يبدو أن لجنة الأحزاب التابعة لمفوضية الانتخابات قد أجهدت نفسها حتى وجدت وسيلة أو ادعاء لكي تعرقل توجه " قوى التغيير الدمقراطي" نحو مشاركتها في العملية الانتخابية لمجالس المحافظات. ربما كان مفاجئاً لهذه اللجنة ومن وراءها، وجود استعداد " قطب ثالث " متمثلاً بالقوى المدنية الديمقراطية، الذي جدير بالمنافسة بعد أن أخلى انسحاب التيار الصدري الساحة لينفرد فيها الاطاريون. وبالمناسبة أن لجنة الأحزاب سالفة الذكر هي تابعة لقوى الإطار التنسيقي الحاكم حصراً.. فهل خيمت القناعة الواهمة بأن الإخلاء سيكون أبدياً أو يراد ان يكون هكذا، دون أن يوجد أدنى أفق رؤية بأن مثل هذا الأمر يشكل في أقل وصف له نمطاً دكتاتورياً مغلفاً بغطاء ديمقراطي.

ومن المؤسف حقاً أن تكون لجنة الأحزاب بهذه الجهالة السياسية والقانونية وتذهب إلى اعتبار كلمة (تغيير) دالة على " إرهاب " مثلاً، وتريد حذفها عن عنوان قوى التغيير الديمقراطي، التي بات نصيبها الحرمان من التسجيل في قائمة الأحزاب المشاركة في الانتخابات القادمة.. تخيلوا كيف وصلت مناسيب الخوف لدى اللجنة التي عبرت عن رعبها من كلمة التغيير الآن، وكأنها لم تسمع بها من قبل طيلة عشرين عاماً كانت خلالها متداولة.. وكانت متبناة من قبل حراك الشارع وانتفاضة تشرين الباسلة والتيار الصدري.. بيد أنها وعندما وردت بعنوان " القطب ثالث " الجديد المتمثل بـ " قوى التغيير الديمقراطي " الذي يعني القوى الرافضة لنظام المحاصصة المدمر للديمقراطية والحكم الرشيد، لقد اصبحت هذه الكلمة توجع قلوب البعض وتثير فرائصهم خشية من العواقب.

إن مشاركة قوى التغيير الديمقراطي في عملية الانتخابات القادمة تمثل تزكية هامة لهذه العملية، كونها ستكون فاعلاً هاماً في تحفيز الأغلبية الممتنعة للمشاركة في الانتخابات. وبالرصد والمعاينة في هذا المنعطف سنتعرف على السبب الحقيقي الكامن وراء موقف لجنة الأحزاب موضوع بحثنا، الذي لا تفسير له سوى الخوف من ان تستحوذ قوى التغيير الديمقراطي على اصوات الاغلبية الممتنعة وحينئذ تشكل دافعاً فاعلاً لإزاحة نظام المحاصصة الفاشل. ففي مطلق الاحوال ستشارك قوى (القطب الثالث الديمقراطي) سواء تغير عنوانها أم بقي حتى وان تبدلت الكلمة، التي تبث اشعاعات الخوف حسب شعور بعض الأوساط المتمسكة بالحكم، وفي ذات الوقت تبث اشعاعات الامل بالدولة المدنية. غير انهم ما زالوا سكارا بنشوة الانتصار وتولتهم الغفلة عن أن للكلمة مرادفات معوضة عديدة، كأن يكون العنوان باسم قوى البديل الديمقراطي، أو قوى التحول الديمقراطي، أو قوى الحراك الديمقراطي، أو قوى الانقاذ الديمقراطي أو غيرها.

إن محاولة تعطيل أو ابعاد قوى التغيير عن العملية الانتخابية تاتي في ذات السياق الذي سلكته السلطات لتصفية مخرجات انتفاضة تشرين. ففي هذا المنحى نالوا من قانون الانتخابات وازاحوا رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" وعطلوا الانتخابات النيابية المبكرة، وقاموا بتصفية الدوائر الرسمية من الموظفين الذين توظفوا بفضل الانتفاضة، وتلاعبوا في تشكيلة المفوضية بهذا القدر أو ذاك، ظناً منهم أنهم قد تمكنوا من تمهيد الطرق للاستحواذ التام على عتلات السلطة. ولكن قد جفلوا كما يبدو من تشكيل تحالف قوى التغيير الديمقراطي وحسبوه نفساً يحمل في طياته زخماً تشرينياً استوجب التصدي له. أما غير المكشوف من سيناريوهات لمواجهة (القطب الثالث) إذا صح هذا المسمى فهي عديدة ينبغي الحذر منها، التي ستتجلى بمفهوم العصا والجزرة، لتفتيت التحالف هذا إذا ما تم نجاحه بالانتخابات وربما حتى قبل الانتخابات والموقف الرافض لكلمة " التغيير" ما هو الا قطر من فيض.

عرض مقالات: