ونحن نراقب بمرارة واندهاش أرقام الضحايا من الفلسطينيين ومن مختلف الأعمار سيما الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى الراقدين في المستشفيات والحقد الإسرائيلي الأرعن ينهال على الأجساد البريئة جحيما مندوفا بالحقد والكراهية وتصفية حسابات الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون لوطن أسمه فلسطين متجذرة في الضمائر والذاكرة والوجدان، لتستمر المآسي لهذا الشعب المظلوم منذ فتحنا عيوننا على هذه الأرض لأكثر من سبعين عاما وحتى يومنا، ومنهج القتل والعدوان المتواصل ومصادرة كرامة الناس المحرومين من أبسط وسائل العيش بسلام حتى وإن كان نسبيا متواصل منذ يومنا ذاك حتى راهننا الدامي اليوم، ولا من سبيل لحدوث المعجزة وإنقاذ البشر في فلسطين الجريحة والصهاينة يلتهمون الأرض الفلسطينية المنكوبة بشكل يومي، حيث ما زلنا نذكر ذلك اليوم الذي تم فيه تقسيم فلسطين الى دولتين واحدة لليهود وأخرى للعرب حيث كان من نصيب العرب واحد وخمسون بالمائة واليهود تسعة وأربعون بالمائة، لكن أطرافا عدة رفضت هذا التقسيم الذي اعتبروه مجحفا وبالتحديد الأطراف الفلسطينية، رافعين شعار إما كامل الأرض أو لا حلا آخر. واستمر هذا الوضع في انتقالات عكسية، ذلك أن اليهود وبقيادة التيار الصهيوني الحقود أخذ بالتهام الأرض الفلسطينية شبرا شبرا وانشاء المستوطنات وفتح دويلة إسرائيل لكل من هب ودب لالتحاق (بأرضهم الموعودة) ليتواصل التراجع الخطير والمفزع بتوسع سيطرة الصهاينة على أرض فلسطين وتراجع الأرض الفلسطينية الى ما يقارب 15% في حين وصلت حصة اليهود الى 85%، والسطو على الأرض الفلسطينية متواصل بشكل مستمر ومخيف وحصة الفلسطينيين في أرضهم في تناقص مستمر بإنشاء المستوطنات الإسرائيلية دون توقف أو احترام للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تحرّم مثل هذه الإجراءات التعسفية الظالمة. والطامة العظمى أن كل السلوك الإسرائيلي البلطجي والمجحف يتم بمباركة الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها بضغط وتأثير من اللوبي الصهيوني المتحكم في بوصلة القرارات الأمريكية بتمييز عنصري ظالم ضد الفلسطينيين الأبرياء، حين شردت هذه الإجراءات الملايين من الفلسطينيين في اصقاع الكون من خلال صمت بعض الأنظمة العربية الفاسدة والخنوعة ومساهماتها قصدا في تنفيذ الأجندات العنصرية الأمريكية خدمة للكيان الصهيوني المجرم. 

ارتأينا من خلال هذا العرض التاريخي البسيط لنبين للأجيال الراهنة ما حصل لأرض فلسطين الجريحة وكيف وصل بها الحال وبشعبها المناضل من مآس وكوارث وويلات وحرمان من أبسط شروط الحياة الكريمة منذ زمن التقسيم المذل حتى راهننا الكارثي اليوم.

لم يمر يوم وفلسطين لم تواجه العنجهية الصهيونية وأساليب الإقصاء والاعتداءات المتكررة على أيدي المستوطنين مجرمي الحرب وفرسان الفصل العنصري الهمجي، فلا غرو اذن أن يحدث يوميا تمردا وعصيانا ورفضا لهذه التصرفات غير الإنسانية، والفلسطينيون معروفون برفضهم للظلم الذي لازمهم طويلا وأصبح قدرا لعينا لهم لكونهم شعبا مكافحا رفض كل أساليب الميز العنصري والصلف الصهيوني، وهم محقون في الدفاع عن كرامتهم أولا وأرضهم قبل كل شيء وبكل الوسائل المتاحة.

إن ما يحدث اليوم من جرائم وتصفيات ممنهجة وجبانة وظالمة ضد الشعب الفلسطيني المكافح عموما وسكان غزة الجريحة ثانيا وردود الفعل بشتى الوسائل المشروعة حتى وإن وصلت للمواجهات الدموية مع الكيان الصهيوني من طرف الأبطال الفلسطينيين الرافضين لأساليب المهانة والذل من طرف الصهاينة، ينبغي أن يباركها ويساندها ويدعمها كل شرفاء العالم، وللأسف نحن لا نعول على بعض الأنظمة العربية التي ليس لها إلا بيانات الإدانة والتنديد والاستنكار  ودماء الشعب الفلسطيني اغرقت وتغرق أرض فلسطين المنكوبة كل يوم بل وكل دقيقة، ولا يمكن أن تقف أنظمة المهانة هذه مكتوفة الأيدي إزاء ما تحصل من مذابح ومجازر للأبرياء من الفلسطينيين ومن مختلف الأعمار، وحملات التجويع الظالم وتجريد الفلسطينيين من أبسط شروط العيش، وسعي الصهاينة مجرمي الحروب ومشعلي الفتن للقضاء على الشعب الفلسطيني وتشريده وافراغ الأرض الفلسطينية أو ما تبقّى منها من سكانها الشرعيين، ولا حياة لمن تنادي، بعد أن ماتت الضمائر وتكلست الكرامات إزاء كراسي الحكم الرثة والخسيسة.

لقد وصل الخوف ببعض الأنظمة العربية الى الحد الذي وصلت بهم الخيانات الى الاكتفاء بالتنديدات والتحركات الخجولة، لماذا؟ هل وصلت بهم المذلة الى عدم رضا اليانكي الأمريكي العنصري مشعل الحروب والمنحاز الى الظلم ومصادرة كرامة الناس وسلب حقهم في العيش الكريم، فليكن ذلك وليذهب اليانكي ومن يقف معهم الى الجحيم، إذا ما فعّلنا الضمائر والهمم والكرامة والتي بأجمعها قد قبرت حبا بإغراءات الكراسي وما تجلبه من رفاهية وامتيازات مندوفة بالذل والخيانة وبيع الضمائر.

ماذا عسانا أن نقول ونحن مكبلو الأيدي ولا نمتلك غير التعبير عما يحدث بوسائلنا البسيطة والمحدودة ونحن نستقبل أخبار المجازر المرعبة ضد الأبرياء الفلسطينيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث، علما بأننا لا نتفق مع الكثير من قناعات حماس وما فعلوه ويفعلوه ضد أبناء جلدتهم الفلسطينيين، ولكن ما فعلوه اليوم من دروس لقّنت الصهاينة دروسا لها من العبر ما يجعل غير المتفقين مع طروحات حماس واساليبهم تغفر لهم ما فعلوه ولو مؤقتا، إن هم عادوا الى رشدهم وأصبحت اللحمة الفلسطينية من أهدافهم لتوحيد الصف الفلسطيني الوطني، لأن تقسيم سلطة القرار بين منظمة التحرير وحماس أضر كثيرا كثيرا بالقضية الفلسطينية التي هي بأمس الحاجة للحمة الفلسطينية وتوحيد الخطاب والأهداف والمساعي ووضع الخلافات جانبا بعيدا عن أية توجهات دينية أو طائفية أو مناطقية، ذلك ومن خلال رصدنا لما حدث ويحدث في فلسطين فأن الوضع لا يحتمل أن تتعدد القرارات وسلطات القرار وعدم التوحد تحت سلطة فلسطينية قادرة على تخطي الصعاب والانتقال الى الوحدة الحقيقية سعيا لإخراج الوضع الى القرار الفلسطيني الوطني الموحد وذلك هو السبيل الوحيد لكل الفلسطينيين باختلاف قناعاتهم بعيدا عن المؤثرات الخارجية.

المجد لفلسطين الجريحة والخلود لشهدائها الميامين والشفاء العاجل لجرحاها  

قلوبنا معكم لنحمل جراحاتكم في وجداننا

 

 

عرض مقالات: