يطلق على صفحات وسائل الاعلام عبارة، التحول الديمقراطي، او ما يجمل بكلمة” المرحلة الانتقالية "، ويقصد بها التحول من الدكتاتورية السابقة نحو النظام المدني الديمقراطي الفدرالي الذي اقره الدستور العراقي. لاشك ان ذلك ما يتطلع اليه شعبنا بشغف وترقب بلهفة. أملاً ببناء الدولة المدنية الحضارية المستقلة العادلة. وكان قد استبشر العراقيون بسقوط النظام السابق وحسبوه باب الفرج والحرية المرادة، والحياة السياسية المفعمة بالديمقراطية المزدهرة. بمنظومتها الكاملة، تتربع الانتخابات النزيهة العادلة على صدرها، التي يفترض ان يتشكل من خلالها البرلمان المعني بانجاز تشريعات وقوانين بناءة وتنموية واعدة.
غير أن هذه المرحلة ـخذت تمشي خطوة الى الامام وخطوتان الى الوراء. عندما ارسيت قواعد الحكم على هيكلية جوهرها التفريق لوحدة الشعب العراقي وليس الجمع وسميت بـ (حقوق المكونات) التي تحولت الى محاصصة مقيتة. واختصرت امتيازاتها بين زعماء الكتل السياسية الحاكمة، الذين لم يحظوا بقبول الاغلبية من الشعب.. رغم ذلك تم تطويع التشريعات لتمهيد السبل لهؤلاء بغية إحكام السيطرة على السلطة.
لحد هنا نكتفي عن وصف المتنفذين لكونهم أمسوا عارين عن الاردية المذهبية والقومية وغيرها، التي طالما تلحفوا بها. فضلاً عن كون المجريات هي المتحدثة عن سياسة اعدام الديمقراطية. وبهذا الصدد كان الفعل الخارق للدستور قد تجلى في جعل الخاسر فائزاً والعكس صحيحاً، اي تحول الفائز خسراناً وهكذا دوليك. ومن خيبات السياسة قد حالفهم بهذه الصورة او تلك، "عون قضائي " كان ولا يزال يحاصره الجدل ولم يولد القناعة حول قانونيته وواقعيته. مما جعل الناس تعتبره مساهمة باغتصاب للديمقراطية. زد على ذلك فيض الكرم بمشاريع ظالمة. حيث اعتبرها ابناء شعبنا بمثابة نضوح دكتاتوري طغت شروره على حرية الرأي والتعبير، وحق الحصول على المعلومة، وحرّم عمل بعض منظمات المجتمع المدني، وما جرى لاتحاد الطلبة العام المؤسس في 14 نيسان عام 1948، وكذلك محاولة السلطات الغاء استقلالية اتحاد نقابات العمال، كل ذلك يعد اجمالاً خير شاهد على اتساع المد الدكتاتورية الجديدة.. كما تم الزحف على " هيئة الاعلام " التي تحولت الى قاض يتعسف بمصير وسائل الاعلام جزافاً، سوى بمقاضاة صحفيين ام بغلق قنوات فضائية، واخيراً عزمت هذه الهيئة على تسجيل تليفونات الموبايل كاجراء ينم عن مخطط لخنق حرية التواصل بين الناس.. وفي اطار التعامل مع الديمقراطية لم يشهد ان قبل المتنفذون بنتائج انتخابات كانت لغير صالحهم. وتزيدنا الاشارة الى واقعة ازاحة رئيس البرلمان وعرقلة انتخاب بديل له، دليلاً كاشفاً حول عملية احتقار السياقات الدستورية، والتنكر الصارخ لاسس العملية السياسي.. بصرف النظر عن الاخطاء والمخالفات التي تم تجاوزها في الماضي القريب، حينما كان ذلك التغاضي عنها يصب في صالح الطغمة الحاكمة.
ولعلنا نضيف امراً مهماً عندما نذكر التنكر للاتفاق في " ادارة الدولة " الذي تم بصدد تشكيل الحكومة، بين أطراف سياسية شريكة اساس في العملية السياسية. مستغلين تفكك " التحالف الثلاثي " بانسحاب الاغلبية من البرلمان التي كان يمثلها، وما زال الخلاف قائماً وناذراً بمخاطر تشكل تهديداً جدياً كفيل بنسف العملية السياسية برمتها.. اذا لن يجري تلافيها على وجه السرعة والحرص على مصالح الشعب ووحدة الوطن. اما الفساد المتسيد للمشهد والمتعاظم، فحدث بلا حرج حيث يتماثل بالفعل اللازم المتصدي لسحق اي نفس ديمقراطي عبر شراء الذمم. فضلاً عن احتكار فرص التوظيف ومقايضتها بالولاء السياسي، حالها حال دفع رواتب المعونات الاجتماعية التي تمنح مقابل شراء الاصوات مما اعتبرت هي الاخرى كوسائل ناسفة لابسط جذر للديمقراطية، بهدف قضم حتى ما تبقى لها من ظل واهن بائس .