النمو الاقتصادي هو المفهوم الكمي المعبّر عن نسبة الزيادة السنوية المسجلة في قيمة الناتج الداخلي الخام لأي اقتصاد كان، أما التنمية فهي تُمثِّل التحسن الملحوظ والمسجل في المؤشرات النوعية أو الكيفية على غرار الجوانب البشرية والثقافية وحتى البيئية. والتطورات التي شهدها العالم في النصف الأخير من القرن الماضي، وخصوصا عند التعرض للأزمات المالية والاقتصادية العالمية وتفاقم بعض المشكلات الاقتصادية على مثل التضخم والبطالة وتزايد حجم المديونية الخارجية وخدمة الدين العام والعجز في موازنات الدول واختلال ميزان المدفوعات لمختلف الدول وحدوث الكساد في الاقتصاد العالمي مثلاً. كل تلك الاختلالات أثّـرَت على المتغيرات والمؤشرات الاقتصادية الكلية وأدّت إلى اختلاف الأفكار و تباين السياسات النقدية، هذا ما نتج عنه بزوغ مظهر جديد للسياسة النقدية، وقد كان لهذا المظهر أثر كبير على إبراز تزايد أهمية السياسة النقدية وكذلك قدرة السلطات النقدية للتأثير على معدل النمو المطلوب، ولا سيما أن الدولة لها من قوة نقدية وسلطة قانونية تُمكِّنها من إصدار العديد من التشريعات والقرارات التي من شأنها تحديد المظاهر النقدية للاقتصاد الوطني، سواءُ تعلق الأمر بكمية وسائل النقد المتاحة أو حجم الائتمان الممنوح للوحدات الاقتصادية أو سعر الفائدة السائد على مستوى السوق النقدية.
والسياسة النقدية هي الإجراءات اللازمة التي تمكِّن السلطات النقدية من ضبط عرض النقود أو التوسّع النقدي ليتماشى وحاجة الاقتصاديين المتعاملين. وهي هدف البنك المركزي في ممارسته للرقابة على النقود، على معدلات الفائدة وعلى شروط القروض. ويُقصد بالسياسة النقدية، مجموعة الإجراءات التي تتخذها السلطات النقدية (الحكومة متمثلة فى البنك المركزي والبنوك التجارية ومؤسسات الائتمان والبنوك المتخصصة، ووزارة المالية) بهدف رقابة الائتمان والتأثير فيه سواءً فيما يتعلق بالقدر المتاح منه أو بتكلفته بالنسبة لمن يطلبه أو بالشروط التى يُمنح بها، والتأثير فى حجم عرض النقود بصفة عامة، وسعر صرف النقود المحلية بالعملات الأجنبية، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي. و لتحقيق التنمية ليست بالضرورة المستوى الذي يرتفع إليه معدل الادخار والاستثمار، وإنما المهم هو وجود الإمكانية اللازمة لدفع هذا المعدل نحو الزيادة والارتفاع بصفة مستمرة، وهذا الارتفاع المستمر في معدل الاستثمار لا يتوقف على المستوى الذي يرتفع إليه معدل الاستثمار، لأن ارتفاع معدل إستثمار دون توافر مقومات التنمية الأخرى قد لا يدفع الاقتصاد الوطني نحو التقدم، لهذا فإن الارتفاع المستمر في معدل الاستثمار يتوقف على نمط وكيفية استخدام هذا الحجم من الاستثمار، لهذا تعمل السياسة النقدية على تعبئة وتنمية أكبر قدر ممكن من الموارد ووضعها في خدمة عملية التنمية الاقتصادية مع توفير الشروط الملائمة والمناسبة وتقديم التسهيلات المطلوبة لقيام الاستثمارات وتوجيهها نحو القطاعات التي تخدم الاقتصاد الوطني.وينبغي أن نعي أنَّ أهداف السياسة الداخلية وأهداف السياسة الخارجية أهداف متضادَّة، وتغليب أيَّهما على الآخرى يُحدد وجهة سياسة الدولة العامة. مُتابع السياسة النقدية للدولة أن يستوعب ويتعرف على أهداف السياسة الإقتصادية العامة للدولة كي يستطيع أن يجعل من السياسة النقدية ذات فاعلية في تحقيق الأهداف، وذلك من خلال إختياره للأدوات المناسبة لكل مرحلة من مراحل تحقيق الأهداف كما ان على المصرف المركزي بصفته السلطة النقدية أن يستوعب طبيعة الظروف الإقتصادية المحيطة والعلاقات الاقتصادية للدولة، وطبيعة السياسات المالية خاصة وذلك إنطلاقاً من أهمية السياسة المالية وضرورة إنسجامها مع السياسة النقدية والإئتمانية في الدولة. وحتى نستطيع تحديد طبيعة السياسة النقدية في الدولة والدور الذي تلعبه في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية العامة، لابد من تحديد معالم البيئة الإقتصادية التـي تعمل فيها السياسة النقدية. ومحدودية القاعدة الإنتاجية بسبب ضعف عناصر الإنتاج بالرغم من محاولة الدولة تنويع التركيبة الإقتصادية. ومحدودية السوق المالية وعدم تطورها بالشكل الذي يتيح للسياسة النقدية أن تلعب دورها بشكل جيد، حيث يوجد ادخار دون وجود منافذ إستثمارية لرؤوس الأموال المدخرة فضلاً عن عدم وجود أوراق مالية سواءً كانت حكومية أو غير حكومية ذات أجل قصير أو متوسط. والمحددات المصرفية والنقدية في تطوير آلية السوق النقدية في ضوء المعطيات الإقتصادية قامت السلطة النقدية. وتسعى السلطة النقدية إلى السيطرة على الأدوات النقدية، بهدف تنفيذ سياستها النقدية المناسبة ومن ثم الوصول إلى الأهداف المحددة، حيث من خلال تقوية موقف السياسة النقدية يقوى مركز السلطة النقدية ويتم اتخاذ القرارات المناسبة بمعزل عن أي سلطة أخرى، من هنا يكون هدف تقوية البنك المركزي وتحقيق استقلالية سلطة نقدية هو أحد أهم الأهداف لدى السلطة النقدية والتي تسعى لتحقيقها.كما تسعى السياسة النقدية إلى تحقيق هدف تطوير المؤسسات المالية والمصرفية، ويقصد بالمؤسسات المالية والمصرفية هي مؤسسات تتعامل بأدوات الائتمان المختلفة (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل)، في كل من سوقي النقد والمال، وأنها تؤدي مهمة الوساطة بين المُقترضين والمُقرضِين بهدف تحقيق الربح.
وبزيادة وتيرة العولمة، التي زادت فيها التجارة الدولية وحركة رؤوس الأموال بأسرع من زيادة الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم. إن جوهر النظرية المعاصرة لكمية النقود يتمثل في كونها نظرية للطلب على النقود حيث تهتم بالعلاقة بين التغير في كمية النقود وبين التغير في مستوى الأسعار، وذلك من خلال ما يطرأ على الطلب للنقود من تغيرات.أمّا الاحتياطى النقدى من العملات الصعبة فله أهمية كبيرة تكمن فى كونه غطاءَ للعملة المحلية عند الجمهور، وفى كونه رصيدَ الدولة للوفاء بإلتزاماتها تجاه المغتربين والمستثمرين الأجانب وديون العالم الخارجى وبعثات الدولة الدبلوماسية وكل طالبي العملات الأجنبية للأغراض المشروعة من تعليم وطبابة بالخارج وغيرها، وفى كونه رصيدَها لشراء السلع والخدمات التى يحتاجها المواطنون والدولة لأطول فترة زمنية ممكنة. يُعَد هدف تحقيق معدلات موجبة للنمو الاقتصادي ضمن الأولويات التي تسعى لها حكومات الدول على اختلافها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدول النامية والمتخلفة التي تسعى دوما إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والخروج من دائرة التخلف ومحاربة الفقر وما يصاحبه من معضلات اقتصادية واجتماعية.
للسياسة النقدية دور في نقل أثرها من الجانب النقدي إلى الجانب الحقيقي من خلال تحفيز وزيادة معدلات النمو الاقتصادي في حالة ما تم إتباع سياسة نقدية توسعية والعكس صحيح في حالة تطبيق السياسة التقييدية (الانكماشية). هذه تُعتبر إشكالية بالنسبة للسلطات النقدية التي تحاول دوما تقليص مستوى الفارق بين نمو كمية النقود المصدرة وحجم التغير في الناتج الداخلي الخام الحقيقي وهو ما يعني تقليص حجم الفجوة التضخمية التي قد تنشأ نتيجة التسرب النقدي لتلك الكمية المصدرة من النقود إلى خارج الجهاز المصرفي الرسمي، بالإضافة إلى استغلال تلك النقود في مشاريع ليس لها مقابل حقيقي (لا تساهم في زيادة الإنتاج الوطني).
من المهام والمسؤوليات اللازمة لتحقيق أهداف السياسة النقدية، تنظيم السياسة النقدية بهدف دعم النقد والمحافظة على استقراره في الداخل والخارج، وصولاً الى اسهام فاعل في تحقيق النمو الاقتصادي المطَّرد. والعمل على ضبط وتوجيه سياسة الائتمان وتأكيد توفير الائتمان المحلي بالكمية والنوعية التي تسهم بدورها في دفع عجلة التنمية. والاسهام من خلال السياستين النقدية والائتمانية في خلق الأجواء المناسبة لتنفيذ وتنمية عوامل الإدخار والإستثمار القومي. الاسهام في معالجة أوضاع موازين المدفوعات عن طريق السياسات النقدية والمالية، وادارة احتياجات البلاد من الذهب والعملات الأجنبية، وتنظيم المهنة المصرفية وممارسة دور مصرف الحكومة ومصرف المصارف (المُقرض الأخير). أدوات السياسة النقدية، ولكي تقوم السلطة النقدية بتنفيذ أهداف السياسة النقدية بالشكل الامثل لابد وان تختار الأدوات النقدية المناسبة. وتختلف أدوات السياسة النقدية عند السلطة النقدية من دولة الى أخرى وذلك وفقا لطبيعة وظروف الأوضاع الاقتصادية لهذه الدولة عن تلك، كما تختلف أولويات تطبيق تلك الادوات من مرحلة الى أخرى طبقاً لطبيعة ولأهداف السياسة الاقتصادية العامة والتي تأتي أهداف السياسة النقدية جزءاً منها. وبالرغـم من الاخـتلاف في هـذه الأدوات والوسائل ألاّ أن هناك أدوات نقديـة تستعملها السلطـة النقديـة في الـدول المتقدمـة والتي لا تخرج عن، سعر الفائدة بأشكالها المختلفة. أدوات السوق المفتوحة، وأدوات الدين العام والأوراق المالية والخصم. سعر الصرف، ممارسة الاصدار النقدي، الرقابـة على المصارف وأدوات ضـبط الائتمـان (النسـب المختلـفة للاحتياطيات). المهام الحكومية الأخرى كمستشار مالي للحكومة ومراقبة الأسواق المالية. ولا بد من الاشارة الى ان السلطة النقدية حينما تقوم بتنفيذ السياسة النقدية في الدولة فانما تحدد أولويات أهداف السياسة النقدية، وبالتالي اتخاذ المناسب من الأدوات النقدية والتي من شأنها تحقيق تلك الأهداف وذلك انطلاقاً من معرفة السلطة النقدية بالسياسة الاقتصادية العامة للدولة والتنسيق مع السياسة المالية باعتبارها الجانب الآخر والتي يصعب على السلطة النقدية تنفيذ أهدافها دون انسجام السياسة النقدية مع السياسة المالية أو في حالة تعارض بين السياستين. وبالرغم من أهمية تحقيق أهداف السياسة النقدية. وهنا يأتى دور السياسة النقدية لتعمل على بسط الائتمان من خلال تخفيض سعر الفائدة على القروض الموجهة للاستثمار فى كل مجالات إنتاج السلع والخدمات . إن هذا الانخفاض فى سعر الفائدة لن يُشَجِّع على زيادة ودائع الإدخار والودائع لأجَل فقط، ولكنه سيدعم الإنفاق الكلي عن طريق مد السوق بقوة شرائية جديدة تعمل على إنعاش الاقتصاد القومي والتخفيف من حدّة الركود أو الكساد . وكذلك يمكن للبنك المركزي – ومن خلال سياسة السوق المفتوحة – أن يقوم بشراء السندات الحكومية وغيرها من الأوراق المالية، وسيؤدى ذلك إلى زيادة قدرة البنوك التجارية (البائعة لهذه السندات والأوراق المالية) على منح الائتمان وبالتالي زيادة حجم القوة الشرائية في الاقتصاد القومي مما يساهم فى الحد من الكساد وزيادة الإنفاق الكلي. كما يمكن أيضا للبنك المركزي أن يساهم فى تحقيق هذا الهدف من خلال إقراره لتخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الذي تحتفظ به البنوك التجارية، وسيُمكِّن هذه البنوك من زيادة ما تمنحه من إئتمان أو تخلقه من ودائع.