جميل أن تعقد المؤتمرات حول الديمقراطية وقيمها، وجميل جدا أن يتدافع المتحدثون في الدفاع عنها ، وجميل أكثر ان بتصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإلقاء تصوره عن هذه الديمقراطية، ولكن مواطن بسيط مثلي يتفاجأ بهذا العدد الذي وجهت له الدعوة لحضور هذا المؤتمر الديمقراطي بغياب واضح للتيار المدني الديمقراطي ورموزه، وممثلين عن شباب إنتفاضة تشرين الذين قدموا حياتهم قربانا للدفاع عن قيم الديمقراطية بعد أن حول الحكام الفاسدون حياة العراقيين إلى جحيم وسلبوا الشباب مستقبلهم وغيبوا عن قصد أي مساحة لممارسة حق الشعب بالاحتجاج الديمقراطي ضد الفساد والاعتقال التعسفي وسرقة أموال الشعب عن طريق المشاريع الوهمية، والعمالة للأجنبي.
الذي يلاحظ الصف الأول والثاني والثالث من المدعوين إلى هذا المؤتمر من خلال الفيديو الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يصل إلى استنتاج واضح بأن الديمقراطية كانت وستبقى فعلا في خطر جسيم طالما كانت هذه الوجوه الكالحة تتصدر الدعوات (للدفاع) عن قيمها ومرتكزاتها الأساسية حيث أن معظم هؤلاء المدعوين والذين حضروا لتجميل وجه (الديمقراطية) في العراق هم أنفسهم الذين قوضوا كل أسسها ونسفوا مرتكزاتها عبر تشويه وتزييف الانتخابات وتشريع قوانين على مقاس الفاسدين والمنتفعين وأعداء الديمقراطية ووصلت بهم الجرأة بقتل المتظاهرين السلميين وتغييب الكثيرين إضافة لبيع أراضي العراق وموانئه من وراء ظهر الشعب العراقي (مصدر السلطات) بأسعار بخسة، لن يقوم بها غير الخائن لوطنه والفاسد وعدو الديمقراطية وحكم الشعب، ولم يكتفوا بذلك بل شرعوا قوانين تحط من قيمة المرأة التي تمثل نصف المجتمع وتهدد مستقبل اطفالها.
نعم يستحق الشعب العراقي أن يعيش في ظل نظام حكم ديمقراطي مؤسساتي ينعم يخيراته ويحفظ هذا النظام حياته وحريته ويوفر العيش الكريم ويحمي البلد ويصون كرامة المواطن بعد معاناته من موبقات وحروب وجرائم النظام البائد، لا أن يفرض عليه نظام حكم طائفي فاسد حد النخاع ويشرع نوابه الفاسدون وأصحاب الشهادات المزورة القوانين التي تقزم دور المواطن وتهدد حريته وحياته وتغلق فرص العمل أمامه. نعم يستحق هذا الشعب العيش تحت كنف الديمقراطية الحقيقية التي تضع السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية كل طاقتها من أجل بناء البلد ومؤسساته من أجل الوطن والمواطن وتحمي حدود البلاد وتوفر العيش الكريم لأبنائه وتوزع ثرواته بالعدل.
السيد شياع السوداني وهو يتغنى بديمقراطيته ويثني على (منجزاتها) ينسى عن قصد شهداء انتفاضة تشرين والمجرمين الطلقاء الذين اغتالوا بلؤم أكثر من ألف شاب وشابة، كما لم يذكر شهداء الأحزاب الوطنية ودورها في مقارعة النظام الدكتاتوري ومن أجل بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي.. كما لم يتفوه بكلمة واحدة عن دور دولته (الديمقراطية) في إجراء تغيير شامل في بنية نظام المحاصصة الفاسد المقيت وتقديم حيتان الفساد لقضاء عادل ونزيه، وليس كما شهدنا من ديمقراطية السيد شياع السوداني وما قبله من إطلاق سراح هؤلاء اللصوص. كنت أتمنى وانا المواطن البسيط أن يخرج علينا السيد شياع السوداني لينتقد تجربة أكثر من عشرين عاما على استلام أحزاب المحاصصة الطائفية السلطة حيث أشاعوا الخراب السياسي والإقتصادي والروحي في العراق وشوهوا وجه العراق بحروبهم الطائفية وقتلهم بدم بارد المتظاهرين السلميين وتغييب المئات، ومحاصرة كل الأصوات المطالبة بالحرية الشخصية المدنية والمطالبة بحقها في الحصول على فرصة عمل وبحقوقها التي يصونها الدستور.
في الحقيقة لم أكن أتوقع من السيد شياع السوداني أن يكون صادقا في حديثه عن الديمقراطية وصيانتها نظرا للتجربة الطويلة المريرة معه ومع جميع رؤساء الحكومة الذين سبقوه، فجميعهم نهشوا في جسد الديمقراطية وأفرغوها من مرتكزاتها وقيمها من خلال ممارساتهم المناهضة لها وتشريعهم القوانين التي تتنافى مع أبسط حقوق المواطنة وحقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها. فلا أمل باستعادة حكم الشعب تحت ظل نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الفاسد، ولا حل إلا بالتغيير البنيوي الشامل.
١٨ أيلول ٢٠٢٥