لِثَـوْرَةِ الفِكْـرِ  تَأْرِيـخٌ  يُحَدِّثُنَـا        بِأَنَّ  أَلْفَ  مَسِيـحٍ  دُونـهَا  صُلِبَـا

محمد مهدي الجواهري

 ما هو الحق في حرية التعبير؟

هو إطار من الحقوق يمارسه الفرد او الجماعة وتتكون عبره امكانية بلورة افكار او معلومات متنوعة والتعبير عنها بشكل علني من خلال الكتابة او الموسيقى او الحديث او الرسم او التظاهر والاعتصام واي شكل اخر، كذلك نقلها وحق تداولها.

واساس ذلك ان الانسان مخلوق عقلاني قادر على التفكير والتعبير عن افكاره وقادر على كشف الحقيقة وايصالها إلى الآخرين والتحاور مع الناس المتوافقين او المختلفين ولا يمكن معرفة الحقيقة او كشفها إلا بإتاحة المعلومات له بحرية كاملة والمناقشة والتحاور للوصول إلى نتائج قد تكون مشتركة.

 المفهوم الفكري لحرية التعبير لستيوارت ميل

يحاول ستيوارت ميل بتركيز كبير تلخيص موضوعات يسلسلها كالتالي: -

  • إذا أسكتنا رأيا فكأننا نسكت الحقيقة.
  • وان الرأي بافتراض أنه خاطيء لا بد ان يكون فيه جزء من كشف الحقيقة.
  • لو كان الرأي الصحيح لا يؤخذ به، سوف يكون بلا فعالية.

 لماذا تكون حرية التعبير ركنا أساسيا في الديمقراطية

  • ما دام الشعب مصدر السلطات؛ فهو ايضا له حق إبداء الرأي - كأفراد او مجموعات - في كيفية تسيير الدولة او مرفق من مرافقها لزمن ما بين عمليتي الانتخابات، حيث أبدى رأيه في اختيار ممثليه عند الانتخابات ولا بد من متابعة كيفية أدائهم وما يقدمونه في مجال عملهم داخل المؤسسات التي كلفوا دستوريا وقانونيا بالعمل لهدفه.
  • ان حرية التعبير تهيئ للمواطن حق المشاركة في متابعة تسيير الدولة وتنفيذ السياسات ومتابعة البرامج الحكومية تخطيطا وتنفيذا.
  • حرية التعبير تعني افساح المجال للإعلام في كشف الحقائق او تقديم المعلومات التي تساهم في بلورة اتجاهات الرأي العام في قضية معينة او قضايا مختلفة في السياسات الداخلية او الخارجية.
  • تسمح للجمهور في الاعتراض على سياسة معينة او عدم تنفيذ منهاج او مواجهة اخطار غير

منظورة من قبل الحكومة وتقديم وجهات النظر عن هذه المخاطر، الانية او المستقبلية.

  • تمكن الناس من معرفة ما يحيط بهم، وما يجري في وطنهم والعالم.
  • تكون امكانية مناقشة ما يدور من تشريعات في البرلمان او اتخاذ القرارات او وضع السياسات لدى الحكومة.
  • سماع صوت الاقليات او المجموعات الضعيفة في المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة او كبار السن.
  • منع احتكار وسائل الاعلام أو تكوين توجهات إعلامية متشابهة.

 كل ذلك يستلزم تداول وانسيابية تدفق المعلومات وحرية نقاشها والحوار بشأنها.

 لذلك كان الاهتمام بحق ممارسة حرية التعبير التي قد تم النص عليها في المواثيق الدولية

  • الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 19

 المادة 19.

لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.

ب - العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 الذي وقع عليه العراق سنة 1971

المادة 19 

  • 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
    2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
    3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: 
    (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
    (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

 تقييد حرية التعبير

لقد اوردت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حق وضع قيود على حق حرية التعبير في حالات معينة وهي

  • حماية الامن الوطني في حالة تعرضه للخطر
  • النظام العام
  • الصحة
  • احترام سمعة الاخرين وخصوصياتهم

 في نفس الوقت لا بد من الانتباه إلى ان القانون الدولي يعتبر ان القاعدة هي حماية ممارسة الحق في حرية التعبير والاستثناء هو التقييد ولا بد من وجود شروط لهذا التقييد وهي: -

  • وجود نص في القانون للتقييد، لكي يعرف الناس ما هو المسموح او المحرم
  • وجود غاية مشروعة ومبررة للتقييد
  • وجود ضرورة للقيد

 من اجل تلافي السماح للإدارات الحكومية عند تطبيق القوانين من التأويل او تحكيم المزاج للموظف مما يؤدي إلى تفسيرات متنوعة قد تضعف ممارسة الحق وحرية التعبير يجب ان تكون القوانين عند تشريعها واضحة للإدارات او الجمهور بعيدا عن: -

المزاج

التأويل

التفسير الاداري

 المشروع الحالي لقانون حرية التعبير عن الرأي والملاحظات حوله

ابتداء لا بد لنا ان نقول ان مشروع القانون قد تم تصميمه في اجواء التظاهرات المتصاعدة سنة 2011 اي في مناخ الازمة الاحتجاجية نتيجة انعدام الخدمات والدعوة لإلغاء التقاعد الخاص بالبرلمانيين 2013، ويبدو انه لم يكن في نية الحكومة تقديم مشروع قانون يحمي الحق بل ارادت حماية نفسها من الاحتجاج على عدم تقديمها ما يتوجب عليها من واجبات خدمية، او عدالة اجتماعية في الامتيازات للإدارات العليا في الدولة والمسؤولين الكبار.

 لذلك جاء محاولا تقليص ممارسة الحق خلافا لأصل الحق وتنظيم ممارسته

في مواد عديدة منها

اولا: - عند قراءة الفصل الاول المادة 1 فقرة اولا بخصوص التعاريف والاهداف نجد النص يصر على تقليص حق حرية التعبير والتظاهر او التجمع على العراقي فقط بعنوان (المواطن) اي ان العمال الاجانب لا يحق لهم حسب مشروع القانون ممارسة حق حرية التعبير، لذلك نحن ندعو ان يكون حق للإنسان (الشخص)

ثانيا: - في نفس المادة 1 فقرة خامسا يعرف (التظاهر السلمي: تجمع عدد محدود من المواطنين للتعبير عن آرائهم او المطالبة بحقوقهم التي كفلها (القانون)!!! لكننا نقول ان الدستور كفل للعراقيين حقوقا اراد المشروع ان يحدد التظاهر استعمال حق التظاهر السلمي بعيدا عن المطالبة بالحقوق الدستورية مع ان الدستور هو القانون الاعلى.

كذلك نجد نفس النص في المادة 10 التي تصر على عبارة (كفلها القانون)

 ثالثا: - تنص المادة 4 من المشروع على (يكفل هذا القانون حرية البحث العلمي من خلال اجراء التجارب العلمية واستخدام الوسائل والشروط الضرورية للبحث ...... كما يكفل النشر الحر لنتاجات الانشطة العملية)

إننا نتساءل اين حرية البحوث في مجالات الفكر والعلوم الانسانية وعلوم الاجتماع.. وغيرها؟

 رابعا: - تنص المادة 5 فقرة ثانيا على (الطعن في الاديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات والانتقاص من شأنها او من شأن معتنقيها).

ان هذا التعبير (الطعن والانتقاص) بالأديان حسب اعتقدنا يعتبر غامضا وقد تكون اي مناقشة او مقالة او بحث تاريخي تعني وتفسر على انها (الطعن والانتقاص).

خامسا: - تنص المادة 7 من المشروع على شروط للقيام بالاجتماعات العامة او التظاهر

  • الحصول على الاذن المسبق
  • الفترة قبل 5 ايام
  • اسماء اعضاء اللجنة المنظمة

ما دام المعيار العالمي يشترط تقديم طلب للإبلاغ، لذلك ما زالت الاعتراضات على هذه المادة متواصلة منذ احالة المشروع إلى البرلمان وخلال مناقشة الدورات الانتخابية الخمسة بما فيها الدورة الحالية.

إننا ندعو ونصر على ان يكون تقديم الطلب على اساس الإخطار والتبليغ للسلطات الادارية وليس اخذ اذن او تصريح. فإن استحصال الموافقة او الاذن ينفي ممارسة الحق بحرية بعد ذلك تكون ممارسة الحق بتحكم الادارات الحكومية خلاف أصل الحق باعتباره للجمهور ذاته وليس للإدارات بل يفترض ان تكون حامية لممارسة الحق

 سادسا: - اما المادة 8 تنص فقرة ثانيا على (لا يجوز عقد اجتماع في الطرق العامة)

                                              ثالثا (لا يجوز ان يمتد الاجتماع العام لما بعد الساعة العاشرة ليلا)

اما في المادة 10 ثانيا فقد نصت (لا يجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا).

بمعنى تحكم الادارة بالتوقيت الذي تطلبه اللجنة، ومنعها التظاهر بعد العاشرة ليلا وقبل السابعة صباحا.

 سابعا: - المادة 13 التي تضم 6 فقرات جاءت لحماية الطقوس والافكار الدينية دون النظر إلى الحق الاصلي وهو حق حرية التعبير والتظاهر السلمي والبحث في مراكز الدراسات والجامعات حيث يفترض ان يكون مشروع القانون قد كتب ليحمي ممارسة حرية التعبير عموما وليس تقييدها بغير ضرورة التقييد او الالتجاء إلى قيد مشروع لغاية في جوهر الحق.

لذلك نجد سلسلة العقوبات بالحبس او الغرامات على كل من

(اعتدى بطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية) (تعمد التشويش على اقامة شعائر دينية) (خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لإقامة شعائر دينية، او رمزا او شيئا اخر له حرمة دينية) (اهان علنا نسكا او رمزا او شخصا موضع تقديس وتمجيد او احترام لدى طائفة دينية).

ونشير هنا ان المجتمعات عبر تاريخها الطويل تنتج العلماء والادباء والشخصيات ذات شأن سياسي او علمي او اجتماعي، لم يشر لها مشروع القانون بل ثبت في نصوصه الرموز الدينية وطقوسها ومناسكها ...

ثامنا: - اضيفت للمشروع خلال نصوص لم تكن سابقا محالة إلى البرلمان من الحكومة

(لرئيس مجلس الوزراء ولمقتضيات المصلحة العامة او الامن القومي منع اي اجتماع عام او تظاهرة سلمية وان كان بها اخطار مسبق)

تاسعا: - نصت المادة 14 (يطبق قانون العقوبات رقم 111لسنة 1969 فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون).

عاشرا: - يعتبر الاعتصام شكل من اشكال حرية التعبير عن الرأي المنصوص عليها في المواثيق الدولية لكن المشروع قد أهمل ذكر هذا الحق فيه

 لذلك كله نجد أن هذه النقاط قد تم الاعتراض عليها مع نقاط اخرى، وما زال اعتقاد الكثير من الناشطين والمتخصصين في حقوق الانسان يعتقدون ان هذا المشروع قد قيد وقلص احترام ممارسة الحق على حساب التخوفات الحكومية من التظاهرات وابداء حرية الرأي كما ضمنتها الوثائق الدولية والدستور بحد ذاته.

 علما ان هذه النصوص التي تقيد أصل الحق وممارسته لدى الاعلام والناشطين وغيرهم تعتبر مخالفة للدستور خاصة المادة 38 بالذات منه.

 المادة 38

تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:

اولا. حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ثانيا. حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.

ثالثا. حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.

 الاستنتاج: - من كل ذلك نستنتج ان المشروع محاولة لتقليص استعمال وممارسة حق التعبير عن الرأي بكل اشكاله المعترف بها حسب الدستور العراقي والمواثيق الدولية.

  

ناشط في حقوق الانسان

عرض مقالات: