قبيل ظهر يوم الجمعة الموافق الثامن من شباط عام 1963، كان العراقيون يتبضعون في الاسواق لفطور رمضان مثل كل يوم حينما سمعوا أن انقلاباً حصل ضد حكومة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم (كنت حينها في الصف الثالث الابتدائي مع والدتي في السوق)، صدّق بعضهم بينما نفى غيرهم ما قال إنها إشاعات.. لكن الحقيقة المحزنة بدأت تظهر حينما أذاع الانقلابيون بيانهم الذي ادعوا فيه أن الزعيم لقى حتفه ثم أشاروا الى انهم سوف يطهرون البلد مما أسموه العملاء والخونة والمارقين.. الخ...! هب أبناء الشعب لنجدة قيادة الجمهورية الفتية والتي حققت لهم الكثير من الحقوق والانجازات في فترة زمنية قصيرة ، لكنهم جوبهوا بالرصاص ينهمر عليهم كالمطر ، وفي بغداد وكما هو معروف أن الجماهير طلبت من الزعيم عبد الكريم ..السلاح وتجمعوا بالآلاف مقابل وزارة الدفاع التي تحصن بها الزعيم وعدد من الضباط الوطنيون الشرفاء للدفاع عن ثورتهم المجيدة ، لكنه لم يستجب لهم ، حقناً للدماء التي كان يعتقد لو أنه وزع على الناس السلاح فسوف يقتل مئات او بضع آلاف من الابرياء بالوقت الذي كانت طائرات ميغ 17 وغيرها تقوم بقصف الوزارة ما عدا تسديد الضربات القاتلة من قبل الدبابات التي كانت بحوزة الانقلابيين والتي زينت بصور الزعيم قاسم لغرض التمويه وخداع الناس ..وبعد الظهر بدأ الانقلابيون يحاولون خداع الزعيم عبد الكريم بأنهم سوف لن يتعرضوا لحياته لو هو استسلم لهم وكان العقيد عبد السلام قد تم تنصيبه رئيساً للجمهورية فكان يكلم الزعيم بالتلفون ويدعوه للاستسلام بالوقت الذي كان معه الزعيم الشهيد طه الشيخ أحمد والذي قاومهم ببسالة نادرة ..ولما سمع حديث عبد السلام بالتلفون ، أخذ السماعة من يد الزعيم عبد الكريم وخاطب عبد السلام بلهجة عراقية بالقول له ( شوف ولك ..أنا طه الشيخ أحمد أكلمك ، أنت نذل وحقير وجبان وخائن وتبقى صعلوك من الصعاليك حتى لو أصبحت رئيس جمهورية..! ).. صدق ما قاله الشهيد البطل الزعيم الركن طه الشيخ أحمد بحق عبد السلام عارف من كلام يستحقه.. والشهيد طه ضابط وطني غيور على مصالح شعبه العراقي وقد ولد عام 1917 في مدينة العمارة وكان والده تاجراً للحبوب ، عندما أنهى طه دراسته التحق بالكلية العسكرية وسافر لدراسة الهندسة العسكرية في انكلترا ثم درس الحقوق ..وبسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي أحيل على التقاعد عام 1953 ولما انبثقت ثورة 14 تموز عام 1958 كان أحد المشاركين فيها وأعيد للخدمة العسكرية وتم تعيينه مديراً للخطط العسكرية، وعند قيام انقلاب 8 شباط الدموي التحق الشهيد طه الشيخ احمد بوزارة الدفاع ، وفي اليوم الثاني غادر المكان مع عدد من الضباط وعلى رأسهم الزعيم عبد الكريم وتوجهوا لمبنى اذاعة الصالحية بجانب الكرخ وتم إعدامهم جميعاً بمحاكمة صورية لبضع دقائق برئاسة عبد الغني الراوي وقبل أن يلفظ الشهيد طه انفاسه الاخيرة هتف بحماس ..يعيش الحزب الشيوعي العراقي وتلاه الشهيد فاضل عباس المهداوي بترديد الهتاف بينما انهمر عليهم الرصاص وهم جالسون فوق كراسيهم يتطلعون لوجوه الانقلابيين الكالحة. ومن الضباط المقاومين الابطال الشهيد الزعيم عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري والذي ولد في بغداد بنفس المنطقة التي ولد فيها الزعيم عبد الكريم عام 1918 وكان الاثنان صديقين منذ الطفولة على الرغم من ان الزعيم قاسم كان يكبره بأربع سنوات، أكمل الشهيد الجدة دراسته الابتدائية والمتوسطة في محلة المهدية وبعدها أكمل الاعدادية ثم دخل الكلية العسكرية وتخرج منها عام 1938 وبعد ذلك درس في كلية الحقوق وتخرج منها عام 1953..
وكانت دراسته لها في المساء حتى نال شهادة البكالوريوس بالقانون، أيد عبد الكريم الجدة ثورة 14 تموز ولكنه لم يكن من الضباط الاحرار.. وبسبب رتبته وصداقته للزعيم عبد الكريم فقد عينه مدير الانضباط العسكري وآمر موقع بغداد.. (وهو الذي قام باعتقال عبد السلام عارف في مكتب عبد الكريم قاسم بعد اتهامه بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم..) وعندما حاول نفر من البعثيين اغتيال الزعيم في 7 تشرين الاول عام 1959 ، سيطر الشهيد الجدة على بغداد وقام بضبط الاوضاع الامنية فيها ، وعندما جرى انقلاب 8 شباط اتصل به الزعيم قاسم طالباً منه الحضور الى وزارة الدفاع وعندما أراد مغادرة بيته تعرض لهجوم من قبل الحرس القومي سيء الصيت ، لكنه تغلب عليهم وبمساعدة ابن خاله الشهيد الملازم الاول كنعان خليل حداد القيسي ، عند وصوله لمبنى وزارة الدفاع قاد الشهيد الجدة القوة المدافعة عن الوزارة وقاتل بشجاعة عالية واستبسل في مقاومة القوات المهاجمة ، لكنه للأسف قتل بسبب شظايا اخترقت رأسه ووجهه و في اليوم الثاني في 9 شباط وجدت جثته قرب النافورة الواقعة وسط ساحة الوزارة وتم نقلها الى اذاعة الصالحية لتدفن مع بقية جثث الشهداء الضباط الميامين...ومن الجدير بالذكر ان الشهيد الزعيم عبد الكريم عبد الرحمن رجب الجدة لم ينتم لأي جهة سياسية لكنه تميز بإخلاصه الكبير للوطن وللشهيد عبد الكريم قاسم لذلك نال الشهادة ..ويجب الاشارة الى ان الشهيد الجدة كان له ولدان هما موفق ومحمد وبنتان ..المجد للشهيدين الباسلين طه الشيخ أحمد وعبد الكريم الجدة وكذلك المجد للشهيد الزعيم فاضل عباس المهداوي والزعيم الشهيد وصفي طاهر وكل الشهداء الضباط والمدنيون الابطال الذين استشهدوا في انقلاب 8 شباط الاجرامي ومنهم آلاف الشيوعيين قادة وكوادر واعضاء وعلى رأسهم الشهيد الباسل حسين احمد الموسوي اي الشهيد سلام عادل ورفاقه الميامين الذين ذاقوا شتى صنوف التعذيب وقطعت أجزاء من اجسادهم لكنهم كانوا صامدين بوجه العفالقة المجرمين وحرسهم القومي الفاشي ..المجد لشهداء العراق .. والعار سيظل الى الابد يلاحق البعثيين المجرمين وعصاباتهم المارقة.. والذين حولوا العراق الى مسالخ بشرية دامية..