ليس هنالك أوضاع فنتازية، ومشاهد سريالية، وأحكام  قرقوشية، تدعو للسخرية والبكاء معا، كتلك التي  تحدث في عراقنا اليوم. وربما الكاتب (لويس كارول) صاحب رواية (أليس في بلاد العجائب) سيكتب روايات أخرى، ربما أكثر تشويقا منها، وهو يرى كيف أصبحت الأمور، عندنا، تمشي على رأسها، وعلى  حد قول الشاعر عريان سيد خلف، يصبح (المبيوگ يتعذر من الباگه).

وجردة بسيطة، لشكاوى المواطنين عبر الفضائيات ووسائل الاتصالات الأخرى، ترينا هذا الواقع، فمثلا أشترى مواطنون في البياع أراضي، وحصلوا على سندات رسمية من الطابو، تثبت ملكيتهم لها، وبعد البناء ومرور مدة، يجري إبلاغهم من الجهة نفسها، إن هذه السندات مزورة. كيف حدث هذا؟ الجواب، هو أنه لا يوجد جواب شاف، في زمن  العجائب. والحوادث مثلها كثيرة، كقيام  جهات متنفذة  في تجريف أراضي مواطنين وإجبارهم على  الرحيل منها.

وإذا انتقلنا إلى عجائب اللصوصية، فقد جرى -كالعادة- تهريب أحد اللصوص الكبار في سرقة القرن، وكأن هذا المبلغ المسروق من 3-8 مليارات دولار، غير مقطوع من قوت الشعب، وبه نستطيع تقديم المئات من المشاريع لخدمة المواطنين وحمايتهم من العوز والفقر والتشرد. ماذا لو سرق فقير مضطرا، ثمانية دنانير فقط، كيف ستكون العقوبة عليه؟!

وأصبحت السرقة فلكلورا شعبيا، ولا تدعو للخجل، واللصوص يحمون بعضهم البعض. رغم أنه أدى ويؤدي إلى خراب شامل، وينقل البلد عاجلا أم آجلا إلى وضع اللادولة بشكل نهائي، فهؤلاء لا يهمهم أن جف الضرع ويبس الزرع وجلسوا على تلها.. وسبق لرسول أن قال:

 (إنما هلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد...)

 وماذا عن القتلة؟ المشهد يتكرر، إغتيالات لوجوه البارزة، من ناشطين ومفكرين، والقاتل المعلوم، مجهول في نظر القضاء. حتى الذين قتلوا، جهارا نهارا، أيام إنتفاضة تشرين، وشهد قتلهم الملايين عبر الفضائيات، وهم أكثر من ستمائة شاب وشابة، وجرح الآلاف منهم، مازال قاتلهم أو ما يسمى (الطرف الثالث) يصول ويجول، ولا نعرف سوى إنه محمي، وأنه فوق القانون.

 وجرى ترويض الجمهور، كي يعتاد على جرائم أخرى، من رشاوى، وتغييب ناشطين مدنيين، وهدر الأموال، والإعتداءات، والتهريب، وتجارة مخدرات، وفرض الخاوات، والبطالة، وإرتفاع نسب الفقر والأمية، وغياب الخدمات، والتدليس بكافة أنواعه وأشكاله وغيره. وإن خرج عن الطوق، وأحتج، فهنالك من يوجعه ضربا، مما يجعلنا نتذكر أن العدالة عندنا تشبه قطة سوداء في الظلام، لا يمكن رؤيتها أو تلمسها من دون ضياء، إنهاء هذه العتمة، وكل من يقف في تكريسها وتكريس أحكامه القرقوشية. فمن يشعل الشمعة؟ 

عرض مقالات: