في خضم كفاح لينين وحزبه ألبلشفي في التحضير لثورة أكتوبر المجيدة، كان من ألطبيعي أن يكون للعمل بين ألجماهير، وتهيئتها للثورة المقبلة الحصة الأكبر من العمل المضاعف كي تكون هذه الجماهير الأداة الفعالة، بذلك، ولكن الصدمة كانت كبيرة، عندما لاحظ ألتردد والخوف من المشاركة في ألنضال، وفي المواجهة مع القيصرية ونظامها ألبوليسي القمعي لدى فئات من الشعب الروسي آنذاك، فأخضع هذه الظاهرة للدراسة والتحليل ألطبقي وصاغ نتائج دراسته في المقال التالي:
المقال هو "في مرافق الخدم "وبالإنكليزية" in the servants quarters" حيث يتناول لينين شخصية الخادم كفئة اجتماعية ويعمل على تحليل هذه الفئة الاجتماعية. ويخضع نفسيتها للدراسة، فهو يرى إن الخادم ليس مجرد مهنة، وهي ليست شتيمة بل تشخيص اجتماعي ونفسي لحالة إنسان مقهور، جاءت كنتاج للنظام الطبقي حيث يكون هناك دائما في هذا النظام من يعمل في خدمة الآخرين ومن يتلقى هذه الخدمة أي أن في هذا النظام الاجتماعي هناك الخادم والمخدوم.
مقالة لينين ألرائعة هذه تذكر أن ألثورة لا تبدأ بالبندقية فقط، وإنما بوعي الذات وحين يبدا الأنسان بالقول " لن أكون تابعا بعد أليوم "
نحن هنا أمام تحليل دقيق استخدمت فبه إسقاطات على فئات اجتماعية أوسع كانت هذه الإسقاطات صالحة في زمن لينين وما زالت صالحة حتى اليوم، إذ أن ليس الخادم فقط يملك الذهنية التابعة الخاضعة اجتماعيا وسياسيا، بل هناك فئات أخرى تملك نفس الصفات ولها أيضا موقف سلبي من المشاركة والتفاعل ألثوري.
الميزات النفسية للخادم وهي التي اسماها لينين " نفسية الخادم ":
يؤكد لينين إن هذه الميزات، هي خاصة بالفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الخادم، حيث تمتاز هذه الفئة الاجتماعية (الخدم) بسمتين رئيسيتين هما النفاق (الازدواجية) والجبن (الخضوع)، تترسخان من خلال مهنة الخدمة حتى لو كان هذا الإنسان عضوا مثاليا في عائلته ومواطنا صالحا ولكن لا مفر أن يكون منافقا، ففي مهنته يقتضي التوفيق بين مصالح السيد ومصالح الطبقة التي جلب منها، إن لينين يتحدث هنا عنه كرمز للذهنية التابعة وخضوعها السياسي والاجتماعي.
فهو مضطر أن يعيش بين عالمين هما عالم السيد الذي يجب أن يرضيه بكل وسيلة، وعالمه الاجتماعي ألأصلي الذي لا يستطيع أن يتنكر له تماما.
أما السمة ألثانية ألجبن (الخضوع)
هذه السمة لا تعني انعدام الشجاعة الفردية، بل هو خوف اجتماعي متأصل في عدم كسر النظام الذي يبقيه على قيد الحياة، لينين يرى أن هذا الجبن الاجتماعي هو أحد أكبر عوائق الثورة والتحرر الطبقي. وهو يؤكد ضمنيا استحالة بناء الوعي الثوري إلا إذا تحرر الناس من نفسية الخادم. إنها ليست فقط دعوة لثورة اقتصادية، بل ثورة في وعي الذات أن يرى العامل نفسه ندا لا تابعا.
وهو كما توضح تحليل يمكن تعميمه على فئات اجتماعية أوسع، قديما وحديثا، الفئات التي تشكل وعيها المشوه نتيجة التبعية ألطويلة والعيش تحت سلطة الآخر. وفي بلادنا الآن نعاني من ذات المشكلة القديمة حيث يعتقد الكثير من الناس (وهم واهمون حقا) إنهم خدم تابعون لسلطة الحكام التي عجنتهم وخبزتهم في أفران المذهبية والعشائرية وما يترتب عليها.
-----------------------------------------------------------------
هامش:
مقالة لينين:" in the servant quarters" كتبت في تموز/ يوليو من عام 1919 ونشرت للمرة ألأولى عام 1925 ضمن "collected works of V . L enin" بالعربية " أعمال مختارة للينين "المجلد 29 مارس - آب 1919 دار التقدم موسكو .
متوفر على موقع ارشيف الماركسيين بالإنجليزية.