نشهد تصاعد الخلافات إلى حد الاعياء وطلب الاسعاف الذي غالباً ما يكون نقالة التأجيل، ومن ثم تأجيل آخر، حتى الدخول في مناخ اللجوء إلى غرف التخدير، أي اشباع الأفواه الشرهة بصورة فردية خلاصتها عملية شراء الذمم، حتى أن يسود صاحب اليد الاقوى، كل ذلك يدور فيما بين القوى الماسكة بالسلطة. وغالباً ما تتصاعد وتخرج شظاياه المنفلتة عن إطار ما سمي بالتوافق. هذا المسمى الذي جيئ به كعنوان مزوق للمحاصصة البغيضة. إلا أنه خرج عما أريد به أن يكون دائرة للتسوية غير المتوازنة طبعاً.. لكون فعله لا يشكل غير قطع الطريق عن الذين يتصورون واهمين بأنهم سائرون بطريق الديمقراطية والشراكة المنصفة.

إن وفرة أموال البلد غير المحروسة والواقعة بيد دهاقنة الفرهود.. جعلت واقع الحال سخرية للقاصي وللداني، ويحضرنا هنا قول الصحفي المصري حسنين هيكل عندما سئل عن العراق وصفه: بـ "خزينة مال ووقعت بيد لصوص " هذا ما مضوا عليه الذين تسلموا السلطة على طبق من ذهب، بفضل الإدارة الامريكية الغازية، وراحوا يسبّحون" برحمانهم " ويتناولون الوليمة بكل اريحية. ولكن كلاً حسب طيلة ذراعه المسلح..! . ولا نطيل العبث في عقولنا للبحث عن متاريس وخطوط الصد التي تحمي فساد المتنفذين، فسرعان ما يواجهنا الإبداع الفذ في التحايل وتجيير النهب على" حق المكوّن ". وبذلك ترسم وتتوطد خارطة ومساحة الفساد من دون أية خشية، فهي أمست مصانة بأسوار اجتماعية بيافطات مذهبية.

وعندما نتصفح اللوحة العراقية ملياً نشاهد تجليات غاية في الغرابة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، الصراعات الحاصلة في المحافظات ديالى وكركوك والموصل وغيرها حول النفوذ والاستحواذ على المخصصات المالية عبر تعيين مدراء الأقضية والنواحي، ودون ان يكتفوا بمجالس المحافظات. نرى ثمة تعد على حدود " حق الكون " الآخر دون أية مبررات قانونية، بصرف النظر عن ادعائهم بكون هذا الحق بمثابة مبدأ، وبعداد المقدس، بيد أن الأمر يتحول إلى مجرد عنوان منتهك في حالة تم التجاوز عليه من قبل صاحب اليد الاقوى. حتى وان قصم ظهر الديمقراطية التي يدعون أنها سمة نظامهم، وذلك بأداة التوافق المزعوم. الذي غالباً ما يقوم بثلم الاطراف الؤتلفة الاخرى وشطرها والتمترس مع أحد أجزائها، واعتباره هو من يمثل قومه، حتى وان كان الأقل حجماً وتأثيرا. المهم ان يقبل بالتبعية للأكبر صاحب السطوة، وكذلك القبول بالقليل وبفتات المكاسب وعلى حساب الاخرين من ربعه.

ويلزمنا القول إن طعن مبدأ الديمقراطية في صميمه بسلاح التوافق المشين، يعتبر تهشيماً منظماً لكل ما تبقى من المسمى بـ " العملية السياسية " فهل يدركون أن في نهاية المطاف ماذا ستكون عليه طبيعة حكمهم...؟ ومع أنه الآن غدا فاقداً للديمقراطية فستوصله هذه الحالة التي عليها الآن إلى " درب الصد ما رد " إلى فقدان حتى شرعيته النسبية الحالية الحاصل عليها من خلال الانتخابات غير العادلة. وبما أنه لا يحظى باعتراف القوى الشعبية المقاطعة وهي الأغلبية.. وبفقدان الديمقراطية ستحل حتمية الفوضى الضاربة، وبمعاكستها ستنهض القوى الحريصة على مصالح الشعب والوطن المنتهكة الآن، وحينها لا ينفع ولا يشفع التوافق المريب، ولا حتى حق المكون المزعوم. لأنه سيفرض واقع الحال حق الشعب الموحد كونه صاحب الشرعية التي لا يعلو عليه شيء.. وليس حق المكوّن عبر تمزيق وحدة الموطنين العراقيين.      

عرض مقالات: