فترة ما بين الحربين العالميتين
حتى عشرينيات القرن الماضي ، خاض الحزب صراعات متعددة على الصعيدين التنظيمي والسياسي.
مع وجود أكسل لارسن (٣) كرئيس جديد للحزب أصبح الحزب أكثر إتساقاً منذ عام 1932، وأكثر اعتماداً بشكل مباشر على السياسة التي اعتمدها الحزب الشيوعي السوفيتي ، ونجحَ في نفس العام في الحصول على مقعدين في البرلمان، تم انتخابهما لحزب لا يزيد عدد أعضائه عن 3000 عضو، ويُعتبر هذا تقدم تنظيمي كبير في حينه. وبحلول نهاية الثلاثينيات نَمتْ عضوية الحزب وزاد تمثيله البرلماني إلى حد ما. ومن بين الأنشطة الهامة للحزب في هذا الوقت يمكن الإشارة الى التضامن مع الجمهورية الإسبانية ضد تمرد الكتائب العسكرية. وَ كباقي الأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى لعبَ الحزب دوراً محورياً في تجنيد المقاتلين في الفرقة الدولية ، التي قاتلت في إسبانيا الى جانب الجمهوريين ضد الإنقلاب العسكري بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو ضد الحكومة المنتخبة شرعياً في شباط عام 1936(٤) . شارك أكثر من 200 شيوعي دانماركي كمتطوعين في الحرب الأهلية الإسبانية من بين 30000 آخرين من جميع أنحاء العالم للدفاع عن الديمقراطية الإسبانية ضد فاشيي فرانكو ، الذين دعمتهم ألمانيا الهتلرية والفاشيون.
وحين عُقِدت معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية(٥)، ودارت حرب الشتاء بين الإتحاد السوفيتي وفنلندا في 30 تشرين الثاني 1939(٦) إختار الحزب دعم المعاهدة، وبالتالي علّقَ سياستة بخصوص الجبهة الشعبية لمدة عامين. أدى هذا الموقف إلى تقليص نفوذ الحزب إلى حد كبير.
ظلّ الحزب مُنتمياً إلى الأممية الشيوعية (كومنترن) حتى حلها في عام 1943، ومع ذلك ، استمر في الدعم السياسي للحركة الشيوعية العالمية بقيادة الاتحاد السوفيتي حتى نهاية الثمانينيات. وهذا يعني ، من بين أمور أخرى ، أن الخط السياسي للحزب كان يتغيّر بإستمرار من أجل التوافق مع تكتيكات القيادة السوفيتية.
كانت أهم وسيلة من وسائل ترسيخ الحزب في الحياة السياسية الدنماركية ، وَ السِمة الأكثر بروزاً في التوجه الاستراتيجي والتكتيكي للحزب هي سياسة الجبهة الشعبية ، التي تم تحديد مبادئها في المؤتمر العالمي السابع للكومنترن في 1935. وكان القصد من هذه السياسة هو تعزيز التحالفات التكتيكية للدفاع عن السمات الديمقراطية داخل المجتمع القائم آنذاك. كما كان الهدف من هذه السياسة في صيغتها الأصلية هو تشكيل تحالف سياسي داخلي مع الاشتراكيين الديمقراطيين والقوى البرجوازية ، بالإضافة إلى تحالف سياسي خارجي مع البلدان الرأسمالية التي تحكمها أنظمة ديمقراطية ضد القوى البرلمانية اليمينية ، وخاصة النازية الألمانية(٧). كان هذا يعني ، من بين أمور أخرى ، أن الهدف الاستراتيجي للتغيير الاشتراكي قد تم التقليل من شأنه في السياسة اليومية، وشكّلَ هذا النهج السياسي نقطة البداية في جهود الحزب الكبيرة في حركة المقاومة الدنماركية للإحتلال الألماني 1941-1945 ولاحقاً في مقاومة الاتحاد الأوروبي ، والتي تم تصويرها على أنها معركة من أجل "الديمقراطية المُناهضة للإحتكار".
سَبقَ تبني الجبهة الشعبية سياسة يسارية راديكالية قوية ، والتي كانت موجهة بشكل خاص ضد قيادة الإشتراكيين الديمقراطيين في الحركة العمالية. وجرى التخفيف عملياً في ممارستها، وخاصة في الفترة 1939-1941 عندما علّق الحزب الكثير من تعبيراته السابقة المناهضة للفاشية دعماً لإتفاقية عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية.
سياسة الحزب خلال فترة الاحتلال الألماني للدنمارك 1940-1945
بعد الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي ، تم حظر الحزب في 22 آب 1941 وأُعتقل العديد من شخصياته القيادية. بدأ الحزب في استئناف سياسة الجبهة الشعبية، ومنذ عام 1942 فصاعداً لعبت الجبهة الشعبية دورا رائداً في بناء كل من مجلس الحرية الدنماركي و مجموعات التخريب المسلحة. ومن خلال هذا الجهد نجح الحزب في استعادة نفوذه المفقود. وفور انتهاء الاحتلال أصبح الحزب يعمل بشكل قانوني وشارك في حكومة التحرير في صيف عام 1945، وحقق الحزب أعظم نجاح له حيث وصلَ عدد أعضاء الحزب إلى أكثر من 60 ألف عضو وصوّت له 12.5% من الناخبين في الانتخابات البرلمانية العامة وضمن له 18 مقعداً في البرلمان من أصل 148 مقعداً. وفي عام 1949 كان الحزب في طليعة الكفاح ضد عضوية الدنمارك في الناتو.
لكن هذا التقدم للحزب لم يَدم طويلاً. ففي عام 1950 ، تضاءلت القوة التنظيمية للحزب وتمثيله في البرلمان بأكثر من النصف ، وأصبح دوره في السياسة الدنماركية مُهمّشاً إلى حد كبير.
أدّى تدخل حكومة الإشتراكيين الديمقراطيين في مفاوضات الاتفاقية الجماعية في ربيع 1956 إلى إضرابات واسعة النطاق في أماكن العمل في عموم البلاد، وإلى أكبر تظاهرة احتجاجية نُظّمتْ أمام قصر البرلمان حتى ذلك الحين. وبعد فترة قصيرة ، بدا أن الحزب كان في طريقه إلى الأمام مرة أخرى نتيجةً للعمل المُثمر وسط النقابات العمالية وفي أماكن العمل ، وقد نجح الحزب في كسب جلسة استماع ، لكن لم يدم هذا النجاح طويلاً عندما دخل الحزب ، اعتباراً من أكتوبر من نفس العام في صراع مع المواقف السائدة في الدنمارك.
نهاية الجزء الثاني
(٣) أكسل لارسن - ولد في 5 آب 1897 في الدنمارك وتوفي في 10 كانون الثاني 1972. كان حزبياً نشطاً وقد أُنتخب عضواً في البرلمان الدنماركي.
(٤) امتدت الحرب الأهليةالإسبانية، (التي انتصر فيها الجمهوريون على أنصار الملكية) على مدار 3 سنوات في الفترة الواقعة بين 18تموز 1936 وحتى الأول من نيسان 1939، وراح ضحيتها أكثر من 1.5 مليون إنسان، بين قتيل وجريح وسجين ومُشرّد ـ الكاتب
(٥) هي مُعاهدة وُقعتْ في العاصمة السوفيتية موسكو في 23 آب 1939 بين وزير الخارجية الألماني ريبنتروب ونظيره السوفيتي مولوتوف ـ الكاتب
(٦) ويكيبيديا - حرب الشتاء بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا دامت ثلاثة أشهر من تشرين الثاني 1939 حتى أوائل شهر شباط.
(٧) الموقع الإلكتروني للحزب الشيوعي الدنماركي