بعد أيام ، في التاسع من آيار/ مايو 2025 ستحتفل البشرية التقدمية بالذكرى الثمانين للانتصار العظيم على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.  فهذا اليوم هو رمز لقوة الشعب الذي لا يقهر وقدرته على الصمود أمام المحن ، الحدث العظيم الذي لا يزال يعيش في قلوب ملايين الناس.

وخلال هذه الفترة نشأت عدة اجيال ، وتغيرت الخارطة السياسية لعالمنا ، وانتهى الاتحاد السوفيتي الذي أحرز انتصارا ساحقا وعظيما على النازية وانقذ العالم بأسره من نير ماكنة الموت الهتلرية. وان أحداث تلك الحرب المأساوية نفسها بقيت ذكريات يمضي عليها الدهر من عام لآخر وأصبحت منسية حتى بالنسبة للمشاركين فيها.

لم تكن الحرب مفاجئة بالنسبة الى الاتحاد السوفيتي ، لكنه لم يكن مهيئا للتصدي لها، حيث أن الفترة من الحرب الوطنية وثورة أكتوبر والى بداية الحرب العالمية الثانية 1941 كانت مرحلة ترسيخ أركان الدولة السوفيتية ولم تكن كافية لتعزيز قدراتها العسكرية.

لكن وحدة شعوب الاتحاد السوفيتي ومآثره البطولية وعزيمته الراسخة وقدرته على الصمود قد لعبت الدور الحاسم وساهمت مساهمة فعالة في احراز النصر ودحر المانيا النازية. فكل يوم من ايام الحرب التي خاضها الجيش الأحمر السوفيتي كان مفعما بالمآثر البطولية والشجاعة والتضحية من اجل الوطن. وأصبحت أسماء حصن بريست ودفاع موسكو وستالينغراد وجبهة كورسك الصامدة رموزا لصمود الشعب وتجسيدا للانجاز الذي لا مثيل له للمدافعين عن الوطن.

جنود كانوا يضحون بأنفسهم ويغطون بأجسادهم ثغرات المخابئ، طيارون كانوا يوجهون الطائرات المحترقة نحو طوابير العدو، نساء ممرضات كن يحملن الجرحى من ساحة المعركة تحت دوي المدافع وإطلاق النار، عمال وشغيلة كانوا لا يتركون أماكن عملهم لأيام متواصلة. كل هؤلاء كان يجمعهم الإيمان الذي لا يتزعزع بالنصر. ان مآثرهم لا مثيل لها في تاريخ العالم.

ومن المهم بالنسبة الينا، نحن جيل ما بعد الحرب، أن نحافظ على العلاقة الحية مع اولئك الذين وهبوا لنا هذا النصر العظيم. فالمحاربون القدامى هم آخر الشهود على تلك الحرب الرهيبة وهم حاملو تاريخها الحقيقي الذي لا يمكن قراءته في الكتب المدرسية. ذكرياتهم لا تقدر بثمن ووجودهم بيننا ثمين.

الاتحاد السوفيتي ضحى ب 27 مليون شخص من أجل هذا النصر، ومن أجل تحرير بلدان أوروبا والعالم بأسره. وهذه خسائر جسيمة محزنة . لكن وراء هذه الأرقام مصائر مجهولة وعوائل مدمرة وأحلام لم تتحقق. ستبقى ذكراهم مقدسة. لهذا يبقى يوم النصر هو العيد الأكثر إثارة للمشاعر والذي تتحد فيه فرحة النصر ومرارة الخسائر في موجة واحدة.

إن مسؤوليتنا اليوم أن نعمل سوية كل ما بوسعنا من أجل عدم تكرار هذه المأساة المخيفة. وعلينا ان ننقل لأجيالنا القادمة ذكرى ان الانتصار على النازية والفاشية قد أحرز من قبل جميع شعوب الاتحاد السوفيتي قبل كل شيء ، وفي خضم هذا النضال البطولي وقف ممثلو جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي.

وللأسف نرى اليوم أن العالم المتحضر، بعد أن تخلص من الغزو الهتلري بفضل الجيش الأحمر السوفيتي، بدأ يمهد السبيل لاحياء التوجهات النازية في بعض البلدان الأوروبية، وكذلك في أوكرانيا على وجه الخصوص. فالرئيس الأوكراني زيلينسكي مثلا يريد إعادة كتابة التاريخ وبهذا الصدد وقع أمرا يسمي فيه يوم التاسع من آيار "يوم أوروبا" ويكرس للوحدة التاريخية لجميع الأوروبيين الذين دحروا النازية!!!

تصوروا ماذا كان سيقول لزيلينسكي جده، المحارب في الجيش الأحمر، سيميون ايفانوفيتش زيلينسكي، الذي منح مداليتين للنجمة الحمراء، لو علم أن حفيده قد ألغى الاحتفال بعيد النصر؟ إنه خان أجداده واولئك الذين حاربوا في صفوف الجيش الأحمر وحتى الذين لقوا العذاب المميت في مخيمات التعذيب النازية، والأوكرانيين الذين حاربوا جنبا الى جنب في الجيش الأحمر.

اما رئيسة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي " كايا كالاس" الاستونية المشحونة بعدائها للروس، والتي حرر الجيش الأحمر بلدها، فتحذر بعض رؤساء البلدان الأوروبية من الاحتفال بعيد النصر ومن حضورهم في موسكو للمشاركة في إحياء هذا العيد وتهدد بعدم انتمائهم الى الاتحاد الأوروبي!! في الوقت أن زوجها "آرفو هاليك" رجل أعمال مرتبط بشركة تعمل في روسيا !!.

إن مآثر الجيش الأحمر السوفيتي عظيمة يشهد عليها التاريخ الذي لا يمكن إعادة كتابته. وخير من وصف مآثر الجيش الأحمر هو الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت في 28 تموز 1943 والذي قال بالحرف الواحد : " قدم الشعب الروسي بقيادة المارشال جوزيف ستالين مثالا يحتذى به في حب الوطن والصمود والتضحية بالنفس لم يشهد العالم مثله من قبل. وبعد الحرب سيبقى بلدنا سعيدا دائما بالحفاظ على علاقات حسن الجوار والصداقة الحقيقية مع روسيا التي يساهم شعبها ، منقذا نفسه أولا ، في انقاذ العالم أجمع من التهديد النازي".

                                                                5 / آيار / 2025