حينما تشكلت حكومة السيد السوداني أعلن " الإطار التنسيقي " بانها حكومة خدمات وكان ذلك الاعلان يراد به القول بان هذا التشكيل يختلف عن سابقيه من حيث تقسيم الصلاحيات.. فخصص لرئيس الوزراء مهمة ايجاد خدمات بلا تعيين، لغلق افواه الناس وقطع دابر التظاهرات حسب ظنهم. اما اصدار القوانين والمنهج السياسي فهو من حصة (الإطار التنسيقي) حصراً. وقد تم تاكيد خارطة المنهج السياسي هذا، بتصريحات عدة صدرت عن أكثر من عضو "إطاري" فهم من خلالها اعتبار السيد السوداني مجرد مدير تنفيذ لإرادتهم ليس الا.
وبمقابل ما بيته الإطاريون للسيد السوداني من هامش محدود، متعظين بتجربتهم مع غيره من السابقين الذين عندما يستلمون دفة رئاسة الحكومة، سرعان ما يخلصونها من الاذرع المتمسكة بها، وبخاصة حقيبة الصلاحيات والمالية التي يقبض عليها الرئيس عادة على طريقة الآيل للغرق تشبثاً بطوق الانقاذ الذي رمي اليه. مقابل ذلك بيّت السيد السوداني هو الاخر خطا لنفسه واتخذ حيزاً يبني به اساسات من شأنها ان تضمن له البقاء وتنشئ الأثر الذي سينسب اليه وبالتالي ليقول: انه ليس هامشياً.. ولهذا قد تجلت اعماله بالخدمات وكانت والحق يقال مرضية الى حد ما. غير انها لم تكن من اولويات الخدمات التي تتطلع اليها الناس مع انعدام القدرة على الانتظار.
لا شك ان سلسلة الخدمات تبدأ بتوفير رغيف الخبر بيسر، وفرصة العمل المناسبة، وتوفر السكن الآدمي، فضلاً عن ضمان الحقوق والحريات الاخرى المنصوص عليها في الدستور.. لابد ان نلتقط الفرصة في هذا المضمار لنرى اين حطت خطوة السيد السوداني في سكة حكومة الخدمات . ذهب الرئيس يختار مسالك خدمية ليس لها الأولوية في حياة الاغلبية من الناس، ولكنها تخلق له خدمة ذاتية تنطوي على الاشادة به على مر السنين.. ولنؤكد استنتاجنا هذا افتراضاً ولنسأل ابن الشارع ماذا يفضل. هل الحصول على لقمة عيش أسرته اليومية بيسر أم بناء مجسر؟ او الحصول على قطعة ارض سكنية أم مجسر؟ هنا نطلق المستحيل ان يفضل المواطن المجسر على لقمة عيشه وسقف يأويه، وحتى بناء المستشفيات المهم جداً ولكن لن يطلبه قبل ان يطلب مجانية العلاج.. وفي مسار آخر يكاد يكون مكان الحكومة رغم مناشدات الاهالي المظلومين، خالياً ازاء التجاوزات على املاك المواطنين وحتى عقارات الدولة التي تفرهدت على المكشوف. ان المواطنين في حيرة عن ما يجرى من هدم منظم للدولة فمن هو المسؤول ؟!!
والادهى من كل ذلك تتماهى الحكومة الى حد بعيد مع قرارات البرلمان ذات الصبغة الواحدة الغالبة "ليس فيه معارضة "، وما يتم من تجاوز على القوانين، واصدار قوانين ضد الديمقراطية خلافاً لفلسفة الدستور، وهنا يصاب كبد مهمات الحكومة بحماية وتطبيق عدالة القانون، الذي يتعرض للثلم واقحام التخريب للاسس الموضوعية المشاد بها، التي غدت يلوى عنقها وتغيّر على نحو طائفي مقيت، وتفرض تشريعات تمس بالحريات الشخصية والعامة ايضاً. وصمت الحكومة صمت المقابر. وكأنها تريد القول: هذه مساومة عنوانها " شيلني واشيلك " بمعنى ان سكوتها مقابل سكوت المتنفذين عنها.
وعقب ذلك لم يستكن السيد السوداني. فهو يحاول ويحث الخطى في بناء مجد وخدمة ذاتية له، وبخاصة صدى مقبولية انجازاته لدى المواطنين في بناء المجسرات وغيرها التي عجزت الحكومات السابقة عنها. والتي غدت قاب قوسين او أدنى من ان تُداهم من قبل الإطاريين، الذين لا يرتضون بتجاوز السوداني أكثر من موطئ القدم الذي حدد له، لكنهم يتروّن خوفاً من انعطاف الناس نحو رئيس الوزراء مما يجعلهم قلقين محشورين في "خانة اليك" على حد تعبير اخواننا الكرد. والتي في الوصف الشعبي " بين حانة ومانة " مع ذلك تحفز البعض لقطع الطريق على رئيس الوزراء بالدعوة الى انتخابات مبكرة. لنا رجعة في مقال قادم.