ويبدو من سيمياء العنوان إنها خواطر حقيقية وواقعية ليست فنتازية خيالية بل هي خواطر نابعة من أماني مواطن فقد وطنهُ بعد 2003 بمرور عقدين ونيف عجاف وهو يعاني التصحر الروحي في إقحام وعي الشعب وتأريخهُ في سديم النقطة السوداء لتدمير وتغييب نهايته التراجيدية ، وإن واقع السينما العالمية وهويتهُ راسخة في قلوب الجمهور المتابع بشغف خاصة في دول الغرب ذات الديمقراطيات القديمة حيث تصل لدرجة المغالاة في تقديس وعشق الشاشة البيضاء ولتصل إلى التقديس كما قال الفنان الوجودي الفرنسي ( رولان بارت ) : { إن السينما مقدسة ترقى زيارتها كزيارة المعابد } وإن وظيفة السينما تحدد على مستويين ، مستوى كونها عامل ترفيهي وثانيها أداة تأثير في الأذهان فسرعان ما يزول العامل الترفيهي بتقادم الزمن ويبقى العامل النفسي بمحور جمهور سينمائي كما هو الحال اليوم في الجمهور الكروي البرشلوني والريالي .
أسباب الانحطاط:
- فوبيا السلطات الشمولية من واقع السينما الذي يعرض الأحداث السياسية بشكل وثائقي مؤرخن ينقلب إلى مؤثر ديناميكي في الوعي والأدراك بالحالة المزرية فاللجوء إلى التغيير كما أحدثهُ الفيلم الروسي المدرعة بوتيميكين في زعزعة النظام القيصري.
- أن أغلب الروايات الإنسانية تحولت إلى الشاشة البيضاء السينما مع جمهورها المتصاعد يوما بعد يوم.
- تطور السينما العالية في فن التكنيك للسيناريوهات في المزج بين التراث الكلاسيكي والتقنية الرقمية المعصرنة الحداثوية.
- ولآن السينما تقدم نقدا ثقافيا واجتماعيا للواقع العراقي لحقبات تأريخية بعمر قرن من الزمن بكشف التشوهات السوسيولوجية الاجتماعية للمجتمع العراقي وبالأخص (جيل الحرب والحصار الاقتصادي).
- وإن الشاشة البيضاء للسينما تعتبر أرقى أشكال التعبير المرئي في تجسيد ما يجيش في أعماق اللاوعي وتدور هذه الإشارات حول محور الأنسان لأنه أثمن رأسمال.
- ويمكن للسيناريست والكاتب اللجوء للترميزية الإيحائية المرئية في أثارة أسئلة محرجة للسلطات الشمولية حول العدمية السوداوية مما يجعل الشاشة البيضاء تأملية واعدة للأيمان بمفهوم التغيير الشامل.
- وان للمد الديني الراديكالي دورُ كبيرُ في انحطاط دور السينما باعتبارها من المحرمات وللأسف الشديد غدت دور السينما اليوم بعد 2003 هياكل تراثية ربما مخازن تجارية.
وشهد الزمن الجميل في ستينات وسبعينات القرن الماضي فترة ذهبية في رغبة الجمهور الشديدة لصداقة السينما التي هي الركيزة الأساسية في أثارة الوعي ونقل الأحداث اليومية إلى الشارع وهل يغيب القمر في حياة الشباب المتطلع والمتشوق لثلاثة أحداث مهمة هي (مسابقات كرة القدم – والأولمبيات – ومهرجان كان السينمائي)
ولابد من استذكار فترة الستينات والسبعينات الزمن الجميل وهي الفترة الذهبية لأيام الشباب ومعايشتنا تطور الفن السينمائي وارتفاع سقف الطلب عليه مما شجع القطاع الخاص الى بناء صالات دور راقية فيها التكنيك المعماري الحديث من تبريد وشاشات عملاقه وكراسي وثيرة وكامرات حديثة وطاقم أداري وعمالي لخدمة المرتادين لهذه الدور مثل سينما النصر، وسميراميس، وأطلس، والخيام، وسينما روكسي وريكس (في بغداد طبعا).
وأحداث السينما العالمية منذ انطلاقتها تعتبر التأريخ : نوعا فلميا في توضيح دورها الآيديولوجي من جهة في الانتشار الجماهيري للسينما من جهة ثانية لذا نرى الأحداث التأريخية الكبرى أحتلت حيزا في السينما الى جانب اعتبارها فنا وصناعه ، فن ومجتمع ، أبداع فردي وجماعي ، وأن وظيفتها تحدد على مستويين : مستوى كونها عامل ترفيهي وثانيها أداة تأثير في الأذهان أذ سرعان ما يزول العامل الترفيهي بتقادم الزمن ويبقى العامل النفسي الذي يحفر في الذهن أخاديد لا تنسى – كما أن الطاقة لا تفنى فأن الفن أيضا لا يفنى- بل في تجدد مستمر ، وأن العديد من مؤرخي الثقافة العربية المعاصرة يتعاملون مع ذوقيات المثقف العربي خلال ارتياده للسينما ونوعية الأفلام التي يحبذها .
والغريب أن الحداثة تطغى على العالم في كل المجالات التقنية والفنية ، ولكن نجد انحطاط واقع السينما العراقية – بالرغم من أهميته الرقمية في توثيق الأحداث في أرشيف الأمة – حيث أغلقت ابوابها وتبخر روادها ، ربما يكون تداول الفلم عن طريق الأقراص المدمجة ، وعالم اليوتوب الفسيح ، والفضائيات ، وجيل الآيفون المتطور، أو المد الديني الذي يعتبره من المحرمات ، وأشعر بالأسى حين أتذكر الزمن الجميل حين نشاهد فلمين في يوم الإجازة بالإضافة كنا نترقب بشغف برنامج ( السينما والناس) التي تعدها المذيعة المتألقة الراحلة الطيبة الذكر{ اعتقال الطائي}وتعرض في آخر البرنامج فلما عالميا على شاشات التلفزيون العراقي.
وسوف أعرض بعض الأفلام الهادفة والملتزمة إنسانيا والتي تحضرني – شاهدتُ بعضها شخصيا – وأني كنت مولع في ارتياد دور السينما لمشاهدة هذه الدرر من الروايات العالمية الموسومة بأقلام عباقرة كتاب العالم والمعروضة سينمائيا، وأعتذر عن نسيان بعضها (العمر اتعدا ال-------لا يا فلان).
1-ذهب مع الريح: تأليف ماركريت ميتشل 1939 عرض الفيلم على صالة سينما ريكس – شارع الرشيد- سنة 67 ومدة الفيلم 222 دقيقة، تمثيل كلارك كيبل وفيفيان لي وترجمت الى ثلاثين لغة منها اللغة العربية، ولروعة الفيلم وشدة الطلب عليه أعيد عرضه سنة 1971 على صالة سينما روكسي، ويدور أحداث الفيلم حول الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي وتحرير العبيد وانهيار الأقطاع وحب جارف ومندفع بجنون ولكنه ينتهي بنهاية غير سعيدة.
2- الرز المر: من الأفلام الإيطالية الواقعية ومن إخراج المخرج الواقعي (جوسيبي دي سانتس، وتمثيل الحسناء الإيطالية (سلفانا منكانا )1949 وعرض سنة 1961 على صالة سينما ريكس في شارع الرشيد، ويحكي استغلال النساء العاملات في حقول الرز في ايطاليا، وهو يمثل الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية.
3-افلام المخرج الإيطالي الواقعي (فيتوريو دي سيكا) يحكي الواقع الإيطالي البائس حيث الجوع والتشرد الذي هو من نتاج الحرب العالمية الثانية منها: سارق الدراجة وهو فلم مأساوي، وماسح الأحذية، وامرأتان عرض على صالة سينما الخيام سنة1964تمثيل الممثلة المثيرة والجميلة المتألقة (صوفيا لورين) التي حصلت على جائزة الأوسكار في تمثيلها في هذا الفيلم، وإخراج افلام المرح والتأمل برومانسية شفافة رائعة مثل (خبز وحب ومرح) بطولة الحسناء الفرنسية (جينا لولو بريجيدا) وعرض في بغداد في 67.
4-ومن الأفلام السوفياتية: دستوفسكي 1821- 1881 واحد من أكبر الكتاب الروس ومن أفضل الكتاب العالميين كان له أثر بالغ وعميق على أدب القرن العشرين ، ورواياته تحوي فهما عميقا للنفس البشرية ، كما تقدم تحليلا دقيقا ثاقبا للحالة السياسية والاجتماعية الروحية لروسيا في ذلك الوقت ، والعديد من أعماله المعروفة تعد مصدر ألهام للفكر والأدب المعاصر ، وشاهدنا له (الأخوة كارامازوف) بطولة يول برينر سنة 77 على صالة سينما ساميراميس-أذا أسعفتني الذاكرة- وشهدنا له روايته المشهورة ((الجريمة والعقاب )على صالة سينما النصر في السبعينات ، والفلمان عباره عن تشريح فسلجي للنفس البشرية وما يختلج فيها من مشاعر وأحاسيس وعندما تتغلغل داخل أعماقي تثير لدي أحساس غريب وكأنها تتحدث عني بوضوح.
الحرب والسلام: فيلم روائى للكاتب الواقعي (تولستوي) عرض بأسلوب واقعي معاناة الشعب البائس في خضم أهوال الحرب وفضائحه وما تجلبه من دمار ومآسي للشعب ليؤكد للمشاهد الحاجة للسلام ضرورة ملحة لإنقاذ ما تبقى منه.
5-شكسبير:1554 – 1616 شاعر وكاتب مسرحي انكليزي يغوص أغوار النفس البشرية ويحللها في بناء متناسق هو أبرز الشخصيات في الأدب العالمي – أن لم يكن أبرزها على الأطلاق – تاجر البندقية، هاملت، عطيل، مكبث، يوليوس قيصر، جميعها عرضت على مسارح بغداد الجادة ومثل بعضها وترجمت الى العربية وتبقى النسخة الإنكليزية هي الأفضل كأنك أمام هذا الطود الشامخ يحاكيك قلبا ولسانا.
6- آرنست همنكواي: امريكي الجنسية كوبي الإقامة، وضح تجاربه في الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الأهلية الإسبانية – لأنه شارك فيها فعلا- ومن رواياته التي مثلت وشاهدناها بشغف: الشيخ والبحر، لمن تقرع الأجراس، وداعا للسلاح وعلى الشاشة الفضية لصالة سينما الخيام.
7-فكتور هيجو: روائي فرنسي شاهدنا له رائعته الرومانسية (أحدب نوتر دام) بطولة الأسطورة العالمية (انتوني كوين والحسناء المتألقة جينا لولو بريجيدا)، يوضح الظلم وغياب العدل وإنصات لصوت الضعفاء المحرومين.
8-ظهرت في مصر موجة الواقعية في السينما المصرية: مثل فيلم أفواه وأرانب للكاتب الجاد سمير عبد العظيم والمخرج الواقعي هنري بركات خص قضية الفقر وعدم التخطيط الأسري، وفيلم اللص والكلاب للكاتب نجيب محفوظ 1973 يوضح الصراع الطبقي، والصراع (بين الانحراف المجتمعي والناس).
9- الفيلم العراقي " بحيرة الوجع " بطولة جلال كامل وهمسة الماجد والممثلة القديرة سناء عبدالرحمن من أنتاج مشروع بغداد عاصمة الثقافة 2013 ، وقد كان من ضمن مشاريع المخرج والممثل المبدع " جلال كامل " تصوير فيلمه الروائي بحيرة الوجع ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية للعام 2013 ليحكي هموم العراقيين وهو يحاكي الدراما العراقية بعرض أحداث تأريخية مأساوية حدثتْ بين عامي 2006- 2007 من شحن طائفي مقيت وفتنة أيقضها المحتل الأمريكي لعنهُ الله ، ولقد شاهدتُ شخصيا عرض الفيلم على صالة المسرح الوطني في بغداد الحبيبة خريف 2015 ، لقد أثارت لدي مزيجا من الشجون مع بعض من الإحباط عن تهميش هذا الفن ووضع علامة كروس على بواباتهِ .
يتحدث الفيلم: عن التهجير، واستنكار فتاوى الظلالة وموروثات العشائرية البالية، ونشر الحوار والتعايش السلمي المجتمعي وشعار دعم حقوق المرأة، وفهمتُ مغزى الفيلم (الجيل الجديد سوف يتجاوز التخلف لاستيعابه ثقافة المواطنة وقبول الآخر باللجوء إلى الحوار ثم الحوار.
10-المسرح الجاد العراقي : من أبطاله المخرج والكاتب والممثل الراحل قاسم محمد ، والمخرج المبدع ابراهيم جلال ، والمخرجة والكاتبة د - عواطف نعيم ، ورائد الفن الملتزم الراحل الأستاذ( يوسف العاني) ، والكاتب الواقعي الجاد غائب طعمه فرمان الذي ابهجنا بغبطة وتفاؤل ونحن نشاهد النخلة والجيران ، والشريعة ، والكاتب المبدع والواقعي ( عادل كاظم ) ، والممثلات المبدعات فاطمه الربيعي وانعام الربيعي ، والراحلة فخريه عبد الكريم (زينب) وناهده الرماح وزكيه خليفه وطه سالم وشذا سالم و الممثل والكاتب د- سامي عبد الحميد وجعفر السعدي وخليل شوقي وسليم البصري وحمودي الحارثي وبدري حسون فريد و مقداد عبد الرضا وطعمه التميمي ومحسن العزاوي ومحسن العلي ،
وألف تحية وأجلال لهذه الكوكبة العراقية التي لا تخبو ضوءها. الى الأبد.
كاتب وباحث عراقي مغترب
في- سبتمبر 2024