من المعروف إن الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي تأسس في 1 يونيو 1975 على يد الرئيس الراحل جلال الطالباني، تعرض إلى الكثير من الإنقسامات على مستوى قيادته بعد رحيله في 3/10/2023 ، وذلك أثر صراعات حادة من أجل المال والسلطة والنفوذ ، رجحت كفة الميزان لصالح عائلة الطالباني التي هيمنت على مقدرات الحزب، ولكنها لم تنجو من الصراعات لنفس الأسباب ، مما حدا بالسيد لاهور شيخ جنكي لاعلان تأسيس حزب سياسي جديد تحت أسم جبهة الشعب لمنافسة حزب الأم ( الاتحاد الوكني الكوردستاني ) من أجل اكتساب مغانم السلطة .
مما يذكر، إن هذه الانقسامات كانت سببا في تقليص نفوذ الاتحاد الوطني الكوردستاني، وأدى إلى انحسار دوره السياسي على مستوى كوردستان والعراق، وبالتالي تراجع منافعه الاقتصادية، من الثروات التي كانت ولازالت تتعرض إلى الكثير من النهب و السرقة على يده ومنافسه أو شريكه الأقوى والذي يتحمكم بكل خيوط السلطة في إقليم كوردستان، وبموازاة ذلك ازدادت معاناة الشعب الكوردي وحرمانه من أبسط حقوقه في العيش الكريم، ومن أبرز مظاهرها، أزمة الرواتب الناجمة من طبيعة التعامل مع واردات إقليم كوردستان، وكذلك طبيعة العلاقة مع المركز، الذي لا يألوا جهدا من أجل إجهاض تجربة الإقليم التي تعاني أساسا من عدم وجود مقومات البناء الرصين والمستديم .
مع كل ما مر، فإن للإنقسام المزمن في جسد الإقليم بين حزبي السلطة منذ انتفاضة إذار عام 1991 ، تأثيراته الواضحة على حاضر ومستقبل التجربة الكوردستانية، وما أدل على ذلك، عدم االقدرة على حسم ملف وزارة البيشمه ركه وتوحيد فصائل الأحزاب المتنفذة في جيش عقائدي قادر على حماية كوردستان، بكل ما فيها من بشر وأرض وتجربة ذات أبعاد مستقبلية، ما أدى ذلك إلى تعرضها لكوارث شملت كل الإقليم ، كانت باكورتها اقتتال الأخوة الذي نشب في 1995 ونجم عنه تشكيل إدارتي أربيل والسليمانية والكثير من الدماء العزيزة ومالية كان الععب الكوردي وكوردستان بحاجة إليها، ثم ما جرى في سنجار إذ تعرضت لنكبتين، ففي 2007 في سيبا شيخ خدرى والقحطانية كان حوالي ألف شخص بين شهيد وجريح ضحية هذا العمل الإرهابي ناهيك عن تدمير البلدتين بالكامل تقريبا وفي 2014 تعرضت سنجار كلها لحملة بربرية قادتها الدولة الإسلامية بهدف إبادة الأيزيدية هناك، علاوة على تأثيرات ذلك الإنقسام على الكثير من الملفات الحيوية الكوردستانية وخصوصا المادة 140 الخاصة بالمناطق المستقطعة .
لم يكن حال السلاح الذي ازداد وتيرة تدفقه إلى كوردستان، اثر حملة داعش في 2014، أفضل من بقية الجوانب في الحالة الكوردستانية، إذ تحول إلى حصص أيضا، تتناسب مع طبيعة الإنقسام السياسي، بل حتى العشائري في كورستان المنقسمة على نفسها في إدارتين، وكلما تشظى الاتحاد الوطني الكوردستاني، تحاصصت على سلاحه القوى المنسحبة منه ومن بينهما حزب جبهة الشعب بقيادة السيد لاهور شيخ جنكي، ولا يختلف هذا الأمر عندما نتحدث في الشأن العشائري، فلها أي للعشائر الكوردية حصتها أيضا من سلاح السلطتين في إدارتي أربيل والسليمانية، وما الأزمة العشائرية المتشابكة سلطويا التي انفجرت في الأسابيع القليلة الماضية والتي استخدمت سلاح السلطة إلا دليلا لما أشرت إليه في أعلاه ، تلك الأزمة التي كادت أن تمتد ألسنة نيرانها إلى ما لايحمد عقباه.
إلى هنا، المشكلة ليست في قضية الصراع بين جناح الاتحاد الوطني الكوردستان بقيادة السيد بافل طالباني وجبهة الشعب بقيادة السيد لاهور شيخ جنكي، بل كما قلت في طبيعة حيازة السلاح في كل إقليم كوردسان، لأنه حصص منقسمة بين قوى منقسمة كورديا، كما مناطق نفوذها المنقسمة، وأسباب التقسيم المتواصل قائمة، وفي مقدمتها طبيعة السلطات الكوردستانية القائمة على التحاصص الحزبي والعشائري والعائلي.
وأخطر ما في معركة (لاله زار- معركة القبض على السيد لاهور شيخ جنكي ) إن قرار أطلاق الدرون الأول أو الصاروخ الأول أو الطلقة الأولى، صدر عن قائد حزبي ليس لديه موقع رسمي في سلطات إقليم كوردستان الرسمية، ولم يكن بعلمها وفقا لبيان رئاسة الإقليم، أستخدم مكانته الحزبية في أعلى الهرم في اتخاذ هذا القرار الخطير، زج فيها كل انواع السلاح المخصص لمواجهة داعش، بما فيه عشرات الدرونات الانتحارية والدبابات والدروع وناقلات الجنود وغير ذلك.
والسؤال هنا، هل يتماشى هذا مع القوانين (النافذة) في إقليم كوردستان ناهيك عن القوانين النافذة في العراق والمداسة عليها ببساطيل المليشيات الموالية وغير الموالية..؟ وعليه أليس كل السلاح الموجود في كوردستان هو سلاح منفلت ..؟ بحكم وجوده تحت تصرف هذا الحزب أو تلك العشيرة..! ألا يعني ذلك إن السلاح المستخدم في معركة لاله زار، يمكن أستخدامه في معارك أكبر وأشمل وأخطر..؟ ولنا في ذلك تجربة ليست ببعيدة، وقد تتكرر تجارب مريرة، تمتد تأثيراتها لمديات بعيدة، وهل سيكون في مقدور هذا السلاح المنقسم المنفلت أن يكون مساهما فاعلا في قضايا مصيرية كقضية سنجار مثلا أوغيرها ..؟
وهنا أسطيع القول، بكل ثقة إن السلاح الكوردي ليس كوردستانيا، بل هو سلاح حزبي وعشائري وعائلي بامتياز، يقع تحت التصرف لاستخدامه في الصراعات من أجل النفوذ والسلطة والمال، وهذا ما لا ينبغي قبوله من الجماهير الكوردستانية في الإقليم ويجب أن يتوقف، ويتطلب هذا تظافر الجهود من أجل تغيير نهج الحكم في كوردستان والمباشرة في بناء مؤسسة عسكرية عقائدية مهمتها الأولى والأخيرة حماية الوجود الكوردي وصيانة مكتسبات كوردستان والدفاع عن أرضها وسماءها.