المفكر العراقي الأستاذ الدكتور سامي زبيدة

     (الإسلام .. الدولة والمجتمع)

 

(الانتماء الطبقي بحد ذاته لا يفسر التضامنات السياسية

أن نشاط الحزب الشيوعي العراقي في التحريض والكسب

والتنظيم النقابي والدعاية العامة هو الذي يجب أن يعطى

له الفضل في تسيس قطاعات من الطبقة العاملة والفقراء

في المدن الكبيرة../160/ سامي زبيدة/ الإسلام.. الدولة والمجتمع)

(*)

(الإسلام الدولة والمجتمع) مِن اصدارات دار المدى في 1995، وترجمة الأستاذ عبد الإله النعيمي، بالنسبة لي قرأتُ  الكتاب في 2015 ودونتُ ملاحظاتي عنه في حواشي الصفحات.  الآن ضمن تنضيدي لمقالاتي البحثية في هذا المجال وهي تربو على أكثر من عشرين بحثا، عدتُ بعد عناء إلى غابة مكتبتي. وقررت تكرار قراءتي لهذا الكتاب الضروري، نكاية بالمسافة الشاسعة بين سنة صدور الكتاب 1995 وهذه السنة 2024 فالكتاب ما زال يحتوي مدياتٍ معرفية ًعميقة ً، رغم المتغيرات الميدانية في المنطقة العربية والشرق أوسطية

(*)

الأستاذ الدكتور المفكر العراقي الكبير سامي زبيدة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة لندن، يشتغل في كتابه (الإسلام الدولة والمجتمع) على ثلاثة محاور، المحور الأساس هو الدين والمحور الرئيس هو الدولة والمحور الثالث هو أوسع المحاور فضاءً وأشدّها تعقيدا هو المجتمع. في مقدمة كتابه وهي من المقدمات الطويلة التي تبعث التشتت حتى عند القارئ النوعي في الصفحة الأولى من كتابه يسدد ضربة ً قوية ً يفند فيها أراء المراقبين والباحثين سواء في الشرق الأوسط، أو في الغرب حين يعلن الأستاذ الدكتور سامي زبيدة الخبر التالي: (أن الصعود المتواصل لما يدعى (التيار الإسلامي) يبدو للكثيرين من المراقبين والباحثين بمثابة توكيد لنظرة تيار الاستشراق الجديد عن (مجتمع الإسلام) وهي نظرة تقول أن الأنماط والذهنيات والأخلاقيات الاجتماعية تنبثق عن جوهر تاريخي ثابت للإسلام وقد أدى ذلك لتعزيز الميل لقراءة التاريخ بصورة رجوعية وأغفال أو نبذ القوى والمؤسسات والممارسات العلمانية أو المعلمة في التاريخ الحديث لبلدان الشرق الأوسط واغفال أو نبذ التجارب المديدة التي هيمنت فيها التيارات والسياسات القومية واليسارية والليبرالية، وأن هذه النظرة تموّه حقيقة أن وراء القول الديني والرموز الدينية، ثمة ممارسات اجتماعية وسياسية تبقى، في الجانب الأكبر منها لا صلة لها بالدين) الباحث سامي زبيدة يفنّد رؤية الاستشراق ويفضح نقصانها ويبين لنا أن المستشرقين يمتلكون نظرة ً أحادية ً  ضيقة ً ولا يرون الجسور المنيرة بين القدامة والحداثة وتشابك الجذور النافعة والجميلة بين المثابتين المعرفيتين. وحين يؤكد المستشرق أرنست جيلنر(أن الاتقاد داخل فكرة الحكم الإلهي يمكن أن تبقى جذوته حتى بعد الاستقلال فتتغذى على الغيرة التي تشعرها الفئات الحضرية الدنيا وهي تتأمل حكامها المتماثلين معها قوميا ودينيا، ولكنهم متغربون بهذا القدر أو ذاك/ 11)  يرد عليه الأستاذ الدكتور سامي زبيدة متسائلا ( هل الفرضيات الجوهرية الاستشراقية التي تنبع منها ضرورية حقا؟) ويدحض ثانية سامي زبيدة كلام المستشرق جيلنر فأسلمة السخط وتأميمه للمسلمين يعاني ضيق الرؤية لدى المستشرقين لأن مشاعر السخط ما تزال موجودة في حالات كثيرة ويكون التعبير عنها في أشكال قومية ويسارية علمانية قبل وخلال وبعد وقت طويل من الاستقلال أن الناصرية والشيوعية والليبرالية، علاوة على تيارات إسلامية شتى هي من الظواهر البارزة في حقول الصراع السياسي في مصر والعراق وإيران وسوريا. وإن هذه التيارات ليست جزءاً من نمط سياسي معين ل(مجتمع المسلمين) بل هي قوى اجتماعية متمايزة تعبر عن تطلعاتها عبر أديولوجيات وصراعات سياسية متنوعة.

(*)

تتوقف قراءتي عند موضوعة تشكل عنوانا فرعيا هاما (مواقف من الثقافة الشعبية) يرى المفكر العراقي سامي زبيدة من أجل صيانة التراث الثقافي القومي يجب أن تكون الصيانة ثلاثية المشاركة: المثقفون. السياسيون.. أجهزة الدولة. ويكون ذلك من خلال تطوير قراءات وتعاريف محددة لما يشكل ثقافة قومية. لكن هذا النسق الثلاثي هل يستطيع أن يتساوق كما يخبر الأستاذ الدكتور سامي زبيدة (مع تحولات الثقافة الشعبية التي تتأثر بأحكام عمليات التطور الاقتصادي الاجتماعي والمكاني/ 192)؟! بالنسبة لأي باحث من أجل اعادة بناء الثقافة الشعبية لابد من تصنيع مصفاة لتقنية الثقافة الشعبية والأمر كالآتي:

  • التقنية القومية: بالنسبة لي كقارئ أرى أن في هذه التقنية عملية شوفينية تطهيرية كما فعل النظام السابق على المستويين الاجتماعي والفني. فالأكراد عصاة وأسماء بعض المقامات العراقية يمنع النطق بها لأنها فارسية : النهاوند والدشت وسيكا.. إلخ والحقيقة أن الشعوب المتجاورة تختلط  فيها الثقافات والعادات وبعض التقاليد خصوصا حين تكون تحت خيمة الدين الإسلامي فالعراق يجاور إيران وتركيا.
  • التقنية الدينية : وهذه التقنية اشتغلت عليها حركات الإصلاح الديني لتخليص الدين من الهرطقة والشعوذة والدجل، في القرن التاسع عشر كما فعل محمد عبده وجمال الدين الافغاني وهناك من يرى (إن الأفغاني في الحقيقة فِكرٌ هرطقيّ فقد أعتبر أن الطريقة الوحيدة لإصلاح الإسلام هي تفخيخه ُ من الداخل/40/ حمادي الرّديسي/ ابتكار الحداثة في الإسلام/ تعريب السيد العلاني/ منشورات الجمل/ ط1/ بغداد/ 2023) وعبد الرحمن الكواكبي ، طاهر الحدّاد، سيد خان، وجمال الدين القاسمي، وكانت حركة تحديثية،  لكن ما يقوله الباحث سامي زبيدة عن الحركة السلفية الثانية لا يمكن القبول به وهذا كلامه بالنص( وانطلقت الوهابية الأسبق عهدا والأكثر تقليدية في الجزيرة العربية نحو أهداف مماثلة يتعلق بالدين الشعبي واندمجت في بعض آثارها وتأثيراتها بالسلفية../ 104) لا يمكن مقارنة الأسلوب السلمي الذي اتبعه محمد عبده، وكل مَن ذكرناهم، في تخليص الدين من الشوائب مع أسلوب السلب والنهب وقتل الشيعة في المدن المقدسة الذي كانت تقوم به الوهابية حين تغزو العراق.
  • وكقارئ أتوقف عند تيار دينيٍ لم يذكره الأستاذ الدكتور سامي زبيدة. وهو القومسلامية أعني الذين حاولوا الجمع بين القومية العربية والإسلام وهؤلاء يشكلون (قادة الوعي النمطي) يخبرنا عنهم المفكر محمد الحدّاد قائلا

( ليست القومسلامية مذهباً دينيا ولا نظرية سياسية، ليست إصلاحا إسلاميا ولا أيديولوجية علمانية، بل ليست القومسلامية فكراً أو موقفا. القومسلامية هي شعور جامح بالرغبة في اختصار الطريق/ 117) ويضيف المفكر محمد الحداد أن خاصية القومسلامية هي الرغبة في اختصار المسافات والنظر إلى المستقبل من منظور الماضي من أجل التوفيق بين مشروع الدولة الإسلامية على نمط الخلافة والدولة العربية على النمط الأوربي.. وكان يمثل القومسلامية المفكر عبد الرحمن الكواكبي، والأديب اللبناني الأصل الأمريكي الجنسية أمين الريحاني ورجل الدين وتلميذ محمد عبده الشيخ محمد رشيد رضا، بالنسبة لي كقارئ أرى أن مفاهيم الشيخ رشيد رضا أقرب ما تكون للشيخ نديم الجسر ليس لأنهما من طرابلس بل لتشابه رؤيتهما في الكثير من الأمور، يمكن الرجوع إلى( ص268- 292/ ألبرت حوراني/ الفكر العربي في عصر النهضة 1798- 1939/ ترجمة كريم عزقول/ منتديات مكتبتنا العربية/ دار النهار للنشر/ بيروت) ويؤكد ألبرت حوارني

أن عقائد محمد عبده قد تعرضت لبعض التحوير على يديّ رشيد رضا. ويرى البرت حوراني (أن النزعة السنية أبرز في تفكير رشيد رضا منها في تفكير محمد عبده/ 277) وقد فسر رشيد رضا المذهب السني تفسيراً مستمدا من الحنبلية المتزمتة التي كانت سائدة في دمشق أكثر منها في مصر. ورأى رشيد رضا أن ابن سعود يكاد أن يكون أفضل من حافظ على المبادئ ودافع عنها بعد الخلفاء الأربعة!! وكان يشير إلى المسيحية بطريقة عدائية على العوم، ويعتقد أن من الممكن لأوروبا أن تعتنق الإسلام لولا الكنيسة ورجال السياسة!! وهكذا نسجَ رشيد رضا، صياغته الخاصة للدين الإسلامي (لينتهي به إلى نوع هجين بين الطائفية والقومية، ساند الوهابيين وأنخرط في الدعاية لهم وحوّل صدامهم مع الطوائف الأخرى، وخاصة الشيعة إلى مجادلات عقدية عنيفة/ 121/ محمد الحداد) وأما  أمين الريحاني فهو لا يقر له قرار  تحمس للحركة الدستورية العثمانية ثم  تحمس للثورة العربية الكبرى ثم تحمس للحركة السعودية – الوهابية!! كأن هذا الرجل في جوف (محماس)

نلاحظ أن كل هؤلاء كانوا يرتكزون على سلطة السلطة في حراكهم الإصلاحي. وحين تقسو السلطة عليهم يتراجعون...

(*)

في الفصل المعنون (الدولة القومية في الشرق الأوسط) يرى المفكر العراقي سامي زبيدة أن (بروز الإسلام في السياسة الشرق أوسطية خلال السنوات الأخيرة أثار صنوفاً شتى من المسائل حول انسجام النماذج (المستوردة) للدولة القومية مع التاريخات والثقافات والمجتمعات القائمة في المنطقة / 201) المفكر العراقي يرى أن أفكار الأمة والدولة القومية تنبع من تاريخات أوربية غربية محددة وخاصة انجلترا وفرنسا !! كقارئ أقول أن المحاكاة  الوحيدة تجسدت في تجربة كمال أتاتورك. لكن التجربة المصرية

بقيادة جمال عبد الناصر، على كل سيئات الحكم الناصري كانت ردود فعله ثورية ضد الاستعمار العالمي وحين رفع عبد الناصر شعار القومية العربية في الوقت نفسه أقام تحالفات مع المعسكر الاشتراكي، وفي الوقت نفسه أيضا كان يقمع الشيوعيين المصريين وكافة اليسار المصري والتنظيمات الإسلامية .. وحين نسأل لماذا فشلت تجربة الدولة القومية في مصر؟ سنقف أولا حسناتها فهي حررت الدولة والمجتمع من النخب والخطاب التقليدي الرث وأثلت نخبة دولة وطبقة دولة ونخبة عسكرية هيمنت على كل شيء وسيطرت على منافذ الاقتصاد والثقافة والمجتمع كما أنها ألغت المنافس الأكبر لها وهو البرجوازية المالية والصناعية.. وسيكون المشهد الإعلامي أن مصر في طريقها للعدالة الاجتماعية من خلال تطبيق الاشتراكية !! ويتجسد ذلك أكثر من خلال التنظيم الجماهيري الأوحد وهو(الاتحاد الاشتراكي العربي)  والحال في مصر محض (لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا) كماء جاء في كتاب المفكر المصري علي مبروك وكما قال قبله بعقدين من السنوات، الدكتور حسين مؤنس في كتابه (باشوات وسوبر باشوات)

(*)

 تاريخيا أن شكل الحكم الإسلامي يتميز عن نظيره الغربي بالحقيقة التالية  أن الجماعة الدينية والسياسية كانت تاريخيا، تتطابق مع الأمة بخلاف الفصل الغربي بين الكنيسة والدولة. ومنطق هذا القول هو أن الأصول التاريخية تفسر كل التطور اللاحق فتصبح جوهراً يكمن في أساس كل التاريخ اللاحق ويحده، وحين نسأل أين يكمن التعارض بين النوع المثالي للدولة الغربية الحديثة ونوع الدولة الشرق أوسطية..؟ يجبنا الأستاذ الدكتور سامي زبيدة جوابين الجواب الأول يختص بتاريخية الدولة الغربية حيث يؤكد ماركس أن الدولة هي نتاج عمليات تطور المجتمع الغربي عبر مراحل التاريخ وهذا تكون الدولة نموا عضويا نابعا من عمليات تطور المجتمع والاقتصاد. وهنا (نقطة التعارض بين النوع المثالي للدولة الغربية الحديثة ونوع الدولة الثانية وهي ليست نموا أنبثق عن المجتمع ذاته بل دولة فرضتها عليه من الخارج قوى الاستعمار أو عمليات ومنعطفات دولية أخرى/ 207)..بعد الانتصار على العثمانيين، في الحرب العالمية الأولى، الاستعمار البريطاني نصّب الشريف فيصل ابن حسين الهاشمي(1883- 1933) ملكا على العراق!! فيصل لم يكن عراقياً؟ وفي سبعينات القرن العشرين ،الاتحاد السوفيتي نصّب بابراك كارمال (1929- 1996) حاكما على افغانستان وهو من عائلة طاجيكية من البشتون في كشمير وكان أيضا رئيس الحزب الديمقراطي الشعبي في أفغانستان استلم الحكم من 1979 إلى 1996 وتوفي في موسكو 1996 وفي الغالب هكذا يكون مصير هذه الدول المصنّعة استعماريا.

(*)

  يخبرنا المفكر سامي زبيدة أن (الدولة الطرفية / ص228) تستمد قواها ومواردها من خارج وحدتها الاجتماعية، وتؤثر في المجتمع باتجاه واحد وهو محاولة الغاء أو ازاحة المنافسين على السلطة وفي ظروف تعميق التطور الاقتصادي تشدد الزمرة الحاكمة قمعها وتطفلها ورقابتها للحفاظ على سلطتها. بخصوص الكلام التالي (تستمد قواها ومواردها من خارج وحدتها الاجتماعية) أرى ان بعض الدولة الطرفية العربية لا تستمد مواردها من الخارج بل من ثرواتها الوطنية. فهي تحتكر مواردها من أجل أن تكون  هي الأقوى وتستعين على الشعب  بفئات واسعة من الشعب نفسه. فئات منها تتشكل أجهزة الحكومة القامعة وشبكات الإعلام والصحافة أزلام الثقافة الرسمية.

(*)

في ص258 يتوقف الباحث عند مفهوم ( الدولة البرانية)  الذي يتجاور مع المفهوم السابق (الدولة الطرفية) فالدولة البرانية تنطلق من برانيتها عن المجتمع فهي تنطلق من منصة الاستمرارية التاريخية للدولة الوراثية

أو من منطلق تبعية الدولة الطرفية للنظام العالمي الذي يديمها كوكيل ووسيط في العلاقة مع التشكيلات الاجتماعية التي تحكمها، لكن الدولة البرانية: تعني شيئا آخر مختلفا تماما إزاء الدول التاريخية لما يسمى الأنواع الآسيوية أو المتشظية عما يمكن أن تعنيه إزاء الدول الحديثة في الشرق الأوسط أو غيره، فالدول التاريخية يقال عنها دول برانية : بمعنى كونها خارج العلاقات الاجتماعية ومؤسساتها التشكيلية الاجتماعية، ليس لديها

المصلحة أو الموارد لاختراق المجتمع أبعد من أكثر المستويات سطحية

في مناطق متاحة لمراكز السلطة، ولا يمكن قول ذلك عن الدول الحديثة

التي بعضها على درجة عالية من التطفل والتوجيه في العديد من مناحي الحياة الاجتماعية وحتى الحياة المنزلية، إذ يقال عنها(برانية) بمعنى أنها

تستمد قواها ومواردها إلى حد بعيد من مصادر خارج التشكيلات الاساسية التي تحكمها.  هذا النمط من الدول، تتشكل منه الدول الريعية التي تستمد حياتها من عوائد النفط. ثم يلخص القول الباحث سامي زبيدة قائلا :الدولة البرانية: دولة معيلة توزع الثروة البترولية لا وفق عقلانية اقتصادية أو أخلاقية تتعلق بالاستثمار أو العوز وإنما حسب عقلانية سياسية في الغالب تتعلق بكسب اتباع وأنصار مخلصين والحفاظ عليهم

 (*)

يتوقف سامي زبيدة عند طروحات المستشرق بيرتران بادي الذي يسوق حجة مستفيضة لصالح التمايز التاريخي والفكري والتعارض بين الدولتين

الدولة الغربية والدولة الإسلامية ويقول بادي (بقدر ما كانت هذه الحكومات تحمي دار السلام وتسهّل العبادة كانت طاعتها وإسنادها مطلوبين لتفادي الفوضى وانقسام الأمة، لقد كان حكمها (حكم الضرورة) وما كان من الممكن توقع أو تطبيق شروط الحكم المثالي، وقد أعفت هذه الازدواجية في المعايير(حكومة الضرورة) من الحكم عليها من منطلق الاعتبارات المنهجية للشرعية والعدالة../ 216) ما بين القوسين يفندهُ التاريخ الإسلامي بتوقيت رحيل الرسول محمد(ص) والصراعات حول الخليفة الأول ثم مقتل الخليفة الثاني ثم الفتنة الأولى في الإسلام وتهجير أبا ذر الغفاري إلى دمشق ومقتل الخليفة الثالث ثم مقتل الخليفة الرابع. ثم الفتنة الكبرى الثانية انتقال وهي الخلافة إلى دمشق وصناعة الملك الأموي للسلطة وثورة كربلاء ورفض بعض الخاصة وأغلب المسلمين مبايعة يزيد بن معاوية وتتوالى الثورات  ثورة المختار الثقفي. ثورة محمد النفس الزكية، ضد الحكم الأموي ثورة عبد الرحمن بن الأشعث وهي ثورة جماعية  شاركت فيها  مثقفو ذلك العصر ضد الطغيان الأموي.  والحركة التصحيحية القصيرة في زمن الخليفة عمر بن العزيز وتتواصل الثورات في زمن الخلافة العباسية.. هذه بعض الأسانيد التي تنفي خضوع المسلمين للحاكم الجائر وتفند أطروحات المستشرق باري.

(*)

المفكر العراقي سامي زبيدة  يحاجج بضراوة معرفية حريصة حول ضرورة فك الاشتباك بين الخصوصية التاريخية والجوهرية الثقافية مؤكدا أن التاريخات الخصوصية يمكن أن تُكتب جزئيا على الأقل، بالارتباط مع عمليات اقتصادية اجتماعية عامة، ولكن بعض المحاججات التي تساق إلى جانب الخصوصية تٌخضع أو تتجاهل هذه العمليات العامة لصالح خصوصيات ثقافية أساسية توّجه وتحدد امكانات التطور، وهذه (جوهرية) ثقافية ضمنا. ومن الناحية التحليلية فأن الخصوصية التاريخية تختلف عن الجوهرية الثقافية وإن يحاجج المرء لصالح الخصوصية التاريخية يعني أن يبين كيف أدت سلسلة من المنعطفات التاريخية لكل منها أنماطه الخاصة من العمليات السياسية الاجتماعية إلى اصطفاف متميز لكل تشكيلة اجتماعية معطاة. وتساق الحجة لصالح الخصوصية الثقافية بالارتباط مع عناصر ثقافية متأصلة ونشيطة باستمرار تخدم تطورات سياسية اجتماعية معينة وتعيق أخرى. ويعطينا المفكر سامي زبيدة أمثلة على ذلك منها : القانون الروماني الذي أبقت عليه الكنيسة الرومانية، فاصلاً الشخص عن المنصب. والإقطاع بما يقدمه من تعدد السلطات والصلاحيات، منصوصا عليها بقانون ثم مندمجة بالدولة المركزية التي تصبح(دولة قانون).. إلخ من الأمثلة

(*)

لقد كان التوفيق إلى جانب الأستاذ الدكتور سامي زبيدة وهو يحلل الأحوال من منطلق سوسيولوجيا  سياسية عامة وكان الجدال فيها يدور حول الدفاع عن هذا الشكل من التحليل ضد الجوهرية الثقافية التاريخية وقد حاجج سامي زبيدة بأن هذه المقاربة لا تنتقص من الخصوصية الثقافية – التاريخية، فأن العمليات الاقتصادية- الاجتماعية تحدث في سياقات معطاة تاريخيا وثقافيا

ولكن المعطيات التاريخية توجد أو يعاد انتاجها في ظروف اقتصادية اجتماعية معينة بالضرورة استمرارها..

عرض مقالات: