يبدو أن الداعين الى تعديل قانون الاحوال الشخصية قد شعروا بانهم متأخرون عن تحقيق غايتهم الاسمى حسب تعبيرهم المتمثلة بانجاز" المشروع الاسلامي" الذي طالما نادى به اغلب زعمائهم. غير انهم غالباً ما تعتريهم حالة التردد مما تمنعهم عن المجاهرة بهذا المشروع، الذي ملخصه بناء " الدولة الدينية " وذلك خشية من ردود فعل الشارع العراقي المدني الاصل، بدءا من تاسيس الدولة العراقية التي انشئت على قواعد النظم المدنية. وكان ذلك قد اعتبر طفرة وردة فعل على كابوس الهيمنة العثمانية الدينية الى حد بعيد. واخذت تلك المرحلة مسارها الاجتماعي نافضة مخلفات الابتلاع الاجنبي اربع مئة سنة بكل مظاهره، بالرغم من حلول القيود السياسية الاستعمارية البريطانية الجديدة التي فرضت على شعببنا.

وقصراً للحديث في هذا الموضوع لابد من الفرز في تناول اهداف محاولة التعديل المزعوم.. كان المعترضون عليه يشيرون بكل وضوح على محاولة اخفاء السم المدسوس في "عسل كلام " الداعين لتعديل القانون . ومنه تزويج القاصرات بعمر تسع سنوات، مما يتيح للبعض اللعب اللامسؤول خارج القضاء وإبعاده عن عملية الزواج، حيث تنعدم فيه ضمانات حقوق الزوجة بعد الطلاق، والامر الذي ينتج لهم اشكالات تضعهم على بساط المساءلة الاجتماعية. لهذا يبتغون ادخاله وتشريعه في قانون ليكون دارجاً ومجاز قانونياً. ويمضي الايغال في تشطير المجتمع الى جماعات بحواجز مذهبية مقننة، لكي يضعف الاقدام على المصاهرة فيما بين الطوائف المختلفة.الذي يخلق تماسكاً اجتماعياً في وحدة الشعب العراقي.حينئذ يمنع اي شرخ اجتماعي  قسرياً ، كما هي محاولة للهروب من الملامة عن مسؤولية اتساع حالات الطلاق التي بالاغلب الاعم بين القاصرات المقصّر بحقوقهن. واضافة الى محاولة ستر الفضائح في تعدد الزوجات المطلق بين كبار المسؤولين، بفضل فيض السحت الحرام من الاموال المنهوبة التي لم تحصل لدى سوى الاثرياء القلة الماسكون بالسلطة واتباعهم. هذا وناهيك عن بذخ اولادهم الذين غدو ينشرون الفديوهات وهم يرقصون فوق اكوام الدولارات في ملاهي بيروت وغيرها.

ويلاحظ من قلة اعذارهم، ففي المجادلة مع اصحاب التعديل " يعطون من الكلام حلاوة ويزوغون كما يزوغ الثعلب" فيدعون ان التعديل المزعوم يعطي صبغة مدنية اكثر من القانون النافذ.!! بكونه يتيح لكل مواطن ان يتزوج وفقاً لشريعة مذهبه. من خلال مدونة لكل مذهب، وهذه هي الاخرى تصب في تعقيد الزواج من مذهب أخر. فحينها يبرز الخلاف اثناء عقد القران . حيث لم يحدد لمن ارجحية الاختيار للمرأة ام للرجل.؟ . وذلك ينطوي على دعوة مفتوحة و تشكل منعطفاً حرجاً لاغتصاب حرية الاختيار وبخاصة من  الطرف الفاقد للقدرة المالية  المجبر على الزواج. بمعنى من المعاني صاحب المال هو الذي يتسيّد والفقير هو الذي يرغم على تغيير اختياره. وفي الحصيلة النهائية يصب هذا التعديل في مجرى مصالح الاغنياء . ويبقى الفقراء وقوداً لنار الاثارات المذهبية  الغريبة عن شعبنا المتأخي طيلة حياته. والتي يراد بها ايضاً قضم الملامح المدنية وترسيخ الدولة الدينية التي لم يقرها الدستور، ولم تناسب شعبنا المتعدد الاديان والطوائف المتصاهرة تاريخياً . . كلام اخير مشروع التعديل ما هو الا نزعة طبقية طائفية بامتياز.      

عرض مقالات: