على خلفيّة مهاجمة أرهابيين ينطلقون بمهاجمة إيران من قواعد لهم في الباكستان مثلما تقول طهران، قامت طائرات إيرانية قبل أيّام بمهاجمة تلك المقرّات وقتلت عددا من المدنيين حسب وكالات أنباء عدّة. ولأنّ باكستان دولة ذات سيادة وتحترم شعبها وترابها الوطني، فأنّها قامت بالردّ سريعا بقصفها أراض إيرانية في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية والتي يتقاسمها البلدان، ولتقتل هي أيضا عدداً من المدنيين هناك.
ردّ باكستان بنفسها على القصف الإيراني لأراضيها جاء سريعا وقويّا من الناحية العسكرية، كما وأنّها رسالة قويّة لطهران وتحذير شديد اللهجة لها من مغبّة التجاوز على التراب الوطني الباكستاني مستقبلا. أمّا قصف إيران بنفسها لتلك القواعد داخل الباكستان، فأنّه يعني عدم وجود ميليشيات باكستانية شيعية تأتمر بإمرتها كما باقي ميليشياتها ذات العمق الشيعي في بلدان أخرى لتنفيذ تلك المهمّة وغيرها من المهام من جهة، وعدم وجود جهات حكومية رفيعة المستوى وأحزاب باكستانية وقوى شعبية تمنح إيران الحقّ في قصف بلدها لشراكة مذهبية، وتبرر لها جرائمها التي ترتكبها في بلادها من جهة ثانية.
المثير للأهتمام هو أنّ الباكستان التي أذّلت ايران بردّها القوّي والسريع وأستدعت سفيرها من طهران ورفضت عودة السفير الإيراني لديها والذي كان في زيارة لبلده، ولم تكتف بذلك، بل زادت بالأهانة ووجّهت صفعة للدبلوماسية الإيرانية التي تتحكم بحكومات وبلدان عدّة في المنطقة ومنها العراق، الذي يصول دبلوماسييها ورجال مخابراتها وحرسها الثوري في مناطقه المختلفة ويتحكمون بالملف الأمني للبلاد، حينما طالبت الحكومة الإيرانيّة وكطريق لعودة علاقتهما الدبلوماسية لسابق عهدها، في أن يزور وزير خارجيّتها البلاد بنفسه، وهذا ما حصل فعلا. فهل قدّم الوزير الإيراني أعتذار بلاده على أن لا يكرر الجانب الإيراني أعتداءاته على الأراضي الباكستانية مستقبلا، علاوة على شروط أخرى تحد من نشاطات إيران في الباكستان؟
يقدّر عدد الشيعة في الباكستان بحوالي 20% من نفوسها، ومع ذلك لم تستطع بل لم تتجرّأ إيران التي أسست ميليشيات شيعية مواليه لها في العديد من البلدان، من تأسيس تنظيم شيعي يعمل تحت إمرتها وينفّذ أهدافها، كما حزب الله اللبناني وحوثيي اليمن وبعض الحركات الاسلامية الفلسطينية، والحشد الشعبي في العراق. فهل شيعة الباكستان أكثر وطنية تجاه وطنهم من شيعة البلدان الأخرى، أم أنّ هناك خوف إيراني من تأسيس ودعم هكذا تنظيمات، خوفا من ردّ باكستاني تخشاه طهران وتعرف قوّته!؟ علما من أنّ هناك تنظيمات شيعية مسلّحة في الباكستان كـ (سباه محمّد) أي جيش محمّد، الذي أنشقّ عن تنظيم (تحريك الجعفرية باكستان) لمواجهة تنظيم (سباه الصحابة) أي جيش الصحابة السنّي، وتنظيمين شيعيين آخرين هما (شيعة علماء كونسل) و(مختار فورس) أي قوّة المختار، ولا هناك دلائل علنية وواضحة تشير الى دعم إيران لهذه الجماعات.
أنّ ردّ الحكومة الباكستانية القوّي والسريع على التدّخل أو محاولة التدّخل الإيراني في شؤون بلادها الداخليّة، يجعلنا أن نطرح سؤالا على السلطة العراقية التي إن لم تؤيّد علنا تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لبلادنا وقصف مدننا كما قصف أربيل مؤخرّا فأنّها تلوذ بالصمت تجاهها، هو أن متى يكون لها موقف وطني تجاه "شعبهم ووطنهم"، وهل سيعملون على حصر السلاح بيد الدولة وحلّ الحشد الشعبي وميليشيات أخرى تأتمر بأوامر طهران وتنفّذ أجندتها في العراق وغيره من البلدان التي تتدخل إيران بشؤونها الداخليّة، كي لا تكون بلادنا عرضة للخطر وهذه الميليشيات ومعها الحشد الشعبي تغوّلت وباتت تهدد السلم المجتمعي للبلاد، وبعد أن أصبح أبناؤنا وقودا لأحلام ولي الفقيه كون الميليشيات التي يعملون فيها هي بنادق للإيجار عند الحرس الثوري الإيراني في البلدان التي أصبحت جبهات متقدمة وجدران عازلة في حرب إيران الأقليمية للحفاظ على نظامها السياسي من السقوط، وبلدها من التعرّض للخراب والدمار...؟