناس من بيوتهم  وكادت البلاد تضيع  بأسرها نتيجة الغدر وعدم الثقة المتبادلة  ورغم هذا كله فإنهم يحاولون اعادة تنفيذ نفس السيناريو مجدداً، وكأن ذاكرتهم تلاشت أو أنهم لا يتعضون او مصرين على غبائهم، او لأنهم يجنبون أنفسهم الوقوع في كماشة الحساب العادل  في حالة إقامة نظام خال من المحاصصة لا يعتمد الطائفية كنهج للحكم كما في السابق وبناء دولة قوية وحكومة قادرة على تقديم الخدمات للشعب وبرلمان قادر على تشريع قوانين  تلامس حاجات الناس الاساسية وتنقذ الوطن من الضياع وتحافظ على ثرواته .

أن إعادة البلاد إلى المربع الأول يعد كارثة حقيقية، سيكون ثمنه غالياً حيث ان الأمور ستزداد تعقيدا ومسلسل الضحايا الأبرياء سيستمر في اجواء  انعدام الأمن  والخدمات الضرورية ومن بينها الكهرباء في وقت تتصاعد فيه درجات الحرارة الى اكثر من خمسين درجة مؤوية ، وتشرذم النسيج الاجتماعي الذي يعاني اصلا من التدهور والإنحلال نتيجة ضعف الدولة وسيطرة المجاميع المسلحة المدعومة إقليميا ودوليا ،  ان هذا كله وغيره يؤدي بسيادة البلد  الناقصة اصلا الى المصير المجهول ، عند إذاً ليس هناك رابحاً، وكما قال المثل المشهور ، لاحضت برجيلها ولا خذت سيد علي

عرض مقالات: