في ليلة الخامس على السادس من شباط/ فبراير الحالي هزت تركيا سلسلة من الزلازل القوية. وقع الزلزال الأول شرق مدينة نورداغي جنوب تركيا بقوة 7.8 درجة حسب سلم ريختر، وانحصر مركز الزلزال على عمق 18 كيلومترا تقريبا. وتبع ذلك زلزال آخر بقوة  7.5 درجة جنوبي غرب محافظة قهرمان مارش التركية واستمر أكثر من 30 ثانية ووقع مركزه على عمق كيلومترين من سطح الأرض تقريبا. وشعر الناس به في المحافظات المجاورة وفي سوريا ، وأقل بقليل قوة في قبرص ولبنان والعراق. تبعت ذلك 32 هزة أخرى بعضها بقوة تزيد عن 6 درجات وأدت الى خراب شامل في المنطقة ووقوع ضحايا كبيرة للغاية.

وهذه المنطقة من تركيا معرضة خاصة لأخطار وقوع الزلازل. وهي تقع في نقطة تقاطع ثلاث صفائح طبقية تكتونية ضخمة : الصفيحة الأناضولية والعربية والافريقية. فالصفيحة العربية تتحرك نحو الشمال ونتيجة لذلك تندفع الصفيحة الأناضولية، التي يقع عليها الجزء الأكبر من تركيا، نحو الغرب. وتتحرك هذه الصفيحة بسرعة كبيرة تبلغ 20 ملمترا في السنة. وقد أدت هذه التحركات وفي غضون عدة ثوان الى حدوث شق عملاق في القشرة الأرضية بطول 150 – 200 كيلومتر وعمق 30 مترا وعرض حوالي 200 مترا في محافظة ختاي.

وهذه الصفائح عبارة عن كتل صخرية صلبة وضخمة للغاية تشكل الغلاف الصخري للأرض، وهي في حركة مستمرة وتتحرك على طول الغلاف الموري (أي ألأستينوسفير: الطبقة المفترضة من " المانتل " الأعلى التي تقع تحت الغلاف الصخري والقادرة على التدفق اللزج او البلاستيكي تحت تأثير ضغوط صغيرة نسبيا) او على طول صدوع ضخمة الواحدة بالنسبة للأخرى. واحسن مثال على هذا الصدع (او الشق) هو صدع "سان – اندرياس" في كاليفورنيا. وتعد حدود كتل الغلاف الصخري من أكثر مناطق الأرض اهتزازا، ويمكن متابعتها بوضوح في المعطيات الزلزالية. ( والمانتل او الوشاح الباطني للأرض :هو طبقة الأرض بين نواتها والقشرة الأرضية).

وحسب معلومات الدكتورة في العلوم الفيزيائية والرياضية، عضو مراسل أكاديمية العلوم الروسية فاليريا تروبيتسينا فقد جرى تحرك الصفائح التكتونية بالنسبة بعضها للبعض بشكل أفقي بسبب الضغط المضاد عليها من جانب الصفيحة التكتونية الأوراسية من الشمال والصفيحة العربية من الجنوب. نتيجة لذلك تحركت الصفيحة الأناضولية التركية في مركز الزلزال باتجاه البحر الأبيض المتوسط ، وبالتالي باتجاه اليونان بمقدار ثلاثة امتار تقريبا.

وتشكل حركة الصفائح التكتونية ضغطا هائلا على مناطق الصدع (الشقوق العميقة في القشرة الأرضية) ولذلك تتحرر الطاقة الكامنة لهذا الضغط وتتسبب في وقوع الزلازل.

وفيما يتعلق بمسألة التنبؤ بالهزات الأرضية قبل وقوعها فإن وجود محطات تسجيل الترددات السيسمولوجية (الهزات) وحدها لا تكفي لهذا الغرض. ومن الضروري الى جانب ذلك الحصول على المعلومات الجيومغناطيسية والمجالات الجذبية ومقاييس حرارة المياه في الآبار والتركيب الجيوكيميائي لهذه المياه. وتتطلب هذه المعلومات عادة تخصيصات مالية كبيرة.

وان كل ما يمكن التنبؤ به من قبل علماء الجيولوجيا والجيوفيزياء هو التنبؤ على المدى المتوسط، اي خلال سنة او سنتين. وقد حذر بعض العلماء من امكانية وقوع الزلازل في تركيا في عام 2019 و 2020.

ويؤكد بعض العلماء على ان النشاط السيسمولوجي في الأرض يمكن أن يتصاعد نتيجة تجارب الأسلحة النووية سواء في باطن الأرض او على سطحها، وكذلك نتيجة ثوران البراكين حيث تتحرر طاقات هائلة بامكانها تحطيم القشرة الأرضية. وحسب تقديرات العلماء يمكن التنبؤ بمكان وقوع الزلازل، ولكن من الصعب تحديد وقت الزلزال.

كما وتلعب المياه الجوفية وتغيير او حصرمجرى الأنهار واقامة السدود أمامها وتخزينها دورا كبيرا ايضا في التأثير على القشرة الأرضية واحتمال وقوع الزلازل فيها. ويشير بعض العلماء الى ان السدود المتعددة التي بنتها تركيا في أراضيها والتي حجزت كميات ضخمة من المياه عن نهري دجلة والفرات يحتمل ان يكون لها دور في خلق الكارثة الزلزالية.

ويجب التأكيد ايضا على العوامل "الأنتربولوجية" المرتبطة بظهور الانسان وتأثيره المباشرعلى الطبيعة. فالطبيعة خلقت متوازنة، والعالم الحيواني والنباتي فيها وثرواتها الطبيعية وبنيتها الداخلية والخارجية على علاقة متينة مترابطة فيما بينها. والاخلال بهذا التوازن من شأنه إثارة الكوارث الطبيعية. والنشاط الاقتصادي للانسان يشمل ليس فقط سطح الأرض وباطنها وكل مجال الأحياء، بل والمجال الفضائي ايضا. كما أن ظهور "ثغرات الأوزون" فوق القطب الجنوبي والحبس الحراري (ارتفاع متوسط درجة الحرارة ب 0.5 درجة مئوية) وذوبان كتل الجليد واختفاء بعض الأنهر والبحار وإبادة العالمين الحيواني والنباتي، كلها أمثلة حية على تأثير الانسان على الطبيعة. لكن رد الطبيعة على هذا النشاط السلبي يكون أحيانا قاسيا للغاية!!

وهناك مناطق في جميع أنحاء الكرة الأرضية تهزها الزلازل. وتظهر أقوى النشاطات السيسمولوجية في حزام المحيط الهادئ حيث تتحرر حوالي 70 % من الطاقة الكامنة.

والمنطقة الثانية ذات الخطورة الزلزالية حيث تتحرر حوالي 25% من الطاقة الكامنة تقع على حزام جبال الألب – جبال الهيمالايا. وهي مناطق شاسعة يصعب تحديد مكان الزلازل فيها.

بعد كل هذا التأثير السلبي للانسان على الطبيعة فهل هو قادر في عصر التقنيات والتكنولوجيات العالية على خلق الكوارث الطبيعية فيها كالزلازل مثلا؟

   يجري الحديث كثيرا في الآونة الأخيرة عن ان بعض السفن الحربية الأمريكية تدخل بين فترة وأخرى موانئ محددة في العالم، كالموانئ التركية مثلا، وتعتبر عنصرا من عناصر البرنامج الأمريكي السري لدراسة الغلاف الجوي للأرض والتشتيت الايوني للموجات الراديوية عالية التردد " HAARP".

( High Frequency Active Auroral Research Program )

وهذا البرنامج هو مشروع أبحاث امريكي لدراسة تفاعل الغلاف الجوي (ايونوسفير) مع الاشعاع الكهرومغناطيسي الحاد. وتم اطلاق المشروع في ربيع عام 1997 في جاكون بولاية ألاسكا.

ويؤكد بعض المتابعين لأغراض بناء مجمع HAARP على انه قادر على تعديل الطقس وتعطيل الأقمار الصناعية والتحكم بعقل الانسان واستخدامه كسلاح ضد الارهابيين وخلق الزلازل والجفاف والأعاصير والفيضانات والأمراض (المتلازمة مع حرب الخليج) وغيرها من الكوارث.

وقبل ثوان من الهزات القوية في تركيا شاهد الكثيرون ومضات قصيرة تشبه بريق الأضواء الشمالية المحلية، وكذلك سلوك غريب للطيور على الأشجار. ويشير الصحفيون الى أن السفارة الأمريكية في تركيا حذرت مواطنيها قبل ايام من الزلزال من أن الأمن في تركيا معرض للخطر. وتحذيرات مماثلة صدرت من البلدان الأوروبية.

ولابد من الاشارة الى ان أحد الزلازل العديدة المرتبطة بمجمع HAARP، حسب بعض المتابعين، كان الزلزال الذي وقع في إيران والعراق والذي ادى الى وفاة حوالي 500 شخص في نوفمبر عام 2017.

وفي عام 2005 صرح مسؤولو القوات الجوية الأمريكية: " سيصبح تغيير الطقس جزءا من الأمن المحلي والدولي، ويمكن القيام به من جانب واحد وان تكون له تطبيقات هجومية ودفاعية. ويمكن استخدامه ايضا لأغراض الردع".

وفي عام 2013 كشف ضابط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق ادوارد سنودن عن ملفات حكومية سرية مسربة، يكشف بعضها عن تغييرات عالمية عديدة من خلال نظام HAARP.

وفي الثالث من شباط/ فبراير الحالي، اي قبل ايام من وقوع الزلزال، دعا وزير الداخلية التركي سليمان سويلو السفير الأمريكي في أنقرة الى " رفع الأيدي القذرة " عن بلاده، متهما السفير بمحاولة " اثارة القلاقل في تركيا".

وأضاف الوزير: " أقول للسفير الأمريكي، "انني على علم بالصحفيين الذين تملي عليهم توجيهاتك. ارفعوا أياديكم القذرة عن تركيا. أقولها ثانية وبوضوح تام : ارفعوا اياديكم القذرة عن تركيا. انني على علم تام بما فعلتموه، وما هي الخطوات التي قمتم بها، وكيف تريد اثارة القلاقل في تركيا. ارفع يديك القذرة ووجوهكم المبتسمة المقنعة ".

ورغم كل ما ورد يبقى السؤال هل من الواقع من وجهة النظر العلمية احداث زلزال او كوارث طبيعية اخرى بوسائل تقنية حديثة؟

برأيي نعم العلم الحديث قادر على ذلك.

       مهندس جيولوجي                                             

  17 / 2 / 2023