في أكبر تجمع لليسار في العالم، اعتادتْ جريدة اللومانتيه الفرنسية، أنْ تقيمه سنوياً على مساحةٌ واسعة، خيماً منتشرةً منتظمة اختصتْ كل خيمةٍ عرض فعّاليات ونشاطات ذلك الحزب أو التجمع اليساري في العالم المنتمي الى تلك الدولة، أينما ذهبتَ وتجولتَ بين هذه الخيم تسمع المتحدث بين جمهوره يشرح ويفضح ما يدور بالعالم من زيفٍ ومماطلة ونهبٍ لثروات العالم، وأغاني تصدح بمكبرات الصوت الضخمة لثقافات العالم، عروضٌ تشكيلية متعددة لفانين كبار روّاد ومبدعين جُدد، ندواتٌ تسرّكَ أحاديثهم ومناقشاتهم، أغاني من العقود التي مضتْ بجمال الحانها وذكرياتها الصعبة والجميلة، وفي أغلب الخيم تشمُّ رائحة أطايب الأكل من أكلات كلّ الشعوب وكذلك العصائر المختلفة الأذواق وأنواع من الشراب الطيب الذي يجمع الناس مع بعضهم، بمختلف الحاجيات الصغيرة التي تصلح للهدايا والذكريات، يرحب بك الجميع عندما تنوي السير لزيارة تلك الخيمة لذلك الحزب، ومن لغاتهم التي لا تفهم أغلبها لكنهم يُشعروك أنّها دعوة وليست مقابل نقد مادي، ترتسمُ على الوجوه لغة الترحاب والفرح للقادم الذي ينوي اليهم وعندما تقفُ أمامهم  يُخيركَ البائع بين هذا الذوق وذاك، ألذّ الشراب والأكلات الخفيفة وبأسعارٍ زهيدةٍ جداً يستطيع أيّ زائر شراءها.

ما موجود من كلّ هذه الفعّاليات وعلى وسع هذه المساحةِ التي لا تستطيع تغطيتها بالكامل في يومٍ واحد وتلك الخيم الواسعة والصغيرة الحجم وقسمات وملامح الوجوه المختلفة لأغلب أجناس العالم، تشعر إنّه هو هذا العالم الذي يريدُ اليسار تحقيقه، بأفراح البشر ومسراتهم وسعادتهم، بالّلقاء والتآخي بين الشعوب بعالمٍ خالٍ من الحروب والتصادم، بعالمٍ تعلو فيه لغة التسامح وعدم نهبِ ثروات العالم.

وبين هذه الخيم تنتصب خيمة (طريق الشعب)، جاء اليها العراقيون اليساريون الذين هاجروا وطنهم مجبرين غير طائعين من الشمال والجنوب ومن كلّ الاجناس والأديان، التقوا بعد فراقٍ طويلٍ حتى أنّ الأصدقاء الأخوة  الذين كانوا في ذلك اليوم الغابر، قد محت السنون قسمات الوجه وملامحها وقستْ عليها الغربة وبالصدفة يلتقون ويتذكرون تلك العشرة وما أحلى ذلك اللقاء، كلّ العاملين الناشطين في الخيمة متبرعون للعمل والخدمة، هناك من يعمل لأعداد وجبات الطعام حيث الكباب والكفته والمقبّلات، وهناك إعداد الشاي الّلذيذ باستكانات الجاي، هناك وعلى المسرح من قام بإلقاء محاضرة وأمامه الجمهور المستمع، انتصبتْ صور شهداء اليسار وابطالهم على اللوحات الجدارية ورسومات تشكيلية جميلة فرقة النساء القادمة من الدنمارك وبين أعضائها منشدة من اخوتنا السوريين، اتحفتنا هذه الفرقة الجميلة بأغاني العراقيين التراثية واليسارية، شبابٌ كرّس جهده لترتيب الكهربائيات وأجهزة الصوت، إنّها فرحة العمر بهذه الفرصة التي أتاحها اليسار.    

هذه الأجواء جميعها لا تجدُ بينها تلك الشركات الضخمة التي تتربع على نهب العالم بطرقٍ ملتويةٍ مختلفة وأساليبٍ فيها الخبث والمراوغة والتحايل على اذهاب الناس البسطاء والفقراء، هذه الأجواء خاليةً من البهرجة والأضواء الكاشفة فقط للترويج لمنتجاتهم التي فيها الزيفُ والبطلان، وهي تُخفي وراءَها نتانة وجشع النصّابين.

هذا هو العالم الواقعي، الناسُ يرقصون ويضحكون يشربون ويغنون يأكلون ويشبعون، بتلك الملابس المتعددة الألوان المبهجة وبتلك الملامح التي تعلوها لغة السلام والمحبة والتسامح.

فعلاً اسعدتنا تلك الأيام فهل ستتحقق في بلادنا العراق ربّما....؟؟؟؟؟؟         

عرض مقالات: