عُقدتْ قمة سنغافورة في الثلاثاء الماضي من هذا الشهربعنوان Tramp – Kim Meeting Provides Coutiousوتبدو الضبابية مكتنفة تلك المحادثات بين الرئيسين الأمريكي والزعيم الكوري الشمالي بدليل جاء البيان الختامي غامضاً ومبتسراً لغياب التفاصيل وخاصة المسألة الحساسة التي عُقدتْ تلك القمة من أجلها وهي: (التخلي التام للسلاح النووي) ، كما وجد سياسيو العالم ومتابعي جولات المفاوضات المتتالية مع الجانب الكوري الشمالي حول قضية سلاحها النووي ، والهدف الأستراتيجي البعيد المدى للمفاوض الأمريكي هو جس النبض لمعرفة وكشف بعض من الخفايا لدى الكوري الشمالي للسلاح النووي وتقنية القنبلة النووية وربما فجرت قنبلة هيدروجينية أين؟ ومتى؟ وللوصول إلى تحييد الرئيس الكوري الذي يعتقد الغرب بأنهُ طائش وإلى تجميد المناورات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية ترضية للوفد المفاوض لكوريا الشمالية، وللحقيقة كان أمام المتفاوضين مسألتين مهمتين هي مفهوم : التخلي عن الأسلحة النووية ووضع نهاية للحرب الكورية وتبديل الهدنة إلى حال سلام دائم  وبدافع الدقة أقتضى الغور في تفاصيل أعماق هذا الحدث الخطير بتشخيص جملة من (المعطيات) للقيادة الأمريكية وتعاطيها مع زمكنة الحدث:

-الوفد الأمريكي المفاوض ضمّ أقطاب التيار اليميني المتشدد والمؤثر في مصادر القرار الأمريكي، وأبرز عناصرها مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي (جون بولتون).

- الملف الكوري يعتبر بالنسبة للأمريكان الحديقة الخلفية للصين وروسيا بمثابتة عامل ديناميكي فعال في الجيوبولاتيك العسكري.

- آراء وأفكار ورؤى (بولتون) موثّقة في كتابه (الأستسلام ليس خياراً) 2007، حيث يطالب في الكتاب ومقالة مذيّلةٌ بأسمهِ في صحيفة وول ستريت جورنال في شباط الماضي لنفس السنة يطالب بتوجيه ضربة عسكرية ماحقة لكوريا الشمالية.

- مهام مجلس الأمن القومي الأمريكي أكد في القمة على جدولة المواضيع للقاء سنغافورة بشرط أن يحضر كلٌ من وزير الدفاع ووكالة الأستخبارات المركزية ووكالة الأستخبارات الدفاعية، مما أضاف بعض الريبة والشك على جو القمة.

- مناورات (مايك بومبيو) وزير الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية غريم بولتون السياسي المتشدد بحماس أي أكثر ملكية من الملك وهو آتٍ من وكالة الأستخبارات الأمريكية ومن داخل التيار المتشدد للحزب الجمهوري في مجلس النواب.

- أمريكا مدانة أمام العالم بهروبها من الأستحقاقات الأممية منها القانونية والمالية والأخلاقية للحروب العبثية المفتعلة بأسم محاربة الأرهاب أي أن المفاض الأمريكي مشبوه ومدان فلا يؤتمن جانبهُ.

 - وكان رأي خبراء جنرالات صقورالحرب والعسكرتارية للبنتاكون في حروب جنوب شرق أسيا فيتنام وكمبودية وشبه الجزيرة الكورية سائداً على جو المحادثات في خلاصة رؤاهم الأستراتيجية تتمركز في حماية الدفاعات لحليفهم كوريا الجنوبية فيما إذا تعرضتْ لهجوم عسكري مباغت وخاصة أن الحرب بين الكوريتين لم تنتهي بل أنهما في هدنة مؤقتة.

- وعلى المتتبع لما سوف يدور في القمة أن يؤمن بأن سياسة المحاور الساخنة موجودة فعلاً على أرضية الواقع بحلفاء القطب الأمريكي اليابان وكوريا الجنوبية والتي تحويان قواعد عسكرية أمريكية والقطب الثاني المناويء كوريا الشمالية والصين وروسيا.

-  لدى الجانب الأمريكي فوبيا خطورة بيونغ يانغ والصين وروسيا على حلفائها اليابان وكوريا الجنوبية لوجود قواعد أمريكية عسكرية نشطة فيهما ومهمة طرح الجانب الأمريكي في تلك القمة مسألة نزع السلاح النووي Disarmament  وملحقاتهِ بآخر مختلفDenuclearization  الذي يحوي في بعض فقراتهِ "غض النظرعن الأسلحة الصاروخية والبلاستية" بنزع رؤوسها الكيمياوية والبايلوجية.

التوظيف السياسي للسلاح النووي

مفهوم التوظيف السياسي هو محددات الموقف الدولي من التأثيرات السالبة للحرية والسلام العالمي في البيئة الجغرافية لبني البشر وأنتشارثقافة الحروب من الممكن حينها توظيف السياسة لمكافحة الأرهاب كما حدث في زمن بوش الأبن في أسقاط دولتين مسجلتين في الوثائق الأممية أفغانستان والعراق بحجة مكافحة الأرهاب والسلاح الكيمياوي، بيد أن الجانب الأمريكي لن يوفق اليوم في توظيف السياسة لمكافحة أنتشار السلاح النووي في المنطقة وذلك لأختلاف المناخ السياسي المفروض لتأثرات الأمر الواقع، أن زمن بوش الأبن حصل على عطف وتأييد بعض دول العالم في نكبة 11 أيلول الكارثية في نسف أبراج التجارة والعكس اليوم الرئيس الأمريكي ترامب وقبله اوباما حصلا على نقمة الرأي العام الدولي لصناعتهما داعش وتأييدهما للأرهاب الدولي،  لذا نتمكن أن نقول: أن قمة سنغافورة لم تكسب التوظيف السياسي للسلاح النووي ولا يوجد في الأفق القريب والبعيد تخلي دول العالم عنها مثل أمريكا وأسرائيل والهند والباكستان ودول أخرى في طريقها للأمتلاك مثل أيران والسعودية فالأزدواجية الظلامية جلية تخيم على الموقف الدولي الأزدواجي النظرة.

وكان محور حديث قمة سنغافورة هو تخلص كورية الشمالية من أسلحتها النووية بلا رجعة مع السماح للجنة الدولية للتحقق من ذلك  وبأعتقادي أنهُ شيءٌ مضحك أن تتخلى بيونغ يانغ عن أمتلاكها السلاح النووي وبهذه السهولة ربما تخضع لحذلقة السياسة ومناورات كيم جونغ اون الذكية الذي توصل إلى أمتلاكه لهذا السلاح بشد الأحزمة للشعب الكوري ومقابل صرف المليارات من العملة الصعبة في شراء اليورانيوم وخبراء تكنيك هذا السلاح وربما أن الزعيم الكوري أنتبه أخيراً لعزلة كوريا عن العالم الخارجي وأستلابات الحصار الأقتصادي المفروض على دولته منذ أكثر من عقدٍ من الزمن وأمتناع المستثمرين للدخول للأقتصاد الكوري كل هذا الكم من الخسائر جعلهُ مرغماً على قبول التوقيع على البيان الختامي للقمة:

1-تعهد كيم فعلاً نزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية.

2- ضمانات أمنية أمريكية لبيونغ يانغ في أقامة علاقات جديدة بين البلدين، والتعاون الشامل على أحلال السلام والرخاء في شبه الجزيرة الكورية.

3- تلزم الأتفاقية الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بالكشف عن بقايا الأجسام المتحللة لأسرى الحرب والمفقودين وأعادة من كُشِفَ عنهم إلى بلادهم فوراً.

4- أنهاء الحرب الكورية بأبدال (الهدنة) بسلام دائم بين الكوريتين ، ويحث الجانبان موضوع حقوق الأنسان في شبه الجزيرة.

5- يتعهد كيم بتدمير موقع للتجارب الصاروخية ، مقابل توقف المناورات العسكرية الحربية الأمريكية مع كوريا الجنوبية.

أخيراً / ألذي يميّزِ هذه القمة قوة شخصنة الزعيم الكوري الشمالي وتماسك قيادته العسكرية والشعبية وفرض وجود وأهمية الدولة الكورية حين يجلس كيم (ندا) أمام أقوى زعيم في العالم ، وكسر عزلة كوريا الشمالية، وهي أشارة أيجابية في نزع فتيل الحرب والسلاح النووي والأتجاه إلى البناء والأعمار، وأعتبر اللقاء أنفراجاً دولياً لأكبر أزمة تبدو عصيّة ورحب بها كلٌ من الصين وروسيا، وللقمة أهمية سياسية على الساحة الدولية في زعيمٍ لنظام منغلق للغاية تعد تنقلاته خارج بلاده على أصابع اليد الواحدة  فهي رسالة تفاؤل ومحبة وتكريس للسلام العالمي.

كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد

21 حزيران 2018

 

 

 

عرض مقالات: