اعتاد الناس في هذه الايام وتشنفت آذانهم بالسماع اليومي لكلمة " سعر الصرف " المعني هنا صرف الدولار مقابل العملة العراقية، واخذ يتابعه حتى ابسط الناس الذي لايمتلك ولا يتعامل مع الدولار في يوم من الايام. غير انه قد أمسي امره ملازما لاهتمامات الجميع، لكونه مرتبطا بالحياة اليومية للمواطنين بفعل سطوته على الاسعار التي غدت بفضله تجثم على صدر قدرات العيش للاغلبية المطلقة من ابناء شعبنا. طبعاً ذلك لم يمس بسوء حياة القلة الحاكمة المتسلطة، التي تمضي كل يوم لتغرف من الارباح ما حلا لها عبر فارق الاسعار، من خلال نافذة العملة، فكل ما ارتفع سعر الصرف ارتفع طردياً سعر كلفة المعيشة للناس وتضاعف التضخم الاقتصادي.. في المقابل ارتفاع الغنى عند المتنفذين، وبه تتوطد اركان الفساد.

لصرف الدولار حركته ومنافذه التي غدت عالماً بحاله. تخيف حتى بعض الزبائن الخائضين في حومته. لقد صار البنك المركزي العراقي يبيع مليار دولار اسبوعياً، خلف ذريعة الاستيراد ويقول المتابعون إن ربع هذا المبلغ يتم فيه الاستيراد، والباقي يذهب في غياهب " الجب " جيوب الحرامية مهرباً الى الخزائن الخارجية، التي لا تخضع لاي نوع من الرقابة، بمعني يمكن استثمارها ليس لصالح البلد، انما وباحتمال كبيرضد مصالح الوطن قطعاً.  هذا من جانب غير ان جانبه الاخطر والمرسوم له سلفاً. هو زيادة ثراء طبقة الاغنياء لغاية دوام هيمنتها على السلطة والمال، وفي المقابل زيادة واتساع الفقر، مما يؤدي لا محالة الى اشتداد الفوارق الطبقية، التي تعجّل بحتمية اشتعال نار الصراع الطبقي الصالية.

وما ينفع ان نشير الى غزو المخدرات للعراق على نحوغير مسبوق، والى مافيات السلاح والمتاجرة بالاعضاء البشرية بل وحتى بالبشر (بيع الاطفال والفتيات). بمعنى من المعاني غدت المحرمات من ذوات القيّم الاجتماعية والاخلاقية مواداً تجارية رخيصة متداولة بفعل المال السائب والنهب المنظم، المتمثل بشلال الارباح الواردة عن فرق " سعر الصرف ". والصفقات الحكومية و" الكومشن " حصص المكاتب الاقتصادية داخل الوزارات التابعة للاحزاب الحاكمة ومصادرة الاموال العامة وحتى الخاصة من املاك تابعة للدولة وللمواطنين.

دعونا ونحن زاهقون لنلقي بتساؤلاتنا المأزومة والباحثة عن فعل (دورة رأس المال) حسب ما وردت في الاقتصاد السياسي، والتي يدركها من يمتلكون المال في الوضع الحالي، والتي تصنف بمراحل ثلاث.. وهي 1 ـ المال ـ  2                             ـ البضاعة المصنعة ـ 3 ـ المال زائداً الارباح " فائض القيمة "ـ . فهل يذهب المال لتنمية الانتاج والتصنيع ورفاهية الناس؟ وإذا كان عكس ذلك اي انه يمشي بدورة مالية اخرى، وكما تتجلى في عراق اليوم بمراحلها الملموسة الثلاث ايضاً.. وهي من الدينار العرااقي المنهوب ـ الى  الدولار المباع عبر نافذة العملة ـ الى المال المهرب للخارج ـ دون اي رقيب بل وبمشروعية سعر الصرف الرسمي..

هذا وناهيك عن البيع في السوق الموازي الذي يحقق ارباحاً مليارية طائلة وفقاً لدورة (راس المال المالي).. وتجري من الدينار العراقي المسروق ـ الى الدولار بسعر صرف حكومي " 1.330" دينار عبر النافذة الى " 1500" دينار عراقي في السوق الموازي. وهذه الارباح السم الزؤام تتحول الى قاصفة للاسعارالاستهلاكية التي يدفعها المواطنون . غير ان الحكومة تبارك والبنك المركزي مشارك. والفاسدون يتضخمون. والبركة بما سمي بائتلاف ادارة محاصصة الدولة.

ومن باب البطر السياسي اسمحوا لنا نذكر نوعاً آخر للصرف ويسمى بـ" الصرف الصحي" وهذا يجري تحت الارض والتلاعب به لايبتعد عن صرف الدولار فعندما تفتح نافذة سعرصرف الدولار تغلق منافذ مجاريه. وبدلاً عن ان تسلّك تغلق وترمى فيها ـ حجرة عبعوب الشهيرة ـ  فياخذ الصرف الصحي حريته في الطفح الغاصب، معلناً دون تردد بان الاموال التي خصصت لمعالجة اختناقاته قد اخذها امثال عبعوب. والعافية  بالمحاصصة.

وفي الآونة الاخيرة بدأنا نسمع بكلمة " صرف " تتكرر وتنتقل من حالة الى اخرى. واقربها الى الاذهان تلك التي استخدمت بـ " صرف  " موظفي العقود في وزارة النفط عن العمل. كما جاءت ايضاً على لسان الموظفين الجدد المتظاهرين بقولهم :" نطالب بصرف رواتبنا المتوقفة منذ شهور "

اما الصرف الممنوع عن الصرف وغير المبرر منطقياً في الميزانية العراقية والمتمثل في مخصصات الدوائر غير الانتاجية مثل " الوقوف الدينية " والتي تفوق باضعاف لمخصصات مؤسسات انتاجية مثل الصناعة والزراعة والسياحة والثقافة والتعليم وغيرها.. وهكذا دواليك مع  " الصرف " الذي اتاح للممنوع عن الصرف ان ينصرف !!!

عرض مقالات: