غصت وسائل التواصل الاجتماعي بنقاشات البحث عن المنتصر في الحرب الإسرائيلية الإيرانية  يرافقها سباب وشتم وتخوين وإفشار وحضور مفرط للسلوك المؤامراتي من مجاميع مختلفة الانتماء لأطراف الصراع بل وحتى بدون انتماء يحركها هواجس الدفاع عن ايران ضد الكيان الغاصب او مع إسرائيل ضد ايران في الخفاء والعلن وأطراف لا صلة لها بالصراع وترى انها حرب عبثية قد تؤدي إلى خراب المنطقة بأكملها، وحيث كلا طرفي الحرب يحتفلان بالنصر على الآخر وهذا دليل على أن قلق البحث عن الانتصار هو السائد وهو ضمنا يشير إلى ان الحرب لم تنته بعد وقد تكون هناك جولة حاسمة في الصراع.  وإذا لم تنتصر إيران في الجولة الأولى فأن إسرائيل فشلت في حماية نفسها من الضربات الإيرانية.

 شماعة النووي الإيراني هي الورقة الوحيدة والأقوى بيد امريكا والغرب لممارسة مزيدا من الضغط على إيران وإثارة مشاعر الغضب العالمي وهذه الورقة حصرا هي تجسد للموقف الغربي الأمريكي لحماية الكيان الصهيوني والدفاع عنه اما أوراق اخرى كحقوق الأنسان والدفاع عن حرية الرأي والتعبير وطبيعة النظام في إيران فقد سقطت من الحساب الأمريكي الغربي لأنها لا تستدعي حرب بتلك الشراسة على إيران اما ورقة النووي فهي السيف المسلول الذي يمكن سحبه بوجه إيران متى ما يشاء وتعبئة العالم الغربي ضدها. 

 افتقد العالم الغربي الكثير من مصداقيته عندما وقف إلى جانب الهجمات الأمريكية الإسرائيلية على النووي الإيراني واعتبرها دفاعا عن النفس فيما يقف صامتا أمام النووي الإسرائيلي الذي يعتبر غير شرعي فإسرائيل لم تنظم إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ولا تسمح ابدا لوكالة الطاقة الذرية الاقتراب منه وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط تمتلك سلامات نوويا. 

 فهل النووي الإسرائيلي ماء مثلج والنووي الإيراني سم زعاف يهدد العالم كله، ففي الوقت الذي فيه إلى اليوم العالم غير متأكد هل إيران تمتلك سلاحا نوويا ام لا والخلاف معها على مستويات التخصيب فأن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يؤكد أن إسرائيل لديها حوالي 80 سلاحًا نوويًا، بما في ذلك 50 رأسًا مجهزًا للصواريخ و30 قنبلة جوية. 

 في مقال نشره قبل يومين الأمير تركي الفيصل الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية والذي أثار تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بدأ تركي الفيصل مقاله الذي نشرته جريدة «ذا ناشيونال» الإماراتية بالقول: «لو أننا في عالم تسود فيه العدالة والمساواة، لكنا رأينا قنابل «باستر» التي تطلقها القاذفات الأمريكية B2 تمطر مفاعل ديمونا وغيره من المواقع الإسرائيلية، فإسرائيل تملك قنابل نووية، على عكس ما تنص عليه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية». 

 الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون آمنا من ضربات ايرانية وغير إيرانية ويطالب محيطه العربي والإسلامي بالأمن والأمان وهو يغتصب الحق الفلسطيني في إقامة الدولة المستقلة وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ويرتكب مجازر يومية بحق الفلسطينيين. 

 اما النظام الإيراني فهو يدير الصراع مع الكيان وفق أجندة عقائدية وعبر حلفائه مع فصائل مسلحة مطابقة له في رؤياه في إدارة الصراع وقد اثبتت التجربة القريبة ان هذا الشكل من الصراع يثقل كاهل الدول الموجودة فيها تلك الفصائل ويربك اجندتها الأمنية ووحدة اراضيها وقد تسبب في خسائر فادحة لتلك الفصائل ودولها إلى جانب ضعف الأجماع عليها باعتبار أن القرارات المصيرية هي حصرا من وظائف الدول وليست فصائل. كما أكدت التجربة الآن إن تأثير الحرب المباشرة بين دولتين كما هو الحال بين إسرائيل وإيران أشد وقعا على الكيان من حروب بالوكالة نظرا للتفاوت في القدرات العسكرية والتكنولوجية والتعبئة الجماهيرية. 

 وبقدر ما ألحقته اسرائيل بإيران من خسائر في قيادتها العسكرية وبعض من بنيتها التحتية ومفاعلاتها النووية فأن إيران اوجعت الكيان الغاصب وهي تحارب بمفردها بضربات لم يعهدها من قبل حتى من حلفاء إيران وبخسائر تقدر بمليار دولار يوميا على مدار أثني عشر يوما إلى جانب الهلع والخوف والذعر الذي لم يعتاد عليه الكيان وتوقفت كافة مرافق الحياة وتحولت الحياة إلى الملاجئ. 

 هل هناك منتصر في الحرب؟ تجيب على ذلك الجولات القادمة من الصراع والمفاوضات رغم التكهن بذلك ان اي حل خارج إطار استحقاق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة لا يأتي بمنتصر ولا بسلام دائم، وبغض النظر عن الصفقات القادمة لأطراف الصراع فأن النصر والسلام سيبقيان منقوصين بل ومهددين انطلاقا من عدم معالجة أسباب الصراع، وأن إيقاف الحرب لا يعني بالضرورة نهايتها.

عرض مقالات: