يُعد الاختلال الهيكلي  في علاقات التناسب بين عناصر الهيكل الاقتصادي ومكوناته أو تغيّر في ميزاته الرئيسية التي تؤثر على النمو الاقتصادي فضلا على أنه اختلال في التوازن العام وعلاقاته أو تغيير خصائصه الأساسية إلى حد يؤثر في استقرار الاقتصاد ومن ثم فقدانه لحالة التوازن العام لذا فإن الاختلال يصيب وإلى حد بعيد تقسيمات الهيكل الاقتصادي ومكوناته الرئيسية وقد يكون داخليا أو خارجيا عند مصاحبته للاقتصاد القومي. وعلى الرغم من المزايا المادية والبشرية وتنوع المحاصيل الزراعية مقارنة بالاقتصاديات الاخرى فالعراق  يعيش منذ زمن بعيد تحت ضغوط إزمة بنيوية حادة نجمت عن فشل الخطط والبرامج وقد تفاقمت هذه الازمة بفعل التوجهات غير العقلانية للسياسة الاقتصادية التي تم تبنيها بالاستغلال الكبير للموارد النفطية والثروات الاخرى وتوجهها الى الفاسدين  على حساب الاستثمارات التنموية المادية والبشرية. قاد هذا الى انتكاسات خطيرة أدت الى انحراف مسار النمو الاقتصادي وتعميق الاختلالات الهيكلية في ظل تفشي آفة الفساد وغياب القانون (قانون المحسوبيات) أصبح الاقتصاد العراقي  متمثلا بالبحث عن المال بشتى الوسائل غير المشروعة. والريع النفطي هو الفرق بين التكلفة الكلية لاستكشاف وإنتاج وخزن ونقل وتكرير وتسويق وسعر المنتجات المكررة في اسواق المستهلك النهائي , وغالبا ما يحتسب صافي الريع بعد طرح تكاليف وأرباح الشركات الوسيطة الذي تحصل عليه الدول المصدرة للنفط , معبراً عن نصيبها بالفرق بين تكلفة الانتاج وسعر النفط الخام , والدول المستوردة عن طريق ما تحصل عليه في صورة ضرائب تفرضها على المنتجات النفطية المستوردة . و الريعية لا تختص باقتصاد معين فهي ظاهرة عامة , ففي أي اقتصاد توجد عناصر ريعية تختلف في كثافتها من بلد إلى أخر وهنالك شكل آخر مهم للدولة الريعية هو ذلك الذي يعبّر عن حالة خاصة من الاقتصاد الريعي عندما يذهب الريع الخارجي أو نسبة كبيرة منهُ إلى فئة محدودة تتمثل بالطبقة الحاكمة ومن ثم يتم توزيع هذه الثروة الريعية على الغالبية من السكان ، وضمن هذا المفهوم لا يمكن عدّ الدول التي يشارك اغلبية سكانها في توليد الريع بالدولة الريعية كما هو الحال في الدول التي تعتمد على الانشطة السياحية نتيجة لظروفها الجغرافية أو المناخية وأنما يطلق عليها دول ذات اقتصاد ريعي , و صفة الريعية لا تكون ملازمة للاقتصاد في كل الاوقات وإنما من خلال إسهام العائدات الريعية في الناتج المحلي الاجمالي ؛ لذلك فقد تتحول الدولة من ريعية إلى شبه ريعية او بالعكس نتيجة للوضع الاقتصادي والسياسي السائد في البلد في تلك الفترة. و نعرف جيداً إن العراق الآن بحاجة الى إعادة بناء البنى التحتية واعمار ما دمرته الحروب وإنعاش القطاعات الانتاجية كالصناعة والزراعة وتقادم كثير من المشاريع الصناعية والتي تحتاج الى اعادة بناء وتحديث اضافة الى قطاع الكهرباء والماء ناهيك عن المديونية والتعويضات التي يعاني منها العراق والاقتصاد العراقي تحديدا وبنفس الوقت يعاني هذا الاقتصاد من الفجوة الكبيرة بين الايرادات والنفقات وعدم كفاية الادخارات لسد احتياجات عملية البناء والاعمار وصعوبة الحصول على قروض اضافية بسبب المديونية والشروط المطلوبة من المؤسسات الدولية وما يترتب على هذه القروض من فوائد اضافية ولم يكن امام العراق خياراً اخراً اذا ما اراد بناء وتنمية جميع قطاعاته الانتاجية والخدمية سوى اللجوء الى الاستثمارات الاجنبية لتامين الحد الادنى من الموارد اللازمة لإعادة البناء.                 

لقد كان لزاماً على العراق وضع سياسات تنموية قصيرة أو طويلة المدى لمعالجة الاختلالات, وهذا يعد أمراً ضرورياً ويحتاج إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي في المقام الأول , ومن دون هذا الاستقرار فإن كل الجهود المبذولة لوضع برامج الإنقاذ والتصحيح للمسار الاقتصادي لا جدوى منها. والحلول الاساسية لسياسات الاقتصاد الكلي هي خفض درجة التقلبات الاقتصادية. إذ أنَّ عدم الاستقرار الاقتصادي هو شيء غير مرغوبٍ فيه, إن هنالك تكاليف مباشرة على تغيرات الدخل فى حال وجود أسواق رأسمالية وتأمينية غير كاملة , ويتزامن ذلك مع الهبوط فى النشاط الاقتصادي , هبوط الاستهلاك وخصوصاً فى أوساط الفقراء , وبصفة عامة , فإن الفقراء يحملون عبء التذبذبات الاقتصادىة , فهم يعانون من التدهور من خلال إرتفاع نسبة البطالة وهبوط الأجور الحقيقية , وهم فى العادة يكسبون أقل فى فترات الازدهار الاقتصادي , التى تتزامن مع عوائد أعلى على رأس المال ولا تتزامن بالضرورة مع خلق فرص عمل أكثر. السياسـة الماليـة يمكـن ان تسـاهم فـي معالجـة الأزمـة مــن خــلال اعــادة هيكلــة النفقــات والإيــرادات فــي الموازنــة العامــة.

وشروط اتخاذ القرار الاقتصادي السليم لإنجاح عملية اتخاذ القرار الاقتصادي الصحيح في العراق, بضبــط المنافــذ الحدوديــة والإعـلان عـن المنافـذ كفـرص اسـتثمارية علمـا ان المسـتثمر لـن يسـتعيد رأس مـال المشـروع وارباحه مــن ايــة رســوم ســيادية كونهــا مــن اختصــاص وزارة الماليــة وســيعتمد فــي اســتردادها علــى اجـور بعـض الخدمـات التـي اقرتهـا هيئـة المنافـذ الحدوديــة فضـلاً عــن مشــاركة المســتثمر لبعــض الجهـات العاملـة فـي المنفـذ بأجورهـا مقابـل توفيـر البنــى التحتيــة لهــا مــن مختبــرات او مخــازن. ان الإدارة المشـتركة للمرفـق العـام امـر تتبعـه العديـد مــن الــدول التــي تؤمــن بالشــراكة الحقيقيــة بيــن القطــاع العــام والقطــاع الخــاص، وبنــاءً علــى ذلــك ســينهض الإســتثمار بواقــع البنــى التحتيــة للمنافـذ الحدوديـة مـن خـلال انشـاء منافـذ نموذجيـه وفــق مخططــات عصريــة تتضمــن كل الخدمــات المطلوبــة فــي المنفــذ وهــو يُعــد أحــد المكاســب المتحققـة للحكومـة مـن الإسـتثمار لاسـيما فـي ظـل الشـحة الماليـة التـي تعانـي منهـا.                  

إنَّ إساءة استخدام النظام المالي يمكن أن يلحق الضرر بسمعة المؤسسات المالية، محدثًا آثارًا سلبية على ثقة المستثمرين وبالتالي يزيد من ضعف وارباك النظام المالي. ولا ينشأ الضرر الاقتصادي من أفعال الجريمة الاقتصادية والمالية المباشرة وحسب بل أيضًا من مجرد وجود تصور بان تلك الأفعال تحدث، وبذلك يؤثر على سمعة النظم المالية ويرد الاستثمار الخارجي . وفي العديد من البلدان أيضًا يؤدي اشتباه الجمهور على نطاق واسع بان الصفوة ترتكب الجرائم الاقتصادية والمالية في القطاعين العام و الخاص إلى تقويض شرعية الحكم . ولذلك تتسم المكافحة الفعالة للجريمة الاقتصادية والمالية بأهمية حاسمة للتنمية المستدامة وبناء المؤسسات. والإجرام الاقتصادي هو الأفعال الضارة الاقتصادية والتي يتولى القانون تحديدها لحماية مصالح البلاد الاقتصادية .. فثمة نصوص تهتم بحماية النظام الاقتصادي في مجال الأنشطة المختلفة ومن أهمها حماية الأموال العامة والخاصة من العبث أو امتلاكها خلسة أو حيلة أو عنوة، وتحقيق أرباح غير مشروعة، أو بتوجيه سياسة الدولة لتحقيق مصالح ذاتية ومن بين تلك الجرائم الضارة بالمصلحة العامة استغلال الوظيفة العامة لتحقيق أغراض شخصية عن طريق الرشوة والتربح واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح ومنافع وميزات شخصية. ولما كان القانون الجنائي يهتم بحماية المصالح الأساسية للمجتمع الإنساني فإن من أهم هذه المصالح حماية المال من جرائم الاعتداء عليه سواء كان المال عامًا أو خاصًا. وباستقراء نصوص التشريعات الاقتصادية تتضح سياسة المشرع تجاه حماية المال العام من العبث بوصفه جرمًا جسيمًا، وتطبيقًا لذلك فقد نص المشرع المقارن على جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر والاستيلاء عليه بأي صورة أخرى، ومن بينها أيضًا تقاضي عمولات عن صفقات أو غير ذلك من الأفعال، وقد فرضت عقوبات جسيمة لمنع العبث بالمال، ومن أهم الجرائم الاقتصادية جرائم الفساد واختلفت النظم السياسية في شأن محاسبة المسؤلين السياسيين وكبار الشخصيات في حالة انحرافهم بالمسؤلية المنوطة بهم وفساد ذممهم .. إذ تجنح بعض النظم إلى الاكتفاء بالتطهير أو الجزاء الإداري والإقالة في حالة الاتهام بالانحراف والفساد .. بينما تأخذ دول أخرى بنظام الجمع بين العقوبة الجنائية والجزاء الإداري مهما كان مركز الجاني الوظيفي وذلك إعمالاً لمبدأ ” سيادة القانون” الذي يعتبر أصلاً من الأصول التي تقوم عليها الديمقراطية.                      

     وختاماً يمكننا القول انه وعلى الرغم من كل المشاكل والعقبات التي تواجه الاقتصاد العراقي، وبالرغم من عدم استقلالية القرار السياسي العراقي، إلاّ أن الاقتصاد العراقي قد شهد تطوراً ملحوظـاً على صعيد الدخل القومي وحجم الإيرادات ومستوى دخل الفرد، الأمر الذي انعكس بالإيجـاب على صنع القرار السياسي ، وإقدام الدول وتنافسها من أجل إقامة علاقات قوية مع العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي.