تسارعت الأحداث على جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا في ظل التقدم العسكري لروسيا بعد أن احتلت قواتها عددا من المواقع والقرى المهمة على جبهات لوغانسك ودونيتسك، وتهدد إن تحققت خطط العسكريين محاصرة آلاف الجنود الاوكرانيين في خاركوف وقطع خطوط إمداداتها. وبالمقابل تطورت الأحداث على صعيد تصاعد الدعم العسكري الغربي إلى أوكرانيا حيث صرحت ألمانيا بأنها سوف لن تمنع بولندا من تصدير دباباتها ليوبارد ٢ إليها, وفي الوقت نفسه حث نواب جمهوريون وديمقراطيون الرئيس بايدن إرسال عدد من دبابات ابرامز الأمريكية حيث قررت بعدها الإدارة الأمريكية إرسال ٣١ دبابة من هذا النوع إلى أوكرانيا على أن ترسل بقية دول الناتو عربات مدرعة ودبابات مشابهة من اجل تعزيز قدرة أوكرانيا لشن هجوم مضاد من أجل استعادة الأراضي التي خسرتها لروسيا ودحر الجيش الروسي الذي وحسب تصريحات العديد من الخبراء العسكريين سيكون هذا بعيد المنال نظرا لقوة الجيش الروسي وقدراته العسكرية المتطورة, إلى جانب التهديدات الروسية والتي جاءت على لسان مسؤول الأمن القومي الروسي ميدفيدف من أن روسيا النووية لا يمكن دحرها, وإن الدول المانحة للأسلحة الى كييف تتحمل مسؤولية وتبعات ذلك. هذا وقد رفعت موسكو من نبرة تهديداتها من أنها ستعتبر استخدام أوكرانيا قذائف اليورانيوم المنضب من دباباتها بأنها سلاح نووي قذر وله تبعات. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن شبهات الفساد التي طالت المؤسسات العسكرية والمدنية الأوكرانية من أن ٥٠٪ من الأسلحة التي سلمت إلى أوكرانيا قد اختفت وبيعت إلى جهات اخرى حسب التقارير التي صدرت من داخل المعسكر الأوكراني، وفضائح اغتيال وإقالة عدد من أعوان زيلينسكي المقربين كل ذلك يشكل ضغوطا إضافية على جبهات القتال ويضعف صمودها أمام تقدم قوات روسيا على جبهات القتال. كل ذلك يحدث ومنظمة الأمم المتحدة بعيدة عن بذل الجهود لدرء قيام حرب شاملة لا تبقي ولا تذر، كما يعزى سبب فشلها أيضا هو تصلب المواقف المتعارضة لروسيا وحلف الناتو الداعم لأوكرانيا مما يشل يد سكرتير الأمم المتحدة من تقريب وجهات نظر الطرفين والتي تتباين إلى حد بعيد.
ويبدو من خلال الدعم الغربي المتعدد الأشكال، وغير المسبوق إلى أوكرانيا يؤكد مخاوف ما ذهبت إليه موسكو من أن الغرب كان قد خطط ومنذ سنوات طويلة لإضعاف روسيا ومحاصرتها ومن ثم اركاعها عبر تمدد حلف الناتو شرقا وقريبا جدا من حدودها وحرمانها من الموانئ في البحر الأسود الذي تطل منه روسيا نحو البحر الأبيض المتوسط وعبره نحو المحيطات مما يعرض مصالحها لتهديد خطير يطال تأثيرها في العالم. ورغم كل تلك المخاوف والتبريرات التي تسوقها روسيا وتحاول أن تقنع بها شعبها والعالم بصحة قرارها القيام بهذه المخاطرة فإن موسكو عمليا قد خرقت القانون الدولي بغزوها للأراضي الاوكرانية ومنحت الغرب والناتو ورقة ضغط ضدها، وهي تتحمل حاليا تبعات عقوبات اقتصادية ومالية لا مثيل لها. وإذا تمعنا في موقف اليسار الأوربي من الوضع المتأزم الحالي نلمس عدم وضوح وتشوش الرؤيا وإن تحليلاته لا تأخذ بنظر الاعتبار مخاوف روسيا الأمنية من تمدد الناتو شرقا حتى حدودها، في حين إنه يدين العملية العسكرية الروسية في لكنه يتغاضى عن إدانة حلف الناتو والقوميين الاوكرانيين على التخطيط المسبق لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع على روسيا كما صرحت به مستشارة ألمانيا السابقة قبل أيام. وهذا الموقف لا يليق بالأحزاب اليسارية, فبدلا من إدانة وجود حلف الناتو العدواني أصلا والمطالبة بحله, والقيام بحملة عالمية لوقف جنون التسلح الذي يدفع العالم إلى شفى حرب عالمية, وفرض السلام وحل المشاكل بالطرق السلمية من خلال تقديم ضمانات أمنية على الأرض لموسكو لتبديد مخاوفها والتي تتضمن ايقاف تمدد حلف الناتو شرقا وسحب أسلحة الناتو الهجومية من الدول المحيطة بها, نجد اليسار الاوربي يتخبط بالتحليلات السقيمة عن أن القوميين الروس يحاولون من خلال غزوهم لأوكرانيا السيطرة على ثروات البلد وإعادة هيمنتهم عليها, وهم بذلك يتعكزون على ما يسموه (تضامن) أحزاب اليمين المتطرف الاوربي مع القوميين الروس والوقوف ضد سياسات حكوماتهم بشأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا والتي انعكست سلبا وبشكل جلي على حياة ومعيشة مواطنيهم, إضافة لمعارضتهم ضخ الأسلحة الى حكومة زيلينسكي الفاسدة.
ليس هناك في ظل الوضع العالمي الخطير خيار أمام اليسار في العالم أجمع غير القيام بحملة عالمية من أجل السلام العادل الدائم، والمطالبة بحل جميع الأحلاف العدوانية وإعادة الثقة بمنظمة الأمم المتحدة ودورها في فرض التعايش السلمي بين الشعوب وحل المشاكل الدولية عبر سياسة منصفة وعادلة لجميع شعوب الأرض. هذا الدور الذي يليق باليسار ويذكرنا بأنشطته السابقة المتعددة ضد الحروب التي شنها الغرب العدواني على دول وشعوب من أجل الهيمنة ونهب خيراتها وفرض إرادته وسياسته من جهة والدفاع المستميت عن مصالح شعوبها الطبقية من جهة أخرى. بدون ذلك ستبقى تلك الأحزاب اليسارية تتراجع وتفقد بوصلتها الطبقية وقاعدتها الجماهيرية.