تختلف عملية التحول الديمقراطي من دولة لأخرى، ولا يمنع ذلك من المقارنة بين الدول على اساس عناصرها المشتركة، ولا توجد طريقة واحدة للإنتقال إلى الديمقراطية، وغالباً ما يؤثر أسلوب الإنتقال على نوعية النظام الديمقراطي الوليد وحدود قدرته على الإستمرار. يحدث التحول الديمقراطي على أرضية اتفاق أو تعاقد يتم التوصل إليه عبر المفاوضات والمساومات بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة، وغالباً ما يأتي ذلك كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين، فالنخبة الحاكمة تصل إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار في السياسات المغلقة والممارسات القمعية بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، وأن كلفة الانفتاح السياسي والانتقال إلى صيغة ما لنظام ديمقراطي ضمن اتفاق مع المعارضة يضمن بعض مصالحها – أي مصالح النخبة الحاكمة – هي أقل من كلفة الاستمرار في السياسات غير الديمقراطية. فهناك قيمًا للديمقراطية، تنَّبَهِ لها المهتمون بعلم السياسة ، وتوصلوا إلى أن العامل الرئيسي لهذا الوضع، هو غياب الثقافة السياسية، حيث أنه لا يمكن فرض نظام ديمقراطي، في بيئة تغيب ولا تسود فيها الثقافة السياسية، حيث يصبح من اليسير الانقلاب على هذا النظام دون مقاومة. وانطلاقًا من هذه النتيجة، زاد الاهتمام بالثقافة السياسية، أو القيم السياسة، والمتمثلة في (التعددية، الحرية، والعدل)، والتي تُمثِّل منظومة متكاملة ومرتبطة ببعضها البعض. ويجب وأن يتمتع الدستور بعنصر الفعالية، أي إعماله وتطبيقه في أرض الواقع، واحتوائه على ضمانات تمنع الخروج عن مواده وجوهره، ويمكن ذلك بوضع مواد فوق دستورية تمنع الانقلاب على الدستور ومن ذلك المادة 79 من الدستور الألماني، التي تمنع تغيير المادة الأولى المتصلة بحقوق الإنسان، والمادة 20 المتعلقة بالمبادئ العامة للدولة الألمانية. ويُعَد مبدأ حكم القانون أحد أهم الضمانات للعلاقات الدولية، ومثال ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بتحديد مبدأ (دولة القانون) كأحد المعايير الأساسية للتعامل مع الدول النامية في نوفمبر 1991. تتمثل أهم مقومات نجاح عملية الإنتقال الديمقراطي, الحفاظ وترسيخ الوحدة الوطنية دون حدوث صراعات داخلية، التوافق بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين على صيغة النظام السياسي المستهدف، مراحل الإنتقال، والترتيبات المؤسسية والإجرائية الملائمة لخصوصيات الدولة، إصلاح أجهزة الدولة لتعزيز قدرتها على القيام بوظائفها فيما يتعلق بإحتكار حق الإستخدام المشروع للقوة، تقديم السلع والخدمات العامة للمواطنين، تحقيق العدالة الإنتقالية، تدعيم دور المجتمع المدني، تعزيز الطلب المجتمعي على الديمقراطية ونشر ثقافتها في المجتمع، وإعادة صياغة العلاقات المدنية-العسكرية، على أن يتم ذلك بشكل تدريجي ومن خلال التفاوض.
ان مسعى التحول الديمقراطي في العراق هو هدف ليس من المستحيل تحقيقه، ولكن ليس في المستقبل القريب المنظور، لأن الديمقراطية تتطلب وقت وممارسة، وتوعية ونضج على كافة الأصعدة. ضعف ثقافة المجتمع المدني في العراق، حيث تفتقر معظم المنظمات المدنية الى الخبرة وحسن الإدارة وحتى النزاهة، ناهيك عن غياب الأطر القانونية السليمة التي تنظم نشاطها، وبالتالي فقدان دورها في مسيرة التحول الديمقراطي.على الرغم من فكرة التقادم بالممارسات الديمقراطية وبأنها الوحيدة القادرة على تصحيح مسار بناء النظام السياسي، إلاّ أن تحدي فشل الديمقراطية بات يُهدد التجربة العراقية، فعدم وجود قيادات حقيقية تؤمن بالنظام الديمقراطي وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية جعلت المواطن العراقي يتساءل عن جدوى الانتخابات والنظام الديمقراطي، إذ يمكن القول بوجود حالة من الجزع والتفكير بعدم جدوى الديمقراطية باتت تظهر بصورة واضحة في الرأي العام العراقي، فالعراقيون اتجهوا نحو صناديق الاقتراع مرات عدّة منذ 2003، إلاّ أن مشكلة الانتخابات أنها لا تزال غير قادرة على إنتاج نظام ديمقراطي حقيقي. وهنالك شعور عام يفيد بأنها (أي الانتخابات) لن تنتج تغييرًا يمس حياة المواطن العراقي. أن تحويل اقتصاد البلد إلى نظام ريعي، يجعل يد القوى تتطاول على إبقاء العراق في الفوضى دون الاستقرار ولا ديمقراطية حقيقية من أجل استنزاف النفط من جهة، وكذلك عدم بروز طبقة برجوازية تدفع إلى سياسة جديدة بحكم وضعها الاجتماعي .
أن "الشعور بالهوية الاجتماعية، وضرورة تفعيل دور المثقف، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز قيم الإنسانية والمواطنية، دون الانخراط في العمل الثوري أو الاصلاح بنحو مباشر، هو بالصميم من السياق النظري، الذي يعرفنا على النموذج في اولياته وآلياته، يتيح لبيئة لفكر مرجعي مستقل ليس ذا دلالة ايديولوجية انتقائية . وقيمة العدل تشير إلى تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم مع ضمان تكافؤ الفرص، بحيث تكون الجدارة هي معيار التمييز بين الأفراد ,وهو ما دفع الديمقراطية عبر التاريخ إلى ان تكون موضع ريبة وشك من قبل النخب، خوفًا على الامتيازات التي يمتعون بها. وترتبط قيمة العدل بمبدأ المواطنة بأبعاده المختلفة، حيث أن النظم الديمقراطية تجعل من مبدأ المواطنة اساسًا لنظام الحكم، والمواطنة تشير إلى الانتماء إلى وطن يتمتع فيه المواطن بوضع قانوني وسياسي معين، مع توفير الاحتياجات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الأساسية للمواطن، مع الإقرار بمبدأ المساواة السياسية، في المشاركة في المجتمع، وكذلك فإن مبدأ المواطنة له مستويان رئيسيان، المستوى الأول وهو الجانب الإدراكي والذي يرتبط بالتعليم ومؤسسات التنشئة والدافعية والحوافز على المشاركة، أما المستوى الثاني فهو مرتبط بمضامين المواطنة القانونية ( كالمساواة أمام القانون واستقلال القضاء)، السياسية (كالمشاركة في صنع القرارات، وشفافية العملية السياسية)، والاقتصادية ( مثل الحصول على الاحتياجات الرئيسية للإنسان)، والاجتماعية (كالحياة ضمن مجتمع منضبط بجملة من الضوابط الاجتماعية والقيمية والقانونية. يستلزم استمرار وازدهار الديمُقراطية بعض القيم الثقافية المرتبطة بها، مثل المسئولية الفردية، والمشاركة المجتمعية، والتسامح، بل أن استمرار الديمقراطية يستلزم الاعتقاد بأنها النظام الأمثل من قبل النخبة والعامة على حد سواء. وهو ما يرتبط برسوخ قيم الديموقراطية وإجراءاتها باعتبارها البديل الوحيد المتاح، وتفعيل عمل المؤسسات الديموقراطية، وتتعدد مؤشرات هذه المرحلة لكن أكثرها شيوعا تكرر التداول السلمي للسلطة في إطار المؤسسات والترتيبات الانتخابية القائمة على الحرية والنزاهة. وتشهد هذه المراحل صراعات عديدة بين من استفادوا من مناصب فى ظل النظام السلطوى لكنهم اقتنعوا بضرورة احداث تعديلات عليه لاعادة بناء شرعيته بين الناس ، وبين من يرفضون احداث اى تحول ديمقراطى ويدافعون عن بقاء النظام السلطوى، ويحدث هذا الصراع فى ظل الانقسامات داخل النظام القائم، وفى ظل ضغوط دولية لتَبني التحول الديمقراطى مقابل تقديم المساعدة الدولية
إن فقدان استقلالية عمل المؤسسات الرسمية وانعدام التوازن بينها والافتقار إلى صيغ للعمل السياسي بينها وبين المؤسسات غير الرسمية ووضع قنوات الاتصال بين النظام السياسي من جهة والمجتمع من جهة أخرى، جميع هذه العوامل تقود إلى هيمنة المؤسسة التنفيذية فتكون هذه الأخيرة هي المسؤولة عن عمليات رسم وتنفيذ السياسات العامة فتقود إلى فشل السياسات العامة في تحقيق الأهداف العامة، وما يتحقق من سياسات وأهداف لا يمثل سوى مطالب ومصالح فئة معينة في المجتمع هي أكثر ارتباطا بالنخبة الحاكمة، لذلك تكون السياسات العامة في ظل تلك العلا قة سياسات نخبة فئوية، ولا تتحقق ألا في إطار ضيق . ويمكن الانطلاق من فرضية ان هناك دورا مباشرا للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية للنظام السياسي في صنع السياسات العامة، وان هذا الدور متباين في قوته وفاعليته من مؤسسة إلى أخرى داخل النظام السياسي نفسه ونوع العلاقة بينهما، من جهة،ومن نظا م سياسي إلى أخر من جهة أخرى ويبرز دور جماعات الضغط على الصعيد السياسي بقيامها بالدفاع عن مصالح أفرادها وعن الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها، وهي تعمل على توجيه سياسة الدولة في الاتجاه الذي يُحدد هذه المصالح والأفكار، فهدفها التأثير في السلطة السياسية من اجل تحقيق المكاسب. وتمارس جماعات الضغط دورها في السياسات العامة من خلال التأثير في عملية رسم السياسات العامة وعلى تنفيذ تلك السياسات والرقابة عليها، ولها في ذلك وسائل عدة من خلال دورها في التأثير على المؤسسات الرسمية في النظام السياسي مثل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية. الإصلاح الدستوري ، و مطلب الانتقال إلى أنظمة حكم ديمقراطي حقيقي في الدول إنما هو مطلب جماهيري ملح ، يتطلب من السلطة شجاعة و خبرة في معالجة أولويات الشارع ،كما يتطلب من الأحزاب السياسية و تنظيمات المجتمع المدني إعادة النظر في مدى استقطابها لاهتمامات و تطلعات مختلف فئات المجتمع. فإذا كان التنافس بين فئات المجتمع ظاهرة صحية بوجه عام، فإن غياب الديمقراطية، و تمكن فئة معينة من فرض وجهة نظرها لعوامل تتعلق بقدرتها على التأثير بمركزها المالي أونفوذها السياسي، من شأنه أن يفصل السلطتين التنفيذية و التشريعية عن اهتمامات المواطنين، و يزعزع الثقة بين الحاكم و المحكوم.
بالنسبة للإحزاب فالحزب الديمقراطي يحتاج إلى أن ينتهج الديمقراطية والشفافية داخل الحزب عن طريق إجراء انتخابات دورية تُمَكِّن الأعضاء من اختيار قادتهم على المستويين المركزي و الوطني وعلى مستوى المحافظات بكل حرية واستقلالية وكذلك ينبغي أن يتخذ اختيار القياديين المرشحين لمناصب عامة طابعا تشاركيا أكثر لجهة إشراك أعضاء الحزب في هذه العملية . أن ضعف الممارسة الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية يؤدي إلى إفراغ العملية الديمقراطية من محتواها وبالأخص في مسألة اختيار القيادات الحزبية , فلا يمكن للأحزاب السياسية أن تؤدي دورها في ترسيخ المبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إذا كانت لا تؤمن بهذه المبادئ ولا تعمل على تجسيدها. و كذلك دور الأحزاب في تنفيذ السياسة العامة من خلال مشاركتها في السلطة التنفيذية و حجم هذه المشاركة. أضافة الى ذلك معرفة دور الأحزاب في عملية تقييم السياسة العامة، لأن التقييم الفعَّال و الموضوعي و الحقيقي يُعدّ أساس نجاح السياسة العامة في تحقيق أهدافها. في الدول المتخلفة وغير المستقرة كالعراق، ففي العراق صدرت العديد من القواعد القانونية المنظمة للعمل الحزبي ومنها القانون رقم (30) لسنة 1991 الذي أورد نصوصاً تتعلق بتمويل الأحزاب حيث ورد في المادة الثامنة نصاً يفيد بضرورة أن يتضمن النظام الداخلي للحزب مصادر تمويل الحزب، وألزمت المادة الثامنة عشر الحزب بعدم قبول أي أموال نقدية أو عينية إلا بموافقة مجلس الوزراء وفي حال مخالفة ذلك يعاقب المخالف بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال، وتضمن المادة الثالثة والعشرون أهم مصادر تمويل الأحزاب والتي تمثلت بـ(الاشتراكات والتبرعات، عوائد الاستثمارات، عوائد صحافة الحزب ومطبوعاته، منحة الدولة السنوية)، ووضعت المادة الرابعة والعشرون حكماً مقتضاه (يقرر رئيس الجمهورية مقدار منحة الدولة السنوية في ضوء عدد منتمي الحزب وممثليه في المجلس الوطني ودوره في النضال الوطني) وبهذا نجد ان منحة الدولة للأحزاب في العراق أقرت منذ خمس وعشرين سنة ولا تعود إلى القوانين التي أقرت بعد التغيير السياسي العام 2003 إلا انها كانت معطلة واقعياً في تلك الحقبة من الزمن ووضعت لها شروط مجحفة تمثلت بـ(عدد المنتمين إليها ما يحتم تأسيس أحزاب جماهيرية في ظل نظام دكتاتوري فمن يقبل المخاطرة بنفسه ومستقبله لينتمي إلى حزب غير حزب السلطة، والشرط الثاني عدد أعضاء الحزب الفائزين بعضوية المجلس الوطني وبعيداً عن كون المجلس الوطني كان مجرد ستار تقف وراءه غايات فان انتخاب شخص غير مرشح من حزب السلطة يعرض الناخب إلى تهمة الخيانة والعمالة لدول الجوار والمحصلة النهائية ان يبقى مطارداً لما تبقى من عمره). ومع ظهور الكثير من الأحزاب في أعقاب سقوط الديكتاتورية عام 2003 في العراق ، واجه الناخبون مهمة شاقّة في محاولة تحديد الحزب الذي سيمثّل مصالحهم خير تمثيل. والذي زاد المشكلة تعقيداً هو واقع أنّ أحزاباً كثيرة بدت وكأنّها صورة طبق الأصل عن بعضها البعض، وتخلو من أي إيديولوجيا، وتعتمد على تأييد مجموعة صغيرة من النخبة. حتّى تلك الأحزاب التي تبنّت إيديولوجية معيّنة تبدو في أغلب الأحيان وكأنّها تخفّف من مدى تأثير هذه الإيديولوجيا على تحديد هويّتها. وتملك جميع الأحزاب تقريباً مناهج وخططاً غامضة ومتخلّفة. والنتيجة كم هائل من المنظمات السياسية المتشابهة التي يكاد يستحيل على الناخبين التمييز في ما بينها. غالباً ما تعتمد الأحزاب على شخصيات مؤسّسيها بدلاً من التركيز على برامج واضحة، الأمر الذي جعلها غير قابلة للاستدامة على المدى البعيد، وأثار الشكّ في صفوف المواطنين من أن يكون هدف هذه الأحزاب الحقيقي هو تمجيد شخصية الأفراد عوضاً عن رفاه الشعب. وهناك العديد من الفرضيات العملية التي قد تظهر نتيجة لتطبيق حرية تكوين الأحزاب السياسية ومنها كيفية ضمان الوحدة الوطنية للبلاد بعد تبني التعددية الحزبية باعتبار أن الأحزاب تزيد من عوامل الاضطراب والانشقاق والتشرذم السياسي في الدولة. فمبدأ المواطنة يرفض تشكيل أحزاب سياسية على أساس ديني أو طائفي من حيث البرامج والعضوية والأهداف والنشاط , وان كان يقبل تأسيس أحزاب مدنية ذات مرجعية دينية تستلهم برامجها من الشرائع السماوية باعتبارها مرجعية ثقافية تهيمن على المجتمع. والأحزاب السياسية تؤثر بشكل مباشر على سير و حركة النظام السياسي و ضمان استمراره و استقراره، حيث تؤدي دوراً حاسما في تنشيط الحياة السياسية و ركناً أساسياً من أركان النظم الديمقراطية، فأداء الأحزاب ينعكس سلباً أو إيجاباً على نوعية الحياة السياسية و على مستوى التطور الديمقراطي و التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يُعدّ انعكاساً للنظام الحزبي السائد في الدولة. و المادة الخامسة من قانون الأحزاب السياسية المصري رقم(40) لسنة 1977 وذلك في الفقرة (5) منها بان تكون تشكيلات الحزب واختيار قياداته و أجهزته القيادية و مباشرته لنشاطه و تنظيم علاقاته بأعضاءه على أساس ديمقراطي و ذلك بنصها ".....خامسا:طريقة و إجراءات تشكيلات الحزب و اختيار قياداته و أجهزته القيادية و مباشرته لنشاطاته و تنظيم علاقته بأعضاءه على أساس ديمقراطي و تحديد الاختصاصات السياسية والتنظيمية و المالية و الإدارية لأي هذه القيادات و التشكيلات مع كفالة أوسع مدى للمناقشة الديمقراطية داخل هذه التشكيلات ". هذا وأن الديمقراطية الحزبية تستلزم أن يكون الفوز داخل الحزب بمناصبه المختلفة مرتبطاً بإرادة أعضائه الحرة الواعية , والمادة المذكورة لا تكفل الحرية الحزبية لفئة بذاتها داخل الحزب الواحد ولا تقرر أفضلية لبعض أعضاءه على بعض في أي شأن يتعلق بممارسه ولا تفرض سيطرة لجماعة من بينهم على غيرهم لضمان أن يبقى العمل الوطني قوميا و جماعيا في واحد من أدق مجالاته و أكثرها خطرا. وللأحزاب السياسية دور مهم في صنع السياسة العامة و تأطيرها، حيث تُعد إحدى قنوات المشاركة السياسية للمواطن، و كذلك إحدى قنوات الاتصال السياسي المنظّم في المجتمع، إذْ يعدّها علماء السياسة، الركيزة القوية و المنظمة للربط بين القمة و القاعدة و كمحطة اتصال لازمة بين المواطنين و السلطة.
وهنا لا بد من التأكيد على أنه إذا كانت الديمقراطيات الغربية لم تتأسس (لم تأخذ البعد المؤسساتي) إلاّ بعد الثورات التي عاشتها الدول الغربية (بدءاً بالثورة الإنكليزية سنة 1688 مروراً بالثورة الأمريكية سنة 1765 وصولاً إلى الثورة الفرنسية سنة1789 ( والتي أرخت للصراعات الاجتماعية الطبقية، وجعلت الدولة في هذه الأقطار تتحول من دولة الأمير إلى دولة المؤسسات مع ضمان الحريات العامة والخاصة، فإن الديمقراطية الحديثة على العكس من ذلك تتميز بقدرتها على استيعاب التحولات السلمية. غير أنه إذا سلمنا بحتمية التغيير السلمي فإنما يجب التسليم به أيضا هو أن أي نظام يصبو إلى الديمقراطية مجبر على احترام المعايير والمبادئ . ومن القضايا الرئيسة لضمان الديمقراطية الداخلية الحزبية هي عملية من يقرر في الاحزاب ، والكيفية التي يتأهل بها المواطنين لخوض الانتخابات البرلمانية كمرشحين عن الحزب المعني . وفيما اذا كانت مثل عمليات التسمية هذه تبدوا ديمقراطية من عدمه ، فذلك يعتمد على درجة المركزية ، اي كم من السلطة تُعطى الى الهيئات الاقليمية والمحلية وللمقاطعات والمحافظات في عملية الاختيار. وتؤخذ درجة المشاركة في عملية التسمية بالاعتبار ,فكلما ازداد عدد المشاركين في الاختيار ، كلما ازدادات ديمقراطية العملية. ويعد نطاق صنع القرار وعدد المرشحين المتنافسين للتسمية مهم أيضاً. وأي تحول يراد به أن يكون ديمقراطيا لا بد له من الأخذ بعين الاعتبار هذه المقاييس فالتحول الديمقراطي إذن يتأسس على حقيقة الاعتراف بفشل العنف في فرض الشرعية والاستيلاء على السلطة وهي حقيقة بارزة اليوم في أكثر من بلد، ففي التجارب السياسية الحديثة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية فشل الاحتكام إلى القوة.