الدولة التي تحترم حرية وحقوق الإنسان وتتعامل مع مبدأ المواطنة بغير تمييز بسبب الدين أو اللون أو الرأي ... وغيرها في إطار من القيم الأخلاقية والديمقراطية التي تضمن آلية لتداول السلطة بمشاركة شعبية ، الدولة العلمانية والدولة المدنية هما شيء واحد، قوامها القانون الوضعى وعدم التمييز بين المواطنين. وهى بذلك تكون الدولة التى تستجيب لشروط العصر وتستطيع الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية فى الحقوق، والتى تجد الدول نفسها مضطرة للموافقة عليها تحت ضغط تقدم مسيرة البشر للحصول على حرياتهم. والدوله العلمانيه, هى دوله تفصل الدين عن الدوله فى هويه الحاكم حيث لايشترط دين معين فى هويته و فى الحياه المجتمعيه وفى كل شيء ويكون التعامل على اساس القوانين الانسانيه حتى فى المحاكم .وتصلح للدول التى فيها الكثير من الاعراق والاديان. وفي الإستخدام الشائع لهذا المصطلح نجده يدل على معنى الدولة العلمانية التي تستبعد الدين من مسائل المرجعية والأطر الفكرية بكل نواحيها ويفضل البعض إستخدام هذا المصطلح (أي الدولة المدنية) بدلاً من مصطلح الدولة العلمانية لأن الأخير مازال محاطاً بالكثير من الشكوك والريب في سائر الأوساط الإسلامية على ضوء تجارب حكم علمانية كثيرة ومشهورة , عرفها العالم الإسلامي من التوجه الأتاتوركي إلى التجارب الإشتراكية والقومية ثم أخيراً إلى التجارب المسماة بالليبرالية البراغماتية الرأسمالية التي أصبحت الآن تعم كافة أنحاء العالم الإسلامي بفضل السيطرة الأميركية. رغم انتشار العلمانية دوليّاً، فإن هذا المفهوم يجد عراقيل لا حدّ لها في مجتمعاتنا العربية، تنذر بصعوبةٍ هائلة ستواجه عَلمنَة الدولهِ المدنية المنشودة.
بدأ عصر النهضة بالثورة الفكرية داخل الكنيسة من خلال الإصلاح الذي قاده مارتن لوثر بدءًا من عام 1516 مُنشأً بذلك المذهب البروتستانتي كنقيض للبدع التي كانت تروجها الكنيسة. وأدى نشوء البروتستانية إلى نشوء توجهات كاثوليكية أخرى للإصلاح برزت متأخرة. وترافق هذا الإصلاح الديني مع الثورة الفكرية التي دعت إلى رفض التقليد وإعمال سلطة العقل وتطوير المعرفة. ومع انبثاق الثورة العلمية واكتشافاتها مثل اكتشاف كروية الأرض – نقيضًا لفكرة الكنيسة التي كانت تقول بأن الأرض منبسطة–، والطباعة، والجاذبية، والهاتف، والآلة التجارية وغيرها من الاكتشافات المبكرة، نشأت أيضًا الثورة الصناعية معتمدة على منتجات الثورة العلمية، وبهذا كله انفتح عهد جديد قوَّض كلاً من نظام الاقطاع وسلطة الكنيسة. مع هذا التحول نشأت فكرة المواطنة المتساوية، وأزيلت القنانة، وبدأت المرأة بالخروج من أجل المشاركة في الحيز العام الذي أصبح يتسع للجميع بعد أن كان محصورًا على النبلاء ورجال الكنيسة. وفي إطار ذلك طرحت فكرة انتخاب الحاكم والاقتراع العام منذ القرن التاسع عشر، وبالتالي نشأ نظام مدني ينتخب المواطنون القائمين عليه بشكل حر ويتابعونهم لوضع قوانين تتناسب مع فكرة "العقد الاجتماعي" التي ظهرت في ذلك الحين كفكرة تعبر عن الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين وبين الدولة وفقًا للعقد الاجتماعي بين الطرفين، مما ألغى استبداد الدولة وتعسفها وعلاقاتها ذات الطابع الأحادي بالرعايا كما كان عليه الحال من حيث علاقة الملوك برعاياهم في فترة ما قبل عصر النهضة.
ويعني مبدأ فصل الدين عن الدولة إلغاء الكنيسة الرسميّة التي تؤسسها الدولة بمقتضى القانون. و نتيجة لأن الدولة تجبر الناس علي المحافظة علي مظاهر الممارسة الدينية, بغض النظر عن معتقداتهم الحقيقية, الدولة العلمانية أو المدنية ، تسعى للحفاظ على وحدة الدولة مهما تعددت أديان المواطنين ومرجعياتهم الثقافية. والفيلسوف جون لوك الذي عاش في القرن السابع عشر في بريطانيا يقول أن وظيفة الدولة هي مساواة المواطنين ببعضهم، بغض النظر عن أديانهم، وهي أصلاً موجودة لرعاية مصالح المواطنين في الدولة . أما الدين، كما يقول أتباعه، فهو يسعى إلى خلاص النفوس في الآخرة. و كان يرى أن انحياز الدولة لدين معين، يشجع الناس على النفاق و التدين الشكلي، ناهيكم عن العنصرية بحق بقية المواطنين المتدينين و اللادينيين، حينها لن نجد شيئاً اسمه " تعايش " بين أبناء الوطن الواحد. وقد تبنت إسبانيا عام 1978 دستورا حديثا يضمن الحرية الدينية للأفراد ولكنه يؤكد في الوقت نفسه على وجود علاقات تعاون بين الدولة والطوائف، ولا سيما الكاثوليكية. وتعمم إسبانيا التعليم الديني في المدارس وتسمح بوجود مرشدين روحيين في الثكنات والمستشفيات والسجون، وتبيح لمواطنيها أن يقتطعوا نصفا في المائة من ضرائبهم ليقدموه على شكل عشر للكنيسة. أما في إيطاليا التي لها وضع خاص بحكم كونها مركز البابوية، فإن الدولة تعترف رسميا بأن مباديء الكاثوليكية تمثل جزءاً من التراث التاريخي للشعب الإيطالي ، وتقر بمشروعية الزواج الديني وتسمح بالتعليم الديني في المدارس العمومية على نفقة التلاميذ وأهاليهم.
ومصطلح العلمانية والدولة العلمانية لا يوجد عليه اتفاق فهناك تعريفات كثيرة سواءً من الناحية النظرية أو من حيث الواقع العملي والعلمانيون هم الرجال المدنيون في التعريف الكنسي في مقابل رجال الدين من القساوسة والرهبان ,فلهذا عُرفت الدولة العلمانية على أنها النموذج المقابل للدولة الدينية بالمفهوم الكنسي الذي ساد في العصور الوسطى واستعمل البعض كلمة العلمانية على أنها فصل الدين عن الدولة أو فصل الكنيسة عن الدولة ، وهناك أيضا دول شبه علمانية، وهي الدول اللاتينية في جنوب أوربا مثل البرتغال، إسبانيا، بريطانيا، فحتى الأمس القريب كانت الكاثوليكية لا تزال هي الديانة السائدة أو الرسمية في هذه الدول. فدستور البرتغال لعام 1951 ينص على أن الكاثوليكية هي "دين الأمة البرتغالية" ويقر لها بمعاملة خاصة. لعلّ أبرز مناهضي هذا المفهوم هم الظلاميون الذين يمارسون تجاهه تضليلاتٍ. يرافقهم بالطبع الطغاة العرب الذين يتدخّلون بضراوة في شؤون الدين ويستخدمون الفقيه لخدمتهم للسيطرة على أبناء شعوبهم.
وقد غالى البعض إلى حد التطرف في تعريف العلمانية على أنها النموذج المضاد للدين والتدين ، كما عرَّفها البعض على أنها الموقف المحايد من الدين وجرت تطبيقات مختلفة للدولة العلمانية في الغرب فلا يمكن أن نقول أن الدولة العلمانية في فرنسا مثلها مثل الدولة العلمانية في ألمانيا ولا كذلك مثل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية ، وهكذا فكل هذه الدول تسمى علمانية ومع هذا تعدد نموذج الدول وأختلف من مكان إلى آخر والجدل حول كلمة علمانية أو الدولة العلمانية لم يحسم إلى تعريف واحد ومحدد ، وظل النموذج المطبق لهذا العنوان هو نموذج غربي بامتياز والدول العربية والإسلامية التي حاولت أن تطبق هذا النموذج كانت أشبه بالمسخ لأنها بالرغم من المحاولات الدؤبة لجعلها علمانية وفق النموذج الغربي " كتركيا " مثلا اصطدمت دائما مع القيم الإسلامية المتجذرة في الشعب ، فتركيا الحديثة تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، التى كانت دولة إسلامية تتعدد فيها الثقافات والديانات والبنى الاجتماعية واللغوية، وتمكنت الإمبراطورية العثمانية من حكم مثل هذا التعدد والتنوع من خلال طرق ووسائل ووكالات مختلفة حتى ظهورالدول القومية. وأدى انحلال الإمبراطورية العثمانية إلى ظهور بلدان قومية فى منطقة البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهى المناطق التى كانت تحكمها الإمبراطورية لعدة قرون. تعتبر تركيا البلد الإسلامي الوحيد الذي أعلن علمانية دولته رسميًا منذ البداية، وفصل الدين عن الدولة منذ لحظة التأسيس ، وطوّر ايديولوجية علمانية صريحة ومتماسكة بتطبيقات عملية فعالة على الطريقة الفرنسية. وتعتبر الجمهورية التركية الحديثة إحدى الدول القومية الأساسية التي خلفت الإمبراطورية العثمانية، وبحكم طبيعة الدولة القومية كنظام حديث للمؤسسات السياسية ، فإن هذه الدول حافظت على مسافة مع ماضيها القريب، بهدف خلق مجتمعات سياسية متجانسة، وشعور بالولاء للأمة يقوم على قاعدة الهوية المشتركة والثقافة والميراث المشترك. وعلمانية تركية لا تمت بصلة للديمقراطية ولا لدولة المواطنة والمساواة بين ابناء الشعب وانما اعتمدت على القهر والاستبداد الاتاتوركي في بداياتها.
تشكيل الدول القومية قام على خطاب ومفردات علمانية أكثر منها دينية، حيث سعت هذه الدول إلى تحرير مجتمعاتها من التحالفات الدينية، وإلى تكريس الولاء للمجتمع السياسي المدني (العلماني) وللدولة، وليس للمؤسسة الدينية. واعتماداً على التاريخ والثقاقة السياسية لتلك الدول، فإن نشأة الدول القومية قدم نماذج مختلفة لعلاقة الدولة بالدين والترتيبات القانونية المتعلقة بإدارة الشؤن الدينية. إن مسار المجتمعات الغربية الطويل إلى العلمانية قد استغرق أكثر من تسعة عشر قرناً. وانتهت تلك المجتمعات إلى علمانية ليبرالية أصبحت فيها الدولة لا طائفية، غير معادية للدين، غير خاضعة له، غير منحازة لطائفة على حساب الأخرى، بل واقفة على الحياد، ضامنة لجميع مواطنيها الحرية الدينية معتقداً وتعبيراً. إلى هذا كله فإن الطائفية موجودة في تلك المجتمعات، تظهر حيناً وتختفي احياناً، تتقنّع تارة وطوراً تنزع قناعها، تتّخذ أشكالاً محدثة ظاهرها علماني وباطنها طائفي. وهكذا فإن العلمانية لم تصل بعد إلى نضجها الكامل,تلبس ثياب العلماني الليبرالي الديمقراطي وتتصرّف بذهنية المدافع دفاعاً قويا عن الكنيسة . تنادي بحيادها الإيجابي تجاه الدين ـ أي دين ـ ولا تلبث أن تتحول للدفاع عن دين اخر .
ويشير مبدأ حرية الأديان إلى حق الأفراد والمؤسسات الدينية بحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية دون أي قيود من قِبل الدولة. ويقصد بمفهوم المواطنة ما نصت عليه المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية في 1789م بقولها: "...يتمتع كل المواطنين بالمساواة في نظر القانون الأمر الذي يؤهلهم لتولي كل المناصب السامية وكل الوظائف والمهن العامة بدون أي تمييز عدا ما يتعلق بفضائلهم ومواهبهم".
ومن هنا فالعلمانية لا تعادى الدين، هى فقط تمنع استخدام الدولة له لتبرير سياساتها، وهى تكفل لجميع المواطنين، على اختلاف أديانهم، حرية العبادة، ولهذا فهى المبدأ الذى يتمسك به أفراد الجاليات المسلمة فى أوروبا للدفاع عن حقوقهم فى المواطنة الكاملة وفى أداء شعائرهم الدينية، وهي دائما ما تكون موضوعاً لعداء من يريد أن يتسلط على الناس ويسلبهم حرياتهم باسم الدين، وهذا يفسر الهجوم الذى لاقته ومازالت تلاقيه من تيارات الإسلام السياسي.
ما قبل عصر النهضة عاشت أوروبا تحت سيطرة النظام الإقطاعي، حيث لم تكن هنالك مواطنة متساوية بين الاقطاعيين والأقنان المرتبطين بالأرض، وشكل الاقطاعيون/النبلاء طبقة المواطنين الأحرار التي كانت تحيط بالملوك، وكان الملوك على تناقض مع الكنيسة التي كانت تلعب دور سلطة دينية ودنيوية في آن معًا، كونها هي ذاتها قد مثلت مؤسسة اقطاعية أيضًا. وفي إطار كهذا اقتصر الحيز العام على النبلاء والملوك والكنيسة، وغاب عنه الأقنان والنساء كفئتين تم التعامل معهما على انهما من الدرجة الثانية . وإن كان لا سبيل للعلمانية سوى التفريق بين الدولة والدين، فإنه يترتب عليه من وجهة أولى تستلزم العلمانية أن تكون الدولة مستقلة تماما عن كل دين وعن كل سلطة دينية، ومن الجهة الثانية تفرض أن الأديان جميعها حرة على السواء في مواجهة الدولة, وقلما يقوم هذا الوضع في الواقع نظراً لأن ثمة مجالا مشتركاً لكل من الدولة والدين معاً، هو المجتمع نفسه. وبهذا المعنى الحصري، وكفصل تام بين الدين والدولة فإن العلمانية لا تقوم إلا في قلة من البلدان: فرنسا الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، تركيا. وكثير من الدول ذات انظمة حكم غير متكاملة في العلمانية مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا، فالدولة في ألمانيا مثلا حيادية من وجهة النظر الدينية، لا تنتصر لدين على دين، ولا وجود فيها لدين دولة أو لكنيسة قومية. وهي بهذا المعنى دولة علمانية. ولكنها بالمقابل لم تقطع صلتها بالكنائس، البروتستانتية والكاثوليكية ، وتعتبرها كهيئات اجتماعية تابعة للقانون العام، وتقر لها بحقها في التعليم الديني لأتباعها في المدارس العمومية. وفي الوقت الذي تلتزم الدولة في بلجيكا بالحياد الديني، فإنها تعقد صلة خاصة مع ديانة الغالبية.